الايكونوميست - تقرير خاص
اذا كان الغدو والرواح هما المؤشر على تحقيق تقدم، فقد كانت الأسابيع الأخيرة طيبة بالنسبة للدبلوماسية العربية-الاسرائيلية؛ إذ اجتمعت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس مع كل من رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولميرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس وحصلت منهما على وعد بأن يجتمعا مرة كل اسبوعين. وفي الاثناء، دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الجانبين وquot;الرباعية العربيةquot; التي تتكون من دول صديقة لاميركا إلى حضور الاجتماع المقبل للرباعية الأخرى (الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي واميركا وروسيا). كما جددت دول جامعة الدول العربية التي التأم شملها في العاصمة السعودية، الرياض، دعوتها إلى quot;تطبيعquot; العلاقات مع اسرائيل في مقابل تخلي الأخيرة عن كافة الاراضي العربية المحتلة، مع تلميح بعض القادة العرب الى ان معيار الحراك الإسرائيلي يمكن ان يكون مرنا.
لكن، وبالرغم من هذه التحركات التي تشي بالأمل، يظل المزاج العام متسما بالتشاؤم. ذلك ان اسرائيل لا تستطيع القبول بخطة جامعة الدول العربية في صيغتها الراهنة كحزمة كاملة أو لا شيء. وفي الغضون، تشعر حركة حماس، نظير وند حركة فتح بقيادة عباس بعدم السرور حيال الاعتراف الضمني باسرائيل. وكانت زيارة رايس للمنطقة هي السابعة لها خلال ثمانية اشهر. وقد حاولت في هذه المرة الاخيرة حث السيد اولميرت على التحدث إلى السيد عباس حول ما أصبح يشار اليه في ادبيات صنع السلام الفلسطينية بأنه quot;افق سياسيquot;، وهو ما يرمز إلى وضع نوع من مسودة للخطوط العريضة الخاصة بموضوعات الوضع النهائي (الحدود والقدس ومصير اللاجئين وهكذا)، والتي قد لا يتم التفاوض عليها قبل اشهر او سنوات من الآن. ويريد عباس من ذلك أن يعرض لشعبه ضوءا نيرا في نهاية نفق المفاوضات بغية سحبهم بعيدا عن حماس.
ومن جهته، ما زال السيد اولميرت يتشبث بعرض quot;خريطة الطريقquot; القديمة بعض الشيء، والتي يفترض بأن تقوم على أسسها مفاوضات الوضع النهائي في انتظار وضع نهاية أكيدة للإرهاب (الفلسطيني) والتوسع الاستيطاني (الاسرائيلي). ولذلك اقترحت رايس أن تعقد أميركا مباحثات حول الأفق السياسي مع كل طرف على حدة. وحيثما وجد السيدان عباس واولميرت أخيرا شيئاً يستطيعان الموافقة عليه، فإنهما سيتحدثان إلى بعضهما البعض، حتى لو لم يكن هناك شيء لقوله.
ربما تكون جامعة الدول العربية قد خففت من موقفها بعض الشيء، لكنها هي الأخرى تطالب بأفق سياسي؛ إذ على إسرائيل أن توافق من حيث المبدأ على الإنسحاب إلى حدود ما قبل عام 1967، ويجب التوصل إلى quot;حل عادلquot; لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين استنادا الى قرار الامم المتحدة رقم 194 لعام 1948 الذي يقضي بالسماح بعودة كل اولئك الذين يرغبون في العيش بسلام مع جيرانهم. ويمكن لأي تنازلات مرنة (مثل تبادل اراض لتعديل الحدود وصرف تعويضات للاجئين بدل العودة) ان يتم بعد ذلك فقط. لكن اسرائيل تقول ان السماح لكافة اللاجئين بالعودة سيفضي الى تلاشيها كدولة يهودية.
الى ذلك، ظهر القادة العرب، وللمرة الاولى، متحدين. ويحذر بعضهم من مغبة تفويت ما أشاروا إليه على أنه فرصة تاريخية، مستشعرين بأن الاعتراضات الاسرائيلية ستترك الدولة اليهودية خارجاً في العراء والبرد، وهو ما يمكن أنه يحدث فعلاً. فمنذ ان شكل الفلسطينيون حكومة الوحدة الوطنية في اواسط آذار- مارس الماضي، تشبثت اسرائيل بقوة بالمقاطعة التي فرضتها عندما ارتقت حماس الى سدة السلطة قبل سنة.
لقد وافقت حتى اميركا على التحدث مع بعض الوزراء من خارج حماس. ويعتقد المطلعون داخل الحكومة الاسرائيلية بان الضغط من الخارج، بالاضافة الى ذلك الذي يمارسه بعض زملائهم في المجلس الوزاري، ربما يجبر السيد اولميرت إلى فعل الشيء نفسه قريبا. لكنه يبدو في مجالات اخرى مشلولا نظرا لانه ينتظر التقرير الذي سيصدر متضمناً نتائج التحقيقات التي اجريت بشأن الحرب السيئة الطالع في لبنان في الصيف الماضي، والذي ربما يضع نهاية لحكومته.
وإذن، فهل تكون هذه هي نهاية المطاف؟ ربما لا. إذ امتنع رئيس وزراء حماس اسماعيل هنية عن التصويت على اقتراح جامعة الدول العربية في الرياض ولم يصوت ضده، فيما قال بعض الناطقين بلسان حماس انها لن تعارض قرار الجامعة.
وفي الاثناء، رشحت إيماءات إلى أن اسرائيل تتحدث، ربما بشكل خافت، مع السعوديين. ويعتقد شلومو بن عامي وزير الخارجية الاسرائيلي الاسبق بأن السعوديين الذين يعتبرون القوة الدافعة وراء مبادرة جامعة الدول العربية ربما يدفعون الحكومة الفلسطينية الى القبول رسميا بالخطة، وهو ما سيكون مكافئاً للاعتراف بحق اسرائيل في الوجود- دون طلب نفس الالتزام من حماس نفسها.
سيكون ذلك نوعاً من التحايل، لكن هناك سابقة له، فقبل اربع سنوات، كانت الحكومة الاسرائيلية بقيادة الليكود وبرئاسة ارييل شارون تجري مفاوضات حول quot;خريطة الطريقquot; على الرغم من ان الليكود نفسه كان يرفض فكرة الدولة الفلسطينية جملة وتفصيلاً.
التعليقات