باريس -بشير البكر


نحو تأسيس لوبي عربي في فرنسا

كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية صار وقت الشخصيات السياسية من ذهب، فرجال السياسة يحاولون استثمار الوقت المتبقي لوضع اللمسات النهائية على مشاريع التحالفات، وترتيب آخر الأوراق قبل الانطلاق في سباق الشوط الاخير. ويبدو هذا الانهماك مضاعفا في الوسط العربي، فالشخصيات العربية البارزة في الحياة السياسية الفرنسية موزعة الاهتمام في اكثر من اتجاه، فهي حاضرة في اللقاءات الجماهيرية المنصبة على الشأن الانتخابي، وفي الاعلام، ومساومات المرشحين، ومشاوراتها فيما بينها، وتكتلاتها في هذا الاتجاه أو ذاك. ويبدو أن الهاجس الاساسي لدى الجميع في مختلف المواقع، هو كيفية إيصال الصوت العربي، ليسمعه المرشحون ويأخذوه في عين الاعتبار، أو لكي لايتحول إلى صدى في برية، كما كان عليه الأمر في المرات السابقة. الملاحظ حتى الآن، هو ان أغلبية المرشحين تحاول ان تتقرب من الوسط العربي، إلا ان احداً منهم لم يتقدم باقتراحات مرضية رغم الاختلاف في درجة الاهتمام.

وهناك اعتبارات كثيرة تتحكم بهذه القضية: الاعتبار الأول، هو أن بعض المرشحين يريد الاحتفاظ بمسافة واضحة من العرب، ويفضل أن يستخدم رصيدهم دون الاعتراف بدورهم، ومثال ذلك مرشح اليمين التقليدي نيكولا ساركوزي، الذي هو على علاقة خصومة مع سكان الضواحي منذ خريف سنة ،2005 حين نعتهم ب ldquo;الحثالاتrdquo;.لقد أدى ذلك الى تعميق الهوة بين الطرفين، لذا فهو يركز على الاوساط الرسمية والنخب مثل رجال الاعمال، ويراهن على حصد اصوات أوساط معينة في بعض الجاليات.أما الاعتبار الثاني، فهو ان الوسط العربي نفسه لايزال في مرحلة أولى من اكتشاف الذات، ويترتب على هذه الحالة الكثير من التجريب وتقليب الخيارات والتردد، وعلى العموم تعتبر هذه اللحظة صعبة لانها تطرح مهمة تأسيس مرجعية سياسية لهذا الوسط، وبناء مشروع مشترك.

ويلاحظ هنا ان المشتغلين في الحقل العام، في مجالات السياسة والثقافة وحقوق الانسان اكثر اهتماما بإنجاز هذا الأمر، وذلك لعدة أسباب: الاول، هو ادراكهم لحالة النضج السياسي التي بلغتها الجاليات، ووعيها الحاد بمشاكلها من جهة، ومن جهة أخرى بمواقف الطبقة السياسية الفرنسية، ويعبر ذلك عن نفسه من خلال التسجيل المكثف على لوائح الاقتراع، وابداء العزم على لعب دور متميز ومؤثر في الدورة الانتخابية. والسبب الثاني، هو ادراكهم أن التفاعلات القائمة وردود الافعال في الوسط العربي، توفر فرصة تاريخية اليوم لبناء هذه المرجعية، وذلك لكي لايتبدد الثقل الذي يشكله الصوت العربي، ويتشتت من دون أن يكون له مردود إيجابي. أما السبب الثالث فيعود الى عدم إيلاء المرشحين الأساسيين الوسط العربي الاهتمام الذي يليق به، وهنا تتوجب الاشارة الى نقطة هامة جدا، وهي ان فرنسا لا تزال متخلفة عن محيطها الاوروبي في هذا المجال، وتسبقها كثير من الدول مثل بلجيكا وهولندا على صعيد تمثيل العرب في هيئات الدولة التمثيلية العليا، مثل الحكومة ومجلس النواب. انطلاقا من هذه الاعتبارات والاسباب، يمكن تفسير التوزع في الرؤى والافكار، التي تطرحها شخصيات من الجالية في هذا التحقيق. وكذلك حال القلق الناجم عن غياب أي تنظيم للصوت العربي.

