محمد صادق الحسيني



قبل أربع سنوات من الآن وفي مثل هذه الأيام بالضبط وجهت رسالة مفتوحة ـ نشرتها بعض صحف المهجر العربية ـ إلى المعارضة العراقية آنذاك والتي اجتمعت في لندن تحت خيمة أميركية أرجو أن يسمح لي القارئ الكريم لأعيدها على أسماعه لأهميتها الفائقة في هذه اللحظة الحرجة وفي الذكرى السنوية الرابعة لغزو عاصمة الرشيد، يومها قلت للمعارضة العراقية أو ما سميتهم بفصائل لاستدعاء الستة ـ استدعتهم واشنطن على عجل إلى لندن ومن ثم إلى واشنطن للتداول في شأن شن الغزو على بلادهم والتنسيق معهم في ذلك ـ ما يلي:

laquo;الآن وقد تم غزو العراق بجحافل العسكر المدججة بكل أنواع أسلحة الدمار الشامل والقوات الغازية تتقدم بسرعة نحو العاصمة بغداد وهي تحرق الأخضر واليابس، من حقنا أن نسأل المعارضة العراقية وتحديداً فصائل الاستدعاء الستة التي بدأت رحلتها الملطخة بدماء العراقيين إلى بغداد انطلاقاً من واشنطن الأسئلة المشروعة التالية:

(1) ما هو حجم مسؤوليتكم في الخراب والدمار اللذين سيحصلان في العراق وفي الدماء التي سالت وستسيل من غير ذنب وأنتم تعرفون صدام حسين جيداً ولطالما قلتم عنه بأنه مستعد لحرق العراق بأكمله إذا ما هدد بالرحيل النهائي تحت وطأة السلاح؟

(2) ما هو موقفكم الصريح تجاه زملاء قياديين لكم أعلنوا من دون مواربة بأن ما سمعوه من أصوات القنابل والصواريخ وهي تنهال على العراق أعذب من أجمل موسيقى سمعتها آذانهم!أو أولئك الذين قالوا إن اليهود سيكونون درة التاج العراقي، أو الذين باعوا نفط العراق سلفاً وقبل الانتهاء من جهة الغزو كأنه نفط أبيهم وأجدادهم، لمدة عقود طويلة وطالبوا الغزاة علناً بعدم مغادرة البلاد حتى بعد انتهاء المهمة!

(3) ما هو حجم مسؤوليتكم في الترويج لمقولة مناشدة الأجنبي لتغيير السلطة في أقطار العالمين العربي والإسلامي وتسويق ذلك كأمر طبيعي بعد أن كان سابقة خطيرة وبدعة يعاقب عليها في العمل السياسي ويتهم رجالها بالخيانة العظمى؟

(4) ما هو حجم مسؤوليتكم عن الأخطار التي ستحدق بالعراق من حروب أهلية وفتن عرقية أو طائفية متوقعة لا سمح الله بعد كل الذي حصل من انتهاك لكل أشكال الحرمات في هذا السياق؟

(5) ما هو حجم مسؤوليتكم في إخراج العراق من محيطه العربي والإسلامي وتحويله إلى لقمة سائغة بيد أرباب المجتمع الدولي.

وانتهاك سيادته ووحدة أراضيه واستقلاله في عهدة الدول الخمس الكبرى في أحسن الأحوال إن لم يكن في عهدة طاغية العصر الولايات المتحدة الأميركية؟

أسئلة أعرف جيداً أن لديكم أجوبة laquo;عراقويةraquo; عليها بأن المسؤول عن كل ما جرى ويجري هو صدام حسين وزمرته الديكتاتورية، لكن ما هو قادم سيكون الأخطر لذلك، فإن السؤالين اللذين سيبرزان للأخوة الأكراد وللإخوة من الحركة الإسلامية الشيعية هما الأخطر أيضاً، وهما ما يلي:

1 ـ للأخوة من الفصائل الكردية أقول هل فكرتم ملياً في معنى القرار الذي أعلنتموه بأن قواتك من البشمركة هي منذ اللحظة تحت إمرة الجنرال تومي فرانكس؟، وماذا سيترتب على مثل هذا القرار من نتائج وتداعيات على مستقبل الشعب الكردي في كل من تركيا وإيران وسوريا وفي العالم وهو الذي سبق له أن لدغ من هذا الجحر بالذات أكثر من مرة؟

2 ـ وأما السؤال الأخطر والأكبر فإلى الجهات المسؤولة في الحركات الإسلامية الشيعية من أرباب المعارضة العراقية، فهو: ماذا يعني تحويل الوجاهة والمكانة الدينيتين للرموز والمراجع العليا في خدمة حفنة من الليبراليين وأشباه المثقفين من العسكر أو المدنيين، وضرورة اللحاق بالعولمة المتأمركة .

وتحويل هذه المكانة الدينية التي لديكم إلى laquo;عباءةraquo; تضفي الشرعية الدينية والجماهيرية على أعمال هؤلاء فقط، بحجة أنه لا حول ولا قوة لكم في منع ما هو قدر آت غصباً عنكم كما تقولون أو من دون استشارتكم كما تدعون، وهي حجج باطلة عرفاً وعقلاً ناهيك عنها شرعاً كما تعرفون؟!

ألم يكن بإمكانكم على الأقل أن تطردوا من بين صفوفكم ممن نظروا وبرروا للغزو وأن تتخذوا موقفاً لمصلحة سياسية وعقلية على الأقل كما وقف شرودر الألماني أو شيراك الفرنسي أو بوتين الروسي الذين رفضوا إضفاء الشرعية على هذه الحرب الملعونة؟

وختمت مقالي يومها موجها كلامي إلى المعارضة العراقية عموماً والحركة الإسلامية بشكل خاص وبعض أرباب فصائل الحركة الإسلامية الشيعية على الأخص بالقول: laquo;إنكم مسؤولون اليوم عما يحصل للعراق الجريح والمستباح منذ اليوم الذي قبلتم فيه سواء مباشرة أو بالواسطة الاستظلال بعلم الأجنبي ولا أدري كيف ستواجهون غداً أهل العراق بعد كل الذي حصل وكيف تواجهون بالذات بقايا العوائل التي بقرت بطون أمهاتهم بحراب الغزاة المستعمرين الجدد، هذا إن سمحوا لكم أصلاً بأن تدخلوا العراق فاتحين؟

كان المقال يومها بعنوان laquo;بأي وجه ستدخلون؟raquo; واليوم وبعد هذه السنوات، العجاف التي مرت على بلاد الرافدين الحبيب أقول لهم ولكل من شارك في مأساة العصر وكارثة العالم الكبرى من مختلف التيارات والأحزاب والأطياف والمذاهب والطوائف، أقول لهم ولكن هذه المرة وعوداً على بدء: بأي وجه ستخرجون؟

لتواجهوا العالم في الذكرى الرابعة للحرب الملعونة من الإجماع على إدانة المحتل واعتباره مجرم حرب يجب محاكمته، توني بلير سيرحل قريباً وبوش لن يبقى طويلاً لكن العراق سيبقى، ودماء العراقيين ستظل تروي الرافدين لتتدفق فيهما الحياة من جديد بعد رحيل الغزاة، أما الذين برروا ونظروا للاحتلال والغزو ونهب ثروات بلادهم فسيكون حكم التاريخ عليهم عسيراً وستكون عافيتهم في مزبلة التاريخ، أليس الصبح بقريب؟