الإثنين 26 مارس 2007


سعد محيو


الاجتهادات عديدة:

الإيرانيون احتجزوا البحارة البريطانيين ال،15 ردا على احتجاز الامريكيين لبعض مسؤولي الحرس الثوري الإيراني في العراق. الدليل: السفن الحربية الإيرانية التي أسرت البريطانيين، كانت تابعة للحرس لا للجيش الإيراني. أو انهم (الإيرانيون) أرادوا توجيه تهديد مباشر إلى مجلس الامن عشية انعقاده، بأن ردهم على العقوبات المنتظرة، برغم محدوديتها، لن يكون لا تقليدياً ولا محدودا.

أو انهم ردوا على الصفعة الدبلوماسية ضد رئيسهم أحمدي نجاد بتأخير منحه تأشيرة الدخول إلى نيويورك، بصفعة أمنية في شط العرب.

كما هناك احتمال آخر غير مستبعد: عملية الاحتجاز ربما نفذها صقور في القيادة الإيرانية. وهي تعكس الخلافات الحادة داخل هذه القيادة حول العلاقات الراهنة مع الغرب.

أي من هذه الاجتهادات قد يكون الدافع الرئيس لrdquo;أزمة الرهائنrdquo; الجديدة. لكن كلها معاً يمكن أن تكون صحيحة أيضاً. فالأزمة الإيرانية - الغربية واحدة، برغم أنها متعددة الرؤوس الامنية - الاستخبارية والتشعبات والعسكرية- الدبلوماسية. وما يحدث في الموصل او كركوك يرتبط مباشرة بما يتأتى في شط العرب ومياه الخليج.

إضافة، الخليج بحراً وجواً وبراً يعج هذه الأيام بالبوارج والمدمرات وحاملات الطائرات الكبيرة وسفن الصواريخ الصغيرة، التي تتنافس للسيطرة على رقعة جغرافية محدودة. وهو تنافس بات أكثر خطورة بما لا يقاس، بعد أن أدت سلسلة الأخطاء الغربية المتتابعة إلى تحرير إيران من العديد من أعدائها الخطرين الذين كانوا يكبلون حركتها في مجالها القومي الحيوي.

البداية كانت مع نهاية حركة طالبان، التي أثار صعودها ذكريات تاريخية مريرة لدى الإيرانيين حين قام الأفغان قبل قرنين باجتياح بلادهم وتدمير مقومات وجودها كدولة كبرى آنذاك.

ثم استمرت هذه البداية مع قيام الامريكيين بتدمير صدام حسين الذي هزمهم في حرب السنوات الثماني، وما تلا ذلك من تحول العراق من دولة قوية توزان قوة الدولة الإيرانية، إلى دولة فاشلة شكلت مرتعاً للنفوذ الإيراني.

ولا يجب أن ننسى بالطبع أن الأخطاء الغربية والأمريكية الدائمة في فلسطين وبقية أنحاء الهلال الخصيب العربي، منحت طهران فرصا ذهبية كاملة للتغلغل في قلب الوطن العربي بشكل لم يكن له مثيل منذ أيام قورش العظيم.

هذه إيران التي يواجهها البريطانيون والامريكيون الآن في مياه الخليج. إنها إيران الصاعدة (أو التي تعتبر نفسها صاعدة) والقوية (أو التي تعتبر نفسها قوية بسبب ضعف الآخرين) والواثقة من نفسها. وبرغم الخلافات الداخلية في إيران حول أسلوب التعاطي مع الغرب، إلا ان الجميع في قمرة القيادة في طهران يبدون مجمعين على ضرورة مواصلة السعي لاستعادة أمجاد إيران الاقليمية والدولية. ولا عجب. فحين تذوق الأمم طعم الامبراطورية مرة، تميل دوماً إلى إعادة تذوقها مرات. وهذا ينطبق على الإيرانيين، كما العرب، كما الأتراك، الذين بنوا جميعاً امبراطوريات عظيمة ما زالوا يحنون لها، وما زالت تشكل جزءاً من هويتهم وذاكرتهم الجماعية الإيجابية.

أجل. أزمة الرهائن البريطانيين الجديدة قد تجد طريقها إلى الحل، كما سابقتها في العام 2004 حين احتجز الإيرانيون في عملية مماثلة ثمانية بحارة إنجليز. لكن لهذا النوع من الازمات وظيفة أخرى: الكشف عن مدى خطورة وجود الأساطيل وجهاً لوجه، من دون أن يكون ثمة مظلة سياسية تنظم حركتها وتحدد قواعد عملها.

هذه المظلة معدومة الآن في الخليج. ولذا، قد تكون مثل هذه العمليات انعكاساً لمدى عمق الأزمات. لكنها في الوقت ذاته قد تلعب دوراً آخر: الشرارة التي يمكن ان يندلع منها لهيب الحرائق الكبرى. وفي ظل التوترات الكبرى الراهنة بين إيران الصاعدة والغرب المتفوق والمسيطر، هذه الحرائق ليست مستبعدة. لا بل هي قد تثبت لاحقاً انها مرجحة!