الثلاثاء 3 أبريل 2007


كاثلين ماكجوان ـ نيويورك تايمز

إذا لم تكن التفجيرات الانتحارية المتتابعة التي استهدفت نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني وسفير الولايات المتحدة إلى أفغانستان مؤشراً درامياً كافياً على عودة ظهور quot;طالبانquot;، فإن قرار الرئيس حامد قرضاي قبل أسبوعين بتبادل خمسة أسرى من quot;طالبانquot; بالصحفي الإيطالي المختطَف، quot;دانيال ماسترو جاكوموquot;، ينبغي أن يوضح بجلاء الكارثة التي تعتمل في أفغانستان.
السابقة التي يؤسس لها هذا التبادل واضحة وضوح تداعياتها؛ فقد تعلم متمردو quot;طالبانquot;، والإرهابيون الدوليون، وتجار الأفيون، والمجرمون العاديون قبل سنوات عدة أن مهاجمة عمال المساعدات الأجانب والصحفيين، هي أسهل الطرق وأقلها تكلفة لإبقاء المناطق الريفية في أفغانستان، وبخاصة المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية بمحاذاة الحدود مع باكستان، غير محكومة وغير قابلة للحكم.
ولم يكن مقتل quot;ريكاردو مونجوياquot;، وهو العامل مع الصليب الأحمر، في 2003 سوى الحلقة الأولى ضمن مسلسل لترهيب المجتمع الدولي وحكومة قرضاي. والحقيقة أن هذه الاستراتيجية أثبتت فعاليتها ونجاحها؛ فقد دفع توالي الهجمات أغلبَ المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة ووسائل الإعلام إلى تقليص وجودها بشكل كبير أو الانسحاب من بعض مناطق أفغانستان حيث الناس في أمسِّ الحاجة إلى مساهماتها.
ويعد قرار الرئيس قرضاي إطلاق سراح سجناء quot;طالبانquot; مقابل quot;ماسترو جاكوموquot; أكبر تأكيد وتصديق على فعالية استراتيجية الإرهابيين، إيذاناً بانطلاق حملة من الهجمات ضد الأجانب غير المسلحين الذين يتحلون بالشجاعة (أو ربما الجنون) لمواصلة أنشطتهم في البلاد خارج محيط كابول.
ومع ذلك، فربما يكون أكثر ما يبعث على القلق هي تداعيات عملية تبادل السجناء. فلنتأمل الرسالة التي تبعث بها عملية التبادل إلى حكومة الجنرال quot;برويز مشرفquot; في باكستان. فلسنين عدة، اتهم الرئيس قرضاي نظيره في إسلام آباد بمحاولة إضعاف الحكومة الأفغانية عبر السماح للمناطق القبلية في باكستان بأن تشكل ملاذاً للمتمردين الذين يعبرون الحدود لشن هجمات على الأهداف الأفغانية والأهداف التابعة للتحالف الدولي. وإضافة إلى ذلك، فقد كثف المسؤولون الأميركيون والأوروبيون ضغوطهم على الجنرال مشرف من أجل التعامل بصرامة مع عناصر quot;طالبانquot;، التي توجد في الأراضي الباكستانية. ونتيجة لذلك، تقوم الحكومة الباكستانية من حين لآخر باعتقال quot;مسؤولquot; من طالبان وتسليمه للأفغان.
ومن بين أكباش الفداء الأولى التي سُلمت لكابول عبد اللطيف حكيمي، المتحدث الرسمي باسم quot;طالبانquot; في 2004 و2005، الذي لم يكن في الواقع يعيش متخفياً في مدينة quot;كويتاquot;، حيث كان يبعث ببيانات منتظمة إلى الصحافة يفتخر فيها بالعمليات التي تنفذها quot;طالبانquot;، ومن ذلك القتل وقطع الرأس وعمليات التفجير وسط المدنيين غير المسلحين.
