داوود الشريان

يمكن القول إن القضية الفلسطينية هي التي أوجدت القمم العربية على مدى 61 عاماً، إذا اعتبرنا أن مؤتمر أنشاص الطارئ الذي عقد عام 1946 كان بداية لتاريخ القمة، قبل ان تصبح مؤسسة سياسية في قمة القاهرة عام 1964، وتراوح اهتمام القمم بقضية العرب الاولى بين اللاءات الثلاث في قمة الخرطوم، ورفض الصلح مع اسرائيل في قمة بغداد 1978 الى طرح مشروع السلام في قمة فاس 1981، الا ان هذا الاهتمام بقي اسير الخلافات العربية، والمزايدات السياسية، فتحولت القضية الفلسطينية الى مجرد وسيلة لاذكاء هذه الخلافات، لكن الموقف العربي من الملف الفلسطيني شهد تحولاً جذرياً بعد توقيع اتفاق اوسلو بين الفلسطينيين والاسرائيليين عام 1993، فتخلص القرار الوطني الفلسطيني في تلك المحطة من هيمنة بعض العواصم العربية، ولم يعد احد يدعي انه أولى بالفلسطينيين وقضيتهم من غيره.

لكن العرب تعاملوا مع القضية الفلسطينية بعد اوسلو باعتبارها نزاعاً حدودياً بين الفلسطينيين والاسرائيليين، واستبدل بعضهم الرفض المطلق لأي حوار او تسوية بالاهمال وعدم الاكتراث، ولسان حاله أن ما يجري بات مشكلة تخص الفلسطينيين وحدهم، فهم من قام بتوقيع اوسلو من دون اذن او مشورة وعليهم تحمل نتائج ما سيترتب على هذا الاتفاق، فأسهم هذا الموقف في عودة الخلافات العربية - العربية حول الملف الفلسطيني، وأدى تعامل العرب الرافض والمتشكك من مشروع اوسلو الى انهيار العمل العربي المشترك لمساندة النضال الفلسطيني، واتخذ مشروع السلام مسارات منفردة مع كل دولة عربية، واستولى المجتمع الدولي على زمام المبادرة، وجلس العرب في صفوف المتفرجين، وزاد الامر سوءا مع تصاعد الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني، فصار اوسلو اتفاقاً لتعزيز الاطماع الاسرائيلية عوضاً عن اعطاء الفلسطينيين ربع حقهم، وترتب على هذه النتيجة موقف دولي سلبي، افضى الى نشوء اطر سياسية دولية غير عادلة اهمها اللجنة الرباعية التي تضم بالاضافة الى الولايات المتحدة روسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، فوجود الامين العام للأمم المتحدة في عضويتها، كما اشار كلوفيس مقصود في مقاله يوم الاحد في جريدة laquo;النهارraquo;، يسهم بعض الاحيان laquo;في إلغاء العديد من قرارات الامم المتحدة الصادرة عن الجمعية العمومية ولجانها او مجلس الامن او عن محكمة العدل الدولية، ويقلص عملياً فرص اللجوء الى مؤسسات المنظمة الدوليةraquo;. ولهذا فإن مطالبة الدكتور مقصود قمة الرياض بأخذ ملابسات حضور الامين العام للأمم المتحدة في عضوية laquo;الرباعيةraquo; على محمل الجد هي اقتراح جوهري ومهم ويستحق الاهتمام.

في هذه الأجواء العربية المنقسمة في رؤيتها لموضوع السلام، والاروقة الدولية التي التبست فيها الأدوار، طرحت الرياض مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002 في محاولة لخلق مضمون سياسي لعمل عربي مشترك، ورأي عربي موحد حيال موضوع السلام مع اسرائيل، لكن هذه المبادرة لم تجد حماسة عربية كافية، وتحولت الى مشروع laquo;مبادئraquo; يجري الاتيان على ذكرها قبل كل اجتماع دولي، وللتذكير بأن العرب مروا من هنا، فضلاً عن انها واجهت الانقسام الفلسطيني الذي وصل الى حد الاقتتال، فكان لا بد لتفعيلها من تهيئة الساحة الفلسطينية أولاً، فجاء اتفاق مكة الذي نجح في خلق شراكة سياسية فلسطينية هي الاولى منذ البدء في عملية السلام، وتالياً كان لا بد من شرعنة laquo;الرباعية العربيةraquo; ودفع تهمة الوصاية التي تطلقها بعض العواصم عن هذه اللجنة، وايجاد اجماع عربي على عملها، باعتبارها laquo;مجموعة عملraquo; تمثل القمة، فإذا استطاعت قمة الرياض الخروج باجماع على تفويض هذه اللجنة كممثل للقمة، فإن الموقف العربي سيشهد نقلة نوعية في تعامله مع مشروع السلام، ولعل قمة الرياض تنظر في امكانية انضمام الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى لعضوية هذه اللجنة لتستكمل شكلها الممثل للقمة العربية.

قمة الرياض شهدت حضوراً شبه كامل ونجحت في تهيئة الاجواء العربية والفلسطينية لمعاودة اطلاق المبادرة العربية للسلام، وخلق حال من التفاؤل بعودة عمل عربي مشترك، من شأنه تحقيق اختراق مهم في تحريك المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وتزامن هذا التطور في المشهد العربي مع اعتراف اسرائيلي حذر بالمبادرة، وترحيب اميركي مشروط laquo;بمتابعة نشطة وليس مجرد وضعها في منتصف الطاولةraquo;. لكن يجب عدم رفع سقف النتائج المتوقعة، فالمبادرة تتصدى لقضايا الحل النهائي (الحدود والمستوطنات واللاجئين والقدس)، وأمامها مشوار شاق وطويل. والمهم هو ان لا يتعامل العرب مع المفاوضات القادمة من زاوية المقايضة مع واشنطن، فالمبادرة تستند الى مبدأ الارض مقابل السلام والتطبيع، وليس حقوق الفلسطينيين مقابل تحسين ظروف الورطة الاميركية في العراق، فتاريخ علاقة العرب مع الولايات المتحدة يشير بوضوح الى ان واشنطن لا تخضع دعمها لاسرائيل لمبدأ المقايضة، وكانت على الدوام ترفض ربط الملف الفلسطيني بقضايا المنطقة مهما تعقدت هذه القضايا، ولهذا فإن التلويح بتسهيلات في العراق لاستمالة الموقف الاميركي خطوة فاشلة. ويبقى ان قمة الرياض التأمت على مضمون سياسي محدد ومعروف، ومدعوم بموقف فلسطيني موحد وهو أمر لم يتح لتحرك عربي سابق، وهذا بحد ذاته نجاح سعودي يدعو للتفاؤل.