غالب بن الشيخ: ديمقراطية مريضة

غالب بن الشيخ مفكر وكاتب وناشط على مستوى حوار الثقافات والديانات ويرأس ldquo;المؤتمر العالمي للديانات من أجل السلامrdquo;، ويقدم برنامجاً اسبوعيا حول الاسلام على القناة الفرنسية الثانية (الرسمية)، ولعب دورا بارزا في الآونة الاخيرة، على صعيد توحيد الجهود من اجل تكتيل الفعاليات العربية المنحدرة من أصول مهاجرة.


ما الذي في نظركم يطبع هذه الانتخابات؟

أرى ان اكثر ما يطبع هذه الدورة هو موضوع ldquo;الهوية الوطنيةrdquo; الفرنسية، وهذا أمر اصطنعه مرشح اليمين التقليدي نيكولا ساركوزي من أجل استقطاب اصوات اليمين المتطرف. واعتقد ان هذا الطرح خطر جداً على كل الشرائح داخل المجتمع الفرنسي، خصوصا وانه جرت عملية مزايدة في هذه الاتجاه من طرف المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال، التي دعت المواطنين الفرنسيين الى رفع الاعلام في نوافذ البيوت، وعن النشيد الوطني...إلخ. أرى ان هذا الجو المحموم سوف يتكلم عنه التاريخ بعد سنوات كطابع خاص لهذه الانتخابات.


نلاحظ ان الصوت العربي هو في مرحلة اكتشاف الذات، كيف ترى ذلك؟

هذا اكتشاف متأخر جداً للأسف الشديد، فلو كان المنحدرون من اصول عربية متحدين، لكان صوتهم يسمع باهتمام، ويحسب له الف حساب من قبل حتى دورتين انتخابيتين او ثلاث، وانا اتكلم هنا عن انتخابات الثمانينات. ومن المؤسف ان هذه الجالية مبعثرة ومشتتة وغير منظمة، ولهذا لست ادري اذا كان قد حان الوقت للحديث فعليا عن صوت عربي في هذه الانتخابات، ومع ذلك ربما يرجح الكفة ضد ساركوزي، هؤلاء الذين يعيشون في ضواحي المدن الكبرى، لأنهم سجلوا انفسهم بكثافة على لوائح الانتخابات في فرنسا، وحتى ماوراء البحار. هذا أمر محتمل وليس أكيدا.


كيف تنظر الى فكرة تشكيل لوبي عربي؟

لابد ان يحصل ذلك، لأن هناك طوائف وجاليات أخرى قد سبقتنا الى تنظيم نفسها، وهي تستدعي رئيس الحكومة سنويا وتسمعه ما لايريد ان يسمع، ولا يستطيع أن يرد إلا بما يريدون ان يسمعوه، فلماذا لا يشكل العرب وحتى المسلمين، وهم حوالي نسبة 10 في المائة من سكان الجمهورية الفرنسية، هذا اللوبي او مجموعة الضغط والمرجعية على الساحة الفرنسية؟
اعتقد شخصيا من حيث المبدأ أن النظام الجمهوري الفرنسي هو نظام ديمقراطي، رغم ان ديمقراطية فرنسا اليوم مريضة جدا، وانه يفترض ان يكوّن المواطنون جالية واحدة داخل هذا النظام لها نفس الحقوق الواجبات، بغض النظر عن دياناتهم وتفكيرهم الفلسفي، ولكن باعتبار ان هذا غير متحقق من الناحية الفعلية، في ما يخص شريحة وحيدة في هذا المجتمع، وهي شريحة الذين ينحدرون من سلالات المهاجرين كما يقال، فعلى هؤلاء ان يوحدوا انفسهم ويرصوا صفوفهم، كي يضغطوا على هذا النظام. ونحن حتى اليوم امام وضع شاذ، حيث لا يشغل أحد من هذه الجالية موقعا على مستوى الادارات العليا، سواء كان في مناصب المحافظين، او الضباط السامين، او مديري الاكاديميات، ومفتشي الادارة العامة، والوزراء.
إن هذا تمييز واجحاف وظلم وعدم انصاف، وهو عيب كبير في الديمقراطية الفرنسية، التي أعيد وأكرر أنها مريضة، وتضع النظام الفرنسي وراء الديمقراطيات الغربية، في ما يتعلق بهذه القضية الحساسة.


