ديفيس مكشين - الاوبزرفر

يقول العارفون في الشارع الباكستاني انه يترتب على اي شخص يريد الامساك بقبضة السلطة السياسية في الباكستان ان يمسك بثلاث أوراق رابحة، وهي: أميركا، والجيش، والله. وفيما تخطط الباكستان لإقامة احتفالات الذكرى السنوية الستين لاستقلالها في وقت لاحق من هذا العام، فإنها تأمل بمستقبل تكون فيه أقل عبودية لعسكرييها ولملاليها، كما ولواشنطن. لكن الرئيس برفيز مشرف الذي استولى على السلطة إثر انقلاب عام 1999 يواجه ازمة.

عدا عن كونها الناتو الشرقي الهادئ، وجبهة جديدة في الحرب على الارهاب، تشعر شوارع اسلام اباد بأنها مهتزة، منقسمة وفي انتظار الاسوأ. ولا تشكل الباكستان دكتاتورية ولا ديمقراطية، فصحفها اعلى صوتاً في الانتقاد الموجه لرئيسها من صحف الغرب المناوئة لبلير والمعادية لبوش. ومفكروها يجولون العالم حاطين من قدر بلدهم، كما أن البليونيرة والسياسية المعارضة بناظير بوتو التي تلقت تعليمها في كيمبردج حرة في العودة الى الوطن متى شاءت. لكن الجنرال مشرف وجيشه هم المسؤولون. وقد افضى فرض الاقامة الجبرية على كبير القضاة افتخار محمد شودري بعد ان رفض طلباً من الرئيس بتقديم استقالته الى حالة من الغضب. وفي دولة توقر المنصب الرفيع، صدمت معاملة القاضي بخشونة حتى اكثر الساسة الباكستانيين تهكماً.

إن الباكستان الآن في حاجة ماسة للعودة الى الحكم المدني الديمقراطي، حتى ولو ان قادتها الذين انتخبوا في تسعينيات القرن الماضي اصبحوا مثالاً للفساد، مشجعين طالبان وطلبة المدارس الدينية وطويلي اللحى والساسة من ذوي العمائم الذين يصرون على ان يكون القانون خاضعاً للثيوقراطية. وتتطلب الديمقراطية إبرام تسوية بين العسكر والساسة. لكننا نشهد بدلاً من ذلك انزلاقاً بطيئاً نحو سلطوية متزايدة في ظل حكم مشرف، وعلى نحو يحرف الباكستان أكثر عن المسار.

في الحقيقة، لم تكن القصة الأكثر تأثيرا في باكستان في الآونة الأخيرة هي تلك المتعلقة بكبير القضاة، وإنما حول رجم امرأة ورجلين حتى الموت بعد اتهام ثلاثتهم بارتكاب فاحشة الزنى. وقد أصبح تصاعد التشدد الديني الآن يشكل خطرا سياسيا يمتد من الغرب المسيحي الى الشرق المسلم. ومع ذلك، يظل أمر رعاية باكستان أمراً سهلاً. وتقوم بريطانيا حالياً بإغراق الهند بخريجيها الحاذقين ورجال الاعمال الهنود المحترفين، لكن سجل الهند في مجال حقوق الانسان والأمية التي يعاني منها أكثر من نصف شعبها يظل أفضل قليلا من الباكستان، وينظر الى الهند على انها تشكل بحق ذلك الشريك الاستراتيجي للغرب، وخاصة الولايات المتحدة التي تلعب لعبة توازن القوة مستخدمة الهند ضد الصين. لكن الباكستان، لا الهند، هي التي تشكل مفتاح الاستقرار في النظام العالمي الجديد.

إن رد الفعل المتسلسل الذي بدأ عندما اوجد الغرب والمملكة العربية السعودية حركة الجهاد لطرد السوفيات من افغانستان، يبدو الآن وهو يعود ليسكن الباكستان. ففي ثمانينيات القرن الماضي، سمحت الباكستان لنفسها بأن تكون قاعدة لشن الهجمات على روسيا، رغم ان الاتحاد السوفياتي كان يترنح على شفير مزبلة التاريخ. والآن، عاد الجهاديون ليتقدموا بثبات باتجاه الشرق، فيما يبشر الاسلاميون المتشددون بالكراهية ويبررون الهجمات الانتحارية. ومع ذلك، فإنه يمكن انقاذ افغانستان في حال استطاعت حملة سياسية - اقتصادية - اجتماعية ان تكسب ارضية على حساب التعريف العسكري الصرف لطبيعة التحديات. وفي وقت سابق من هذا الشهر، كان الذعر قد أصاب جنودا اميركيين بعد هجوم بالقنابل، فأطلقوا النار عشوائيا ما افضى الى مقتل ثلاثين شخصا. ولعل تكراراً قليلاً لذلك اليوم الدامي يمكن أن يجعل من جارة الباكستان عراقاً آخر قبل ان تؤتي اعادة اعمارها اكلها.

