اندرياس ويتمان سميث - الاندبندنت

أفضت قراءتي كتاب جوليان باغيني الجديد quot;أهلاً بكم في كل بلدة: رحلة في داخل العقل الانجليزيquot; إلى إرباك مسلمات طالما كنت قد كونتها عن نفسي وعن المجتمع الانجليزي. وكانت طريقة السيد باغيني في التحقيق هي قضاء ستة اشهر في اكثر مكان يتسم بمستوى عيش معتدل يستطيع ايجاده. او بشكل اكثر دقة، في ما بعد المنطقة المرمزة، في المنطقة التي تتسم بأقرب شبه لأنماط المنازل العائلة في البلد ككل. وتبين ان هذا المكان هو quot;اس 66quot;، وهي مقاطعة تقع في اطراف روترهام في ساوث يوركشاير.

لقد سعى المؤلف، وهو فيلسوف، الى تحديد الفلسفة المهيمنة على المواطن الإنجليزي، والى وصف الأنظمة العقائدية الكامنة في بواطننا. وقد جاء استبصار السيد باغيني الرئيسي ليقول بأن الثقافة الانجليزية تظل في اغلبيتها ثقافة الطبقة العاملة. وبأننا، عبر ايلاء الكثير من الاهتمام للثروة المتنامية، قد ارتكبنا خطأ الاعتقاد بان كل شخص منا يصبح تدريجيا من الطبقة الوسطى.

لكن ما يحصل في الواقع، كما يقول السيد باغيني، هو ان اغلبية اولئك الذين يضيفون الى منازلهم حمامات ويقودون سيارات اكبر وافضل، يظلون هم ايضا، في قيمهم واعتقاداتهم، طبقة عاملة بشكل مطلق كما كانوا في السابق. كما أن معظم البرامج التلفزيونية، اما تعالج المشاكل المنزلية لحياة الطبقة العاملة، او هي احجيات او برامج ترفيه تنبع مباشرة من تقاليد اندية رجال الاعمال. ولعل اعظم مثال على ثقافة مركزية الطبقة العاملة في انجلترا هو كرة القدم.

في الحقيقة، عندما يرغب الناس الميسورو الحال في انجلترا إظهار أنهم quot;على اتصالquot;، فانهم يزعمون ndash; على نحو لا يقبله عقلي في الغالب - بانهم يؤيدون نادي مانشستر يونايتد، او كائنا ما كان النادي، طوال حياتهم.

لطالما كنت أفكر بنفسي دائما انني لا انتمي الى اي طبقة، كما انني اشك في ان الكثير من الناس الذين اعرفهم يعانون من هذا الوهم نفسه. أوَ لم أكن قد نشأتُ في جزء فقير من quot;ميري سايدquot; حيث كان والدي يعمل قسيساً؟ كان ذلك هو الأمر فعلاً، لكن السيد باغيني حفزني على تذكر أن عمل والدي كان جيبا من جيوب الطبقة الوسطى في منطقة تقطنها طبقة عاملة وسطى.

ألم أدرس في المدرسة المحلية التي كانت تضم الاولاد اللامعين من اماكن تبعد مسافة قيادة دراجة هوائية الى بوابات المدرسة، بغض النظر عن دخل آبائهم؟ نعم، لكن افضل اصدقائي كان ابن طبيب يهودي.

ألم أمضي جل حياتي العملية بشكل رئيسي في الصحافة، وهي ميريتوقراطية لا تجدي فيها خلفية المرء؟ بالتأكيد، لكن هذا يعنى أنني امضيت 47 سنة وأنا اعيش في وسط لندن، حيث السكان يبدون أكثر شبهاً بباقي سكان مدن العالم اكثر مما يشبهون سكان ساوث يوركشاير.

لكنني عندما قرأت تحليل السيد باغيني عن معتقدات الطبقة العاملة، بدأت أدرك أنني ترعرعت في نظام قيم مختلف. فأنا أشارك انجلترا تقاليد التسامح التي يصفها السيد باغيني بانها المفهوم الفلسفي المهيمن فيها. دعونا كلنا نكون انجليز باي طريقة نختارها، وطالما أن إنجليزيتكم لا تهدد انجليزيتي، فإنه لا يهم إذا كانت مختلفة.