شاركت خلال الفترة الماضية في سلسلة من الاجتماعات من اجل توحيد جهود الجالية، كيف كانت النتائج؟

يأتي البعض ليقول كلاماً ثم لايتبعه بأفعال، وقد كنا مؤخرا في اجتماع من هذا القبيل طرحت فيه الاسئلة وتمت الإجابة عنها بسطحية. وأظن ان المشكلة تكمن اولاً داخل العرب والمسلمين انفسهم.يواجه المنحدرون من أصول عربية أوضاعاً مزرية، يوجه لهم الطعن اليومي، ويشتمون ويضرب حتى بشرفهم عرض الحائط، وهم لم يستطيعوا ان يوحدوا صفوفهم، لأن كل واحد منهم يريد أن يتزعم في خلية او جمعية صغيرة على ان يكون مساعداً لأحد الأكفاء في جمعية او فيدرالية اكبر. ان ما ينقصنا هو التأهيل والقدرة على التمحيص والنضال والانضباط والتربية والوعي السياسي الكامل. واضرب لك مثالا على ما يحصل، فقد قيل في احد الاجتماعات عن الوزير المستقيل مؤخرا من الحكومة الحالية عززوز بجاج (وزير المساواة في الفرص) انه وزير بلا موازنة، فأجاب أحد مساعدي ساركوزي أنه وزير من دون دماغ، ليس الموازنة هي التي تنقصه بل الدماغ! رغم اني لست من المناصرين لبجاج، ولكن يكفي شتما. حين يتكلم ساركوزي عن الخراف التي تذبح في المنازل، هذا شتم لكل الجالية، حينما يتحدث وزير العمل جيرار لارشيه عن العنف في ضواحي باريس، ويقول ان ذلك حصيلة تعدد الزوجات، حينما يريد ساركوزي ان يلقن المسلمين درسا في فصل الدين عن الدولة، أو يريد أن يتكلم عن المساواة بين الرجل والمرأة، فهذا يخص الجالية العربية والإسلامية، ولا احد يرد على هذا كله.


إذن تعتقد انه سيكون لأحداث خريف سنة 2005 تأثيرها، ودورها في الانتخابات القادمة؟

طالما ان شبان الضواحي سجلوا بكثافة على اللوائح الانتخابية، وعلى اعتبار ان الاتجاه العام يسير ضد ساركوزي، كما ان بايرو يقول إنه سوف يعتمد على بعض هؤلاء الشبان، وسيعين بعض الكفاءات في مناصب عليا في حال فوزه، فإن ذلك يعني ان هذه الاحداث لعبت دورها على صعيد الانتخابات.


هناك من يعتبر ان هناك نضجاً سياسياً في الوسط العربي، لا يجد ما يقابله لدى الطبقة السياسية الفرنسية، كيف ترى هذه المعادلة؟

هناك نضج سياسي لدى بعض العرب، وليس لدى الجميع، وهذا يعود ربما الى التنافس على الزعامة من طرف النخب، وهناك نضج لكن لم يتوافر له من ينظمه ويوحد الصفوف. أما من جانب الطبقة السياسية الفرنسية فهي إن لم تجد امامها من يرد الفعل سوف تواصل التعامل بنفس الطريقة القديمة. وفي حال فوز ساركوزي، فهو ربما سيعين وزيراً أو وزيرين من العرب مثل رشيدة داتي ورشيد كاسي، ولكن ماذا سيكون وزنهما امام بيير لولوش(من دعاة الحرب على العراق) المرشح لحقيبة الدفاع، أو فرانسوا فيون(لا يبدي تعاطفا مع العرب) المرشح لرئاسة الوزراة؟


