عبدالله اسكندر

كل ما يُقال، في المغرب، عن الفقر والبؤس وعدم توفير مهارات عملية وانعدام فرص العمل صحيح. وتزداد نسب الفقر والبؤس في الاحياء الشعبية ومدن الصفيح العشوائية المحيطة بالتجمعات الكبيرة، خصوصا العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء. وتكاد تنعدم، في هذه الاحياء التي يتراكم فيها الذين لفظتهم الحياة من الأرياف والمدن، ظروف العيش الكريم. لا مدارس ولا مراكز استشفاء ولا بنى تحتية ولا عمل منتظماً، ولا حتى وجود مستقر للدولة، خصوصا قواها الأمنية... وتشهد هذه الاحياء زيادة سكانية مستمرة، ما يقضي على اي جهد تأهيلي من الدولة. ويشكل الجيل الشاب النسبة الأكبر من السكان حيث تسود القيم الريفية والقديمة ويسود قانون الأقوى. ما يصعّب امكانات التكيف مع البيئة المدينية والحديثة المحكومة بقوانين يُفترض ان تساوي بين الناس.

في مثل هذه الظروف، يمكن ان يجد خبراء علم الاجتماع والسياسة مبررات لنقمة متزايدة في صفوف هؤلاء الشبان. وربما لسلوك جنائي لكثيرين منهم، اُضطروا اليه تحت وطأة قسوة العيش. وإن كان مثل هذا السلوك مُداناً قانوناً واخلاقاً. وقد يذهب بعض هؤلاء الخبراء الى محاولات تفهم دوافع انتقال هذا السلوك الجنائي الى الارهاب، والى ملاحظة ان هذا الانتقال يحصل خلال فترة قصيرة، وبعد التردد على دروس دينية يقدمها شخص نصب نفسه إماماً. ومن المؤكد ان هذه الفترة القصيرة الفاصلة عن السلوك الجنائي لا توفر فرصة حقيقية للتعرف على الدين وموجباته. وبديهي الا يكون الدين واخلاقياته وروحانياته، هنا، موضع الاهتمام. وإنما ينصب التحريض، انطلاقا من مفهوم متخيّل للدين، من دونه لا خلاص من البؤس القائم.

هذه الظاهرة شبه الوثنية التي تحصر الدين في قالب متحجر ومنغلق قد تتكرر خارج المغرب، بما بات يعرف باسم التكفير. لكن تأكيد السلطات المغربية عدم وجود أي علاقة بين خلية الانتحاريين المتنقلة في الدار البيضاء وبين اي تنظيم خارجي يجعل من الظاهرة أكثر قلقاً. لأن مجرد إجماع شبان، في العقد العشرين من العمر، على تزنير انفسهم بأحزمة ناسفة والتنقل في احياء المدينة، يعني ان الانتحار وحده هو المطلوب. وقد يبدو ان التفتح في الحياة وتأكيد الذات فيها بات شكلهما الوحيد هو الانتحار. اي يمكن الحديث هنا عن مثال او نموذج كما يحصل في ظواهر laquo;الموضةraquo;... ليصبح التزنر بحزام ناسف، بالنسبة الى شاب، كما التمثل بممثل او مغن مشهور بالنسبة الى آخر. او يتحول الحزام الناسف سلاحا، مثل العصا او السكين او المسدس، في مواجهة عدو مفترض. فما ان يقترب رجل أمن من حامله حتى ينفجر من دون اي هدف سوى الانتحار.

اعضاء الجماعات الاسلامية المتطرفة ينفذون عمليات ارهابية. وكل من هذه العمليات يخضع لحسابات ويحدد اهدافا. فانتحاريو العاصمة الجزائرية، قبل ايام، بعثوا برسائل الى السلطات والى قيادة laquo;القاعدةraquo;. اي ان انتحارهم جاء في إطار عمل ارهابي مُدان، لكنهم يبررونه بالحرب المستمرة على ما يسمون بـ laquo;الطاغوتraquo;. اما انتحار الشبان المغاربة بأحزمة ناسفة في الشوارع، فلا يخضع الى مثل هذه الدوافع، ولا يقع في إطار مثل هذه الاستراتيجية. انه قتل للذات فحسب. ومن هنا خطورته الزائدة التي قد تتجاوز خطورة الجماعات الارهابية. لأنه فعل يقع في إطار المحاكاة العدمية للارهاب، وقد يصبح نموذجاً منتشراً عند الذين لا يتمكنون، لأسباب كثيرة، ان يكونوا وقودا في الارهاب المنظم.