تركي السديري

استضافت قناة الجزيرة من قطر مساء أول أمس الثلاثاء العقيد معمر القذافي.. وقد أتت الاستضافة في نفس اليوم الذي توافد فيه قادة العالم العربي إلى الرياض للمشاركة في القمة العربية التاسعة عشرة .. وبالطبع من الواضح أن من يديرون قناة الجزيرة بحثوا عن أشرس وسيلة يمكن أن تجرح الرياض ومن فيها ولم يجدوا أفضل من العقيد القذافي.. هذا هدف قطري يتكامل مع هذيان أشهر كاذب عربي محمد حسنين هيكل وتهريج سوداء اليمامة..
لكن لو كنت مسؤولاً عن الإعلام السعودي أو عن برامج التعليم في المملكة لأعدت عرض الحلقة بإعلان مسبق عنها حتى يرى الناس والطلبة بخصوصية أكثر نوعية النموذج القيادي الثوري الذي قاد العالم العربي إلى أكثر من هاوية..

نحن دائماً في إعلامنا نتحدث عن هذا النموذج وتعدد مآسيه، لكن عندما يأتي واحد من هذه النموذجية البائسة العقل والمفاهيم ويتولى هو شخصياً عرض نفسه على الناس فليس هناك ما هو أبدع وأكثر مصداقية من ذلك..

العقيد قال عاتباً وغاضباً حين برر عدم حضوره للقمة في الرياض إنه قد غسل يده من هؤلاء العرب وجزم باليأس من أي مستقبل لهم، ويسأل الله أن يبعدهم عنه.. ولتأكيد ذلك وضع صورة للقارة الأفريقية كرمز انتماء على صدره.. وبرر هذا الغضب واليأس من العرب أنهم لم يتخذوا موقفاً ضد السعودية حين ألجمه قائدها بالتعنيف العاقل عندما واصل هذيانه في كل قمة، موهماً من يستمع أنه المرشد الأول الذي يصغي إليه الجميع في كل اجتماع..

وهو عندما أعلن براءته من العرب وتعففه عن الاتصال بهم عاد واستدرك فاستثنى القوميين والشيوعيين والبعثيين ومؤكداً أنه كان يقصد بعث العراق.. قال: هؤلاء مستبعدون الآن وهم ثوريون حقيقيون سوف يحتويهم.. ألف مبروك إذا وجد منهم من هو باق على أفكاره القديمة عندما قام هو بثورته..

لقد وصف نفسه في ابتعاده عن العالم العربي بأنه العميد القيادي الذي افتقدوه، وأنه الزعيم الأممي الذي من واجبه جمع الأقليات التي غرب بريقها..

من الخطأ التصور أن السعودية هي أول من اعترض على افتتاحه لأي قمة بتجريح للآخرين، ففي زمانه القديم كان يتبادل مع الملك الحسن الثاني - رحمه الله - بعض الوخزات.. يأتي هو معرضاً بالحسن فيقول علانية إنه ضد ركود الحكم وأنه المؤسس لثورة الحريات والاستقلال فيترفع الحسن الثاني عن الرد المباشر لكنه يشير إلى ماضي أجداده ملوكاً وقادة من أجل كرامة المغرب..

زار العقيد تونس في عصر الحبيب بورقيبة وخرج في تجمع بإحدى الساحات هو ووزير تونسي وأخذ يخطب في الميكرفون مبشراً بالوحدة بين ليبيا وتونس.. فما كان من أبورقيبة إلا أن تدخل تليفونياً وطلب قطع التيار الكهربائي عن الساحة.. وغضب العقيد فسافر..

عندما جمع صدام حسين العرب في قمة بغداد ليفرضها بديلاً لزعامة القاهرة بعد سلام السادات لكن عين العقيد كانت أيضاً على مكانة عبدالناصر الشعبية عربياً فانطلق في بداية قمة بغداد معلناً بطريقة خطابية عن مواهبه القيادية فما كان من صدام حسين الذي في نفسه ذات الرغبة إلا أن أخرسه بعبارات قاسية غضب بعدها وتصرف كالعادة..

ربما لا يعرف كثيرون ممن لا يحضرون مؤتمرات القمة أن افتتاحها يتأخر دائماً 45دقيقة حيث يتغيب العقيد وتقول سكرتاريته إنه نائم.. سيأتي قريباً..

في الحقيقة أمتلئ بالمعلومات عن شخصه، أفكاره، تقلباته، فلا أحتاج لأن أكون قريباً منه.. لكن أتمنى الحياة مع حشد من الليبيين كي أعرف ماذا يقنعهم فيه..

لي عتب على المذيع الجيد الأداء الذي حاوره.. لأنه عندما امتدح السلام وقال لابد أن يتعايش اليهود والفلسطينيون لم يقل بكم سيتبرع ببليون واحد أو اثنين لبناء أحياء لمهجري المخيمات.. وإذا كان يرغب الحرب لم يقل كم سيدفع لسوريا دولة المواجهة الوحيدة من بليون كي تعزز قدراتها العسكرية.. وإلا فهي غنية عن مساعداته ولم تطلبها من أحد..

الرجل يهذي فقط.. لكن كيف يتحمل الليبيون ذلك لأكثر من ثلاثين عاماً؟.. لا تقولوا يا صبر أيوب وإنما يا صبر ليبيا..!