لماذا تصنف دائما بالمسلم المعتدل، وماهو القصد من العملية؟

فندت وشجبت هذه الصفة مؤخرا، امام ثلاثة آلاف شخص في اجتماع عام في صالة ldquo;الميتيولاتيهrdquo;، ورددت على ما قاله المتفلسف برنار هنري ليفي حين صنفني بالمسلم المعتدل. رددت عليه في كلمتي وقلت له انا استنكر وارفض هذه الصفة. أتقبلها بصدر رحب في حالة واحدة، حينما تصنف نفسك كيهودي معتدل، وحين يصنف زيد أو عبيد نفسه كمسيحي معتدل، وهذا الامر يذهب حتى الى الماسونيين والملحدين. لو اني قبلت هذه الصفة وافتخرت بها فهذا يعني ان التزمت والتطرف والتحجر هو القاعدة في الدين الإسلامي، والاستثناء يكون الاعتدال. ولهذا تريدون ان تضيفوا كلمة الاعتدال لمسلم، يكفيني انني ادعى كمسلم، وانا فخور بإسلامي. وقد كان رد فعل البعض انهم لم يرتاحوا لكلامي، وقال البعض اني اساند المتطرفين، فقلت لهم يامرحبا بالتطرف اذا كان هذا هو الكلام، وان لا أخشى هذا، خاصة واني في ال 15 سنة الاخيرة منذ وفاة الوالد(الشيخ عباس إمام مسجد باريس السابق الذي توفي لدى زيارته الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في اول زيارة له الى باريس سنة 1988) وانا اناضل سواء في الندوة العالمية من اجل السلام، او حتى في الكتب والمقالات، عملا بالمثل الانجيلي الذي يتحدث عن ldquo;السعفة والخشبةrdquo;، السعفة التي أراها في عين الآخر، ولا ارى الخشبة التي في عيني، ولهذا اريد ان تكون الساحة نظيفة بين الجالية، قبل ان نطالب الذين نتحاور معهم ان يصفوا ساحتهم تجاهنا.


رشيد مقران: كفانا وضعية القاصرين

رشيد مقران رئيس حركة ldquo;الجمهورية إلى الامامrdquo;، ومستشار سابق لوزير التجارة، واحد المساهمين بفعالية في العمل على إعادة تنظيم الأوساط المغاربية.


كنت المبادر الى عقد الاجتماع الذي ضم مؤخرا قرابة 600 شخصية من الجاليات، لمناقشة الموقف قبل الانتخابات الرئاسية، ما الدوافع الفعلية لهذا التحرك؟

إن السؤال المطروح اليوم على المستوى العام، هو أي مجتمع نريد ان نبنيه معا في القرن الحادي والعشرين؟ بينما السؤال المركزي المطروح علينا نحن هو: هل نريد أن نبقى في وضعية القاصرين، يجري التكلم باسمنا، وتتخذ القرارت من دون استشارتنا وعلمنا، أم أننا سوف ننتقل الى حالة النضج والتعبير عن انفسنا بأنفسنا؟ يجب ان نعي ما ذا يحصل في المجتمع، لقد اتسعت المسافات بين الطبقات في فرنسا، وخاصة مع الجاليات. ولكن الاشكالية هي أن المعنيين بالأمر لا يساهمون منذ أربعين سنة في تقديم الحلول، في حين ان الجمهورية قادرة على ان تعطي اكثر. لا يعني ذلك ان فرنسا سلبية مائة في المائة، ولكننا نريد التأكيد على هذه الحقيقة التي تعنينا، واؤكد من جديد ان فرنسا دولة كبيرة وعريقة، وهي ككل الامم لديها جوانب معتمة واخرى مشرقة. ولذا يجب ان نتسلح بخطاب ايجابي وبناء، فالماضي هو الماضي، ونحن ابناء اليوم.نحن مصنفون في نظر الآخرين ليس كمواطنين وافراد، وانما مجموعة وجوه متشابهة كعرب ومسلمين، ولا يتم الأخذ في الاعتبار طلبي، ان ينظر الي كمواطن وفرد، بقلقه ومكوناته وانتظاراته. وهذا ينتج الإحباط والعنف والتصرفات غير اللائقة، لذا يترتب على الاقلية القليلة من الجالية التي حققت اهدافها، ولا تعيش هذه الوضعية، واجب اخلاقي لكي تتحمل المسؤولية وتتحدث باسم هؤلاء الناس، واعطي مثالا على ذلك، يترتب علينا واجب تجاه مئات آلاف الشباب الذين يغادرون المؤسسات التعليمية في كل سنة من دون تأهيل مهني، هذا الاحباط هو الذي يولد العنف نتيجة نظرة الآخر.