وإذا كان معظم ضحايا quot;طالبانquot; خلال تلك الفترة (ومازالوا إلى اليوم) من الأفغان، فمن الأرجح أن ضغوط لندن هي التي دفعت الحكومة الباكستانية في نهاية المطاف إلى اعتقال quot;حكيميquot; بعد أن تبنى مسؤولية مقتل مدنييْن بريطانيين، في حادثين منفصلين، كانا يعملان في أفغانستان في 2005. (أحد هاذين المدنيين كان خطيبي، وقد اتُّهمت عصابة إجرامية لاحقاً بقتله على إثر عملية اختطاف فاشلة). وحسب quot;حكيميquot;، فقد قُتل الرجلان بتعليمات من quot;الملا عبيدالله أخوندquot;، الذي كان وقتها نائب زعيم quot;طالبانquot; الملا محمد عمر. وقد كان الملا عبيدالله زعيم quot;طالبانquot;، الذي قُبض عليه الشهر الماضي خلال زيارة ديك تشيني إلى باكستان.
quot;حكيميquot; إذن واحد من الذين أُطلق سراحهم فدية للصحفي الإيطالي؛ وإخال الرئيس مشرف حائراً أمام هذه الإشارات المختلطة والمتباينة. فإذا كان الاعتقال الانتقائي لزعماء quot;طالبانquot; هو مما لاشك فيه إرضاء واستجابة للغرب أكثر منه محاولة صادقة لتفكيك قيادة quot;طالبانquot; الموجودة في باكستان، فإن قرار كابول إطلاق سراح quot;حكيميquot; وأربعة من زعماء quot;طالبانquot;، مقابل حياة صحفي أجنبي اختار ركوب المغامرة، سيمد مما لاشك فيه الرئيس مشرف بحجج قيمة جداً.
ولعل الأفغان بدورهم يتساءلون بشأن قيمة حياتهم؛ ذلك أنه إذا كانت أنظار العالم مركزة على محنة quot;ماسترو جاكوموquot; وقلقة بشأنه، فإنه لم يُقل الكثير حول الأفغانِييْن اللذين اختُطفا مع زميلهما الإيطالي؛ واللذين قُطع رأس أحدهما، quot;سيد آغاquot;، من قبل خاطفيه التابعين لـquot;طالبانquot; قبل التوصل إلى هذا الاتفاق. أما الثاني، quot;أجمل نقشبنديquot;، فيبدو أنه ليس جزءاً من الصفقة. وحسب قناة تلفزيونية إيطالية، فإن quot;طالبانquot; تقول إنها مازالت تعتقله، وإنها تطالب بالإفراج عن سجينين من quot;طالبانquot; مقابل حريته. وهنا يكمن الاختيار الصعب في الواقع: ذلك أن التعامل مع quot;طالبانquot; بهدف إنقاذ quot;نقشبنديquot; سيشجع على سلسلة من عمليات الاختطاف؛ أما التخلي عنه، فلن يزيد بالمقابل سوى من تكريس المسافة والبعد بين قرضاي وشعبه الذي انتخبه لحماية مصالح الأفغان قبل غيرها.
لاشك أن الرئيس قرضاي تعرض لضغوط كثيرة من روما من أجل إنقاذ quot;ماسترو جاكوموquot; الذي اختُطف أثناء سفره بإقليم هلمند، الذي يعد معقل quot;طالبانquot; ومنطقة حرب، بعد أن رتب لقاء مع ممثلي quot;طالبانquot; بالقرب من المكان الذي تعرض فيه صحفي إيطالي آخر للاختطاف قبل ستة أشهر. ومعلومٌ أن الدعم الشعبي للوجود الإيطالي في أفغانستان ضعيف وهزيل، بل إن الأمر كاد يؤدي إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء quot;رومانو بروديquot; في فبراير الماضي. وبالتالي، فربما قيل للرئيس قرضاي إن عملية التبادل هي الثمن الذي يجب دفعه مقابل بقاء الجنود الإيطاليين الألفين في بلاده.
والواقع أن الحكومتين الإيطالية والأفغانية تستحقان الإشادة والثناء لأنهما تثمنان حياة quot;ماسترو جاكوموquot; -فالصراع في أفغانستان يتعلق، في النهاية، بالاعتراف بقيمة حياة الإنسان وتقديرها. غير أن الصفقة، مهما كانت صائبة ومناسبة على المدى القصير، إلا أن تكلفتها باهظة جداً لآفاق أفغانستان المستقبلية لبناء مجتمع عادل ومتسامح وسلمي.