مع ذلك، يتبين فعلاً ان ثمة حدودا للتسامح الانكليزي. ذلك أن الـ quot;نحنquot; التي تشكل الاغلبية السائدة الانكليزية ليس لها مشكلة مع الاجراءات غير الليبرالية التي تنتهك حريات quot;همquot; من اجل مصلحتـ quot;ناquot;.

كما يؤكد المؤلف، فإن quot;الانكليز ليسوا ليبراليين كلاسيكيين، لكنهم اتصاليونquot;. وثمة شعار اتصالي تقليدي يقول quot;لا حقوق بدون واجباتquot;. وبهذه الطريقة من التفكير، تكون الحقوق غير مطلقة كما هي في اعلانات الحقوق الاوروبية وتلك الخاصة بالامم المتحدة، وإنما هي ظرفية. وفي ثقافة الطبقة العاملة الانكليزية، فهي تعتمد على الظروف التي تتم المطالبة بها في سياقها. ويقول السيد باغيتي quot;إننا ما لم ندرك حقيقة أن انكلترا ليست ليبرالية، فإننا سنكون ذاهبين ضد اغلبية التفكير الشعبي في كل مرة نحاول فيها تنفيذ سياساتنا التي تستند الى الافتراض بأنها كذلكquot;.

إن الشيء نفسه ينطبق على اللعب النزيه، حيث يلعب الكل ضمن نفس القواعد ولا يلجأ أحد إلى الغش. لكن المفهوم الإنجليزي للعب النزيه يظل في الممارسة أكثر انفلاتاً من ذلك. فبعد كل شيء، واذا ما تم الدفع لنا نقدا مقابل عمل ما، فإننا ربما لا نصرح به أمام سلطات الضريبة.

كلا. ذلك أن تفحصاً دقيقاً لمفهوم اللعب النزيه الشهير الخاص بنا يثبت أنه شبيه بباقي مفاهيم هذا البلد. ذلك أن اللعب النزيه لا يعني اللعب ضمن القواعد، وإنما يعني أن يأخذ كل شخص حصته. وهذا يعتمد بالتالي على وضع الشخص المعني في المجتمع. فانت ربما لا تغش جارك، ولكنك قد تسرق من شخص أكثر منك غنى إذا ما ضمنت بأنك يمكن أن تفلت بفعلتك.

يجد السيد باغيني أيضا أن هناك عناصر لم تمس في ارثنا البروتستانتي ما تزال تحيا في داخل نظام القيم الانجليزي. وهو يقول ان افتقارنا النسبي للاهتمام بالغذاء واعتقادنا بأن الغذاء مثل الوقود، وهواجسنا حول انظمة التغذية وثقافتنا الصاخبة والعنيفة، هي أمور مستقاة كلها من مبدأ الإصلاح الذي يعلمنا بأننا سنقابل خالقنا يوما ما وجها لوجه، حيث لا يتدخل أحد نيابة عنا، لا كاهن ولا مصلون. وعليه فإننا قد نقدم، عامرين بالوعي، على بذل جهود متكررة ومترددة نحو استعادة طريق الفضيلة.

يمكن لي الآن أن أضع نفسي على الخارطة على نحو أكثر دقة. فبقدر ما يعتنق الناس في ساوث يوركشير القصية وجهات نظر شيوعية أو لا يتبنون وجهات نظر حازمة إزاء اللعب النظيف، فإنني أسعى إلى الاختلاف عنهم. ولكنهم بقدر ما يحتفظون بالنزعات البروتستانتية التطهيرية القديمة، فإنني أتقاسمها معهم هنا في وسط لندن. وكما يلاحظ السيد باغيني، فإن الإنجليز ذوي أداء سيئ للغاية خلال مآدب الغداء الكسولة الطويلة. quot;فالجانب التطهيري فيهم لا يستطيع أن يرى الحكمة في أن يتريث المرء في المكان أكثر مما يقتضيه تقديم الطعام إليك.quot; وهذا هو أنا.