إذن تدعو للعمل من أجل تغيير نظرة الآخر ايضاً تجاه هذه الجاليات؟

فرنسا ليست عرقا وانما أمة بنيت على مبادىء وقيم، وانا فخور بأني فرنسي وانتمائي للأمة الفرنسية، ولكن لا اسمح لفرنسا بأن تطلب مني انكار عروبتي وإسلامي وبربريتي، وهذا يلقي نوعا من الحيرة في او ساط الشباب المسجونين في نظر الآخر، واذا كان المجتمع العلماني والتعددي يسمح لنا بالعيش معا، بغض النظر عن انتماءاتنا وجذورنا وثقافاتنا وتفكيرنا الفلسفي، فذلك هو المثال.نحن قلقون من الوضع القائم الذي يتمثل في الشرخ الاصطناعي. لقد تم اصطناع شرخ عرقي في مجتمع ليس لديه مشروع سياسي. نحن عشنا اوضاعاً صعبة منذ عشرين سنة تتمثل في الشرخ المدني، ويجب ألا نتصرف وكأن شيئا لم يحصل في تشرين الثاني/ نوفمبر ،2005 وهنا اعني انتفاضة الشبان في الضواحي، لقد بلغ الوضع حافة التراجيديا، ولهذا عزمنا وبقوة ان نخوض معركة اخلاقية ومحاربة هذا الوضع، بالنسبة لي ان الدرس الاخلاقي هو جعل مستقبل الاخر مسؤولية شخصية، مثلما يقول الفيلسوف ldquo;ايمانويل ليفيناسrdquo;.إن الالتزام المدني والوطني ليس للبحث عن مكاتب مذهبة، ومناصب في وزارات الدولة ولا عن مكان تحت الشمس، بل لأننا معنيون بمستقبل هذه الجالية.

وما مشاريعكم في هذا الصدد؟

لقد قررنا بنضج، وبطريقة تشاورية، ان ننظم لقاء سنويا جمهوريا، نجعل منه منصة لإطلاق افكار جديدة وفعاليات، ومناقشة كل القضايا. ندعو اليه الجالية العربية والمسلمة، ونعرض فيه كل اهتماماتنا ومشاغلنا.
نحن لدينا حق النظر في سياسة هذا البلد، في ما يخصنا ويخص الآخرين، وذلك لأن اجدادنا وآباءنا ساهموا في الدفاع عن هذا الوطن على المستويين المادي والمعنوي، وضحوا بدمائهم للدفاع عن استقلال فرنسا.
والآن مع العولمة وبروز قوى عظمى مثل الصين والهند ومع تغير ميزان القوى، نحن مازلنا نواجه الاتهامات في فرنسا، هناك من يعتبر الجالية العربية الإسلامية هي أم المشاكل. هذا البلد بحاجة لأن يكون قويا لأن فرنسا هي مثال في هذا العالم، ويجب ان تبقى كذلك، مثالا للانسانية. ولكن للأسف نحن مانزال نعيش التمييز والتعالي والظلم، واذا لم تكن لديك الامكانية للرد فإنك تضمر المشاكل في الداخل. ولذا قررنا إمساك زمام أمورنا بأيدينا.