ها هي ذي بريطانيا ترسل أحد عتاة دبلوماسييها المشهود لهم في حل المشاكل لتولي إدارة تواجدها المعزز في كابول. وتشكل وكالات الامم المتحدة، والمفوضية الاوروبية، بالاضافة الى المجلس الاوروبي وعشرات المنظمات غير الحكومية مجموع ذلك المجهود الضخم الذي يتم في افغانستان، لكن الأمر سينتهي بها إلى أن تلعق أذياليها ما لم تنسق أعمالها هناك على نحو أفضل.

ربما تكون الاخبار جيدة فيما يتعلق بتشييد المدارس والطرقات والمستشفيات. وتبدو كابول أغنى مما كانت عليه قبل ثلاثة عقود عندما كانت نقطة توقف لقوافل من الهيبيين. لكن طالبان والجهاديين من بين الثلاثة ملايين لاجئ في الباكستان يعودون إلى العمل بلا توقف ولا هوادة. وطالما جرى توبيخ الباكستان لأنها لا تفعل ما فيه الكفاية. وقد طلب إليها إقفال حدودها، وكأن بوسع الولايات المتحدة أن تغلق حدودها مع المكسيك، أو أن 30.000 جندي يستطيعون اقفال الحدود التي اجتازها القتلة من الجيش الجمهوري الايرلندي. وقد مورس الضغط على الباكستان لتعقب بن لادن، لكن قوات الناتو لا تستطيع القاء القبض على رادوفان كارادزيتش او اقناع الجيش الصربي بالتوقف عن توفير الحماية لباتكو ملاديتش.

لقد اصبح الوقت اكثر من مستحق للاعتراف بالتضحيات التي اقدمت الباكستان عليها. فهي توقف 80.000 جندي على حدودها مع افغانستان، وهي الحدود التي تمتد لمسافة 2.300 كيلو متر. وقد قتل لها 500 جندي، اي اكثر بكثير من خسائر قوات الناتو في افغانستان او من خسائر البريطانيين في العراق. كما تستطيع الهند الانضمام إلى الحرب ضد الارهاب عبر تحريك 700.000 من جنودها من كشمير وفتح الحدود. وقد كان مشرف اشجع من اسلافه في الاقرار بأن الجزء الذي تسيطر عليه الهند من كشمير لن يعود الى الباكستان.

الى ذلك، ولو شعرت الباكستان بأن جناحها الشرقي آمن، فإن باستطاعتها ان تحول قواتها الى الغرب، أي افغانستان. وكانت بريطانيا قد منحت الهند في السنوات الاخيرة مساعدات بقيمة بليون جنيه استرليني في الوقت الذي تنفق الهند فيه على المساعدات لافغانستان مجرد مئتي مليون جنيه استرليني. وتساعد المساعدات التي تقدمها المملكة المتحدة من الناحية الفعلية جهود الهند لسحب افغانستان من فلكها، حيث تقوم الهند بافتتاح قنصليات لها في اجزاء من افغانستان حيث لم يكن أي هندي قد شوهد منذ سنوات. ومن المنظور الباكستاني، يبدو ذلك وكأن الهند تسعى إلى النفوذ هناك بغية المحافظة على زخم الضغط على عدوها القديم.

سيكون quot;الهيروينquot; هذا الصيف ارخص ثمنا في شوارع الباكستان من الحلويات. ولدى الهند والصين مشكلة مخدرات اكبر مما لدى المملكة المتحدة. وعلى البلدين ان يتيحا لاسلام اباد مخرجاً. ذلك أن الأمور اذا ما سارت على غير ما يرام في افغانستان، فان الهدف التالي للايديولوجيات التي تدفع بالمفجرين الانتحاريين سيكون الباكستان، سوية مع ترسانتها النووية. إن الباكستان هي المفتاح لالحاق الهزيمة بالتهديدات الجديدة الموجهة للعالم. وطالما كان الغرب قد أدار ظهره للباكستان مرة تلو الأخرى. وينبغي عدم تكرار ذلك الخطأ. ولذلك، فإن على بريطانيا، من خلال صلاتها الوثيقة مع الباكستان ومن خلال أعضاء برلمانها المفوهين والقادرين من المسلمين وبواجبها المتمثل في أن تقول للاميركيين بان عليهم تغيير تكتيكاتهم، أن تساعد قبل أن يفوت الاوان.