هل تعتقد بإمكانية تأسيس لوبي من الجالية؟

لا اعتقد، ان مصطلح لوبي غير متناسب مع ما نقوم به، بل أرى ان هناك فرنسا اوروبية متوسطية، ذات حساسية خاصة تستطيع في ذات الوقت، ان تجمع كل الاطراف الدينية التي تعترف ببعضها البعض، وتلتقي على ارضية ان فرنسا الاوروبية المتوسطية مفهوم راهن في عالم اليوم، وليس هناك اي توجه لخلق وهم لدى الناس بتكوين تجمع ذي صبغة مناطقية او عرقية او دينية، لأن التجمعات التي من هذا القبيل تحكمها قواعد محددة ولها طرق عمل وقوانين خاصة، وحين ننظر نحو الجاليات هنا نرى ان لكل منها تاريخها ووضعها الخاص، ونحن ليس في نيتنا اضافة مجموعة جديدة، ولكن في الوقت نفسه اننا نرفض ان نبقى مستهدفين، يجري النظر الينا بتمييز في فرنسا التعددية. فهناك اصحاب الشركات والكوادر والمثقفين، من النساء والرجال، الذين يطمحون لأن يجري الاستماع الى صوتهم.نعم انا على قناعة بأن هناك الكثير من النساء والرجال في هذا البلد يصنعون اشياء رائعة، واعتقد انه يتوجب علينا ان نجمعهم مع بعضهم بعضاً للتحدث بصوت واحد، من اجل تغيير النظرة. وكما قلت لدينا واجب ومسؤولية تجاه هذا البلد، لأن هذا البلد على عكس ما يقول البعض يقدم الكثير من القضايا الجميلة، لكننا لايمكن ان نبقى مكتوفي الاذرع، نمثل دور المتفرجين الابديين. ففي لحظة من اللحظات يجب الصعود الى خشبة المسرح. هناك فيتامين جديد يستطيع ان ينعش الجمهورية، اريد ان اضع وقودا جديدا لكي يستمر المحرك بالدوران. والوقود الذي اود استخدامه هو اقل تلوثا، لأني متعطش للعدالة وللأخلاق، لأني احس بأني مسؤول أمام الاجيال الجديدة. لماذا يستمرون في استخدام الوقود الملوث؟

هل تعتقد بتصويت عربي أو مغاربي؟

لا، بل اعتقد بتصويت مواطنين تعبوا من تصنيفهم واستهدافهم والنظر اليهم بفوقية، يكفي. بعد بروز سلطة اخلاقية، هناك اناس يمثلون قيما كبرى، واضرب مثالا على ذلك السيدة ldquo;بتول فكار لامبيوتrdquo; هي كاتبة تستحق ان نستمع اليها اليوم، لانها تستطيع ان تساهم كثيرا، واذا كنا قد استمعنا الى بعض الكتاب والفنانين سابقا، فإن النخبة قررت اليوم أن تتحرك.اعترف بوجود حساسية خاصة تجاه البلد الاصلي، ولكن ما الفارق بيني وبين أي شخص من مرسيليا، يعيش في نفس الحي الذي كبرت فيه؟ ليس هنالك فروق كبيرة، لأننا نمتلك هويات متعددة. انا احس بأني بربري عربي مسلم قروي فرنسي اوروبي، لأني احس بضرورة بناء اوروبا قوية من اجل مواجهة التحدي الصيني.هويتي العربية والبربرية والمسلمة والفرنسية تتعايش جيدا، لماذا لا نتحمل اليوم مسؤولية هذا التعدد، الذي يكوّن ويوّلد الغنى، لماذا نخاف من هذا؟ هناك اليوم مئات آلاف الشباب الذين يشعرون بنفس الشعور، ويريدون اعطاء افضل ما فيهم.


كيف تنظر لرد فعل الطبقة السياسية الفرنسية؟

هم خلقوا قبل عشرين سنة حزب ldquo;الجبهة الوطنيةrdquo; اليميني العنصري، وهو منذ ذلك الحين استقر في المجتمع الفرنسي مثل السرطان، وبات الناس يبنون خطابهم انطلاقا من ذلك. والمشكة اليوم هي ان هناك قوى عظمى قيد الظهور، وشركات كاملة ترحل نحو بلدان ارخص على مستوى اليد العاملة، الارض مهددة، هناك اوبئة، وشعوب تشيخ، وبدلا من مواجهة هذه المشاكل الفعلية، صاروا يخلقون ذرائع ويغيرون حتى معاني الكلمات. الاندماج استبدلوه بالمساواة بالفرص، لأن التمييز الايجابي هو الموضة .

تأسيس لوبي وليس ممارسة انعزالية

شافية بن تيلشتة عضوة في البرلمان الاوروبي، وفي المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الفرنسي، ومن الوجوه المعروفة في ميدان مكافحة التمييز، وهي مؤسسة منتدى ldquo;رؤى متعددةrdquo; للحوار حول القضايا المتعلقة بالوسط العربي. الملاحظ اليوم ان هناك تحركات كثيفة في أوساط السياسيين والمثقفين من ابناء الجاليات المغاربية، ومن شتى الانتماءات، إلى تريدون الوصول؟ نحن نريد لفت انتباه الطبقة السياسية الفرنسية إلى ان المجتمع الفرنسي اليوم ليس هو مجتمع القرن التاسع عشر. لم يعد مشكلا من ldquo;غولوازrdquo;، بل أضحى مكونا من تشكيلات ومن شعوب مختلفة، تعمل جميعها على بناء فرنسا جديدة. وان جميع هؤلا ء يعتبرون انفسهم فرنسيين، ويريدون المساهمة في بناء فرنسا. واعتقد ان الأمر الاساسي في تحركنا اليوم في اتجاه المرشحين للرئاسة، هو توضيح مسألة هامة جدا، وهي ان مشروع المجتمع اليوم، لايتلخص ولا ينتهي عند مجرد اتخاذ جملة من الاجراءات المتباعدة فقط، بل انه يتطلب ان تكون هناك سياسات ذات طابع استمراري، وان تكون مترابطة مع بعضها ومتمركزة حول جملة من القوانين، وألا يقتصر الامر على سياسات عامة ومفصولة عن بعضها بعضاص.

وأؤكد هنا على ان المسألة لا علاقة لها بالانحياز الى جالية، او طائفة بعينها.ومثلما استقبل مرشحو الرئاسة العديد من ممثلي هيئات المجتمع، التي تحمل مطالب ذات صبغة خاصة لها علاقة بالتمييز، كالمزارعين،والمتقاعدين، وقدموا اقتراحاتهم للانتخابات القادمة، واخذت مطالبهم في الاعتبار، ولم يتهمهم احد بالانغلاق في اطار مجموعة واحدة، فنحن نريد ان يعاملونا على نفس المستوى، وأن يتم اخذ مطالبنا، واستفسارتنا بنفس القدر من الاهتمام. واكرر ان مبادرتنا تدخل في اطار تشكيل لوبي ومجموعة ضغط، وليس ممارسة الانعزالية. كيف تفسرين الدعوة لبناء هذا اللوبي من اوساط الجاليات؟ أرى ان المهم في الامر اليوم، هو اننا وصلنا الى مستوى اجتماعي وثقافي وعقلي، بتنا فيه قادرين على تحمل مسؤولياتنا. واضرب هنا مثالا على الصعيد الاجتماعي، حيث بيننا اطباء ومحامون واساتذة جامعات ومهندسون ورؤساء شركات وكتاب وفنانون ورياضيون...إلخ، ولم تعد جاليتنا مقتصرة على عمال لدى شركتي صناعة السيارات ldquo;رينوrdquo; وrdquo;بيجوrdquo; كما كان عليه الحال في الخمسينات، وانطلاقا من هذا باتت لدينا المقدرة لخوض المعركة. ان المستوى الذي بلغناه يؤهلنا لتأسيس اللوبي، ونحن لا زلنا في البداية ولكن الزمن سوف يسجلنا في تاريخ بناء فرنسا. وهنا يجب عدم تفادي نقطة مهمة لكي يكون البناء صلبا، وهي التوقف امام النقاط السوداء في تاريخ فرنسا، واعني بذلك تاريخ الاستعمار، وهذا لايعني اننا سوفنسقط في جلد الذات، ولكن اعادة قراءة التاريخ تمكن من اقتسامه من جديد، ولهذا يجب ان تعترف فرنسا بتاريخها الاستعماري.إن السؤال المهم الآن، هو هل لدينا القدرة على تعبئة القوى السياسية في هذا البلد على برنامجنا، لكي تعيش هذه الحركة طويلا؟