سعد محيو


فرنسا بعد انتخاب نيكولا ساركوزي رئيساً، لن تعود أبداً كما كانت قبله. كل شيء فيها سيتَغير، من أبسط العلاقات في الشارع بين الشرطة والمواطنين إلى أعقد السياسات العليا بين الدول الكبرى في أوروبا وعبر القارات.

وهذا سيكون أمراً متوقعاً. فالرجل يعتبر انقلابياً وفق كل المقاييس. إنه من ذلك النوع من القادة اليمينيين المشهورين في التاريخ، الذين يؤمنون بأن القوة واستخداماتها هي الوسيلة لإخضاع الجماهير وإرضائها في آن. الناس، برأي هؤلاء القادة، لا يحبون الزعماء الشرسين، لكنهم يحترمونهم ويطمئنون إليهم. وساركوزي يفضل الاحترام على الحب.

الاختبار الداخلي الأول لهذا التوَجه الجديد سيكون خلال الانتخابات النيابية المقبلة، خاصة في الضواحي التي تعج بالمهاجرين الشاكين من سوء الاوضاع المعيشية، والذين سمعوا المرشحة الرئاسية سيغولين رويال تحذر من ldquo;فوضى وسفك دماءrdquo; إذا ما فاز ساركوزي. وبالطبع، هم المعني الأول بهذا التحذير.

لكن الأمر لن يقتصر على المهاجرين. إنه سيطال قريباً الطبقة الوسطى والعمالية الفرنسية الضخمة، التي تشكِّل العمود الفقري للديمقراطية الفرنسية. لماذا؟ لأن الرئيس الفرنسي الجديد ينوي خفض الضرائب عن الأغنياء والشركات الكبرى، وإطلاق قوى السوق اللبيرالي من عقالها، وتعديل قوانين العمل. وهذا ما سيضعه وجهاً لوجه مع نقابات العمال القوية، ومع الطلاب والمثقفين الذين يجدون في النموذج الاجتماعي الفرنسي واحة الأمان الكبرى في مواجهة رياح العولمة العاتية.

صحيح ان ساركوزي تعهد بالحفاظ قدر الإمكان على هذا النموذج، وبأن يجهد لاستخدام الاتحاد الاوروبي كدرع لحماية فرنسا من أعاصير العولمة، إلا أنه في النهاية سيكون مضطراً لمجابهة الحقيقة وهي أن إصلاحاته الليبرالية ستكون في حاجة إلى عمليات جراحية مؤلمة في الداخل. سيكون عليه قلب النظام الاجتماعي الذي أسسته فرنسا منذ قرنين، والذي استند برمته إلى الدور الريادي للدولة في الاقتصاد والإدارة والمجتمع رأساً على عقب. فهل يفعل؟

قلنا إن الرجل يحمل نوايا انقلابية. لكن، ومع ذلك، قدرته على تحقيق انقلاباته ستعتمد على طبيعة ردود الفعل الشعبية الفرنسية. فإذا ما كانت الممانعة ضعيفة أو متوسطة الحجم، فسيمضي قدماً في سياساته اليمينية حتى ولو اقتضى الأمر إراقة بعض الدماء على الطريق. أما إذا ما تبيَن أن ثوراته المحتملة ستجابه بثورات مضادة، فسيكون مجبراً على إعادة النظر بكل سياساته.

رب متسائل هنا: طالما أن غالبية الفرنسيين يتمسكون بنظام الرعاية الاجتماعية الضخم، وطالما أنهم في جلهم محافظون ويرفضون تغيير ما يعتبرونه النظام الاجتماعي الانسب، فلماذا فضلوا صاحب الوجه الحديدي ساركوزي على صاحبة الوجه الصبوح رويال؟

السبب، على الأرجح، يعود إلى أزمة الهوية الطاحنة التي يعيشها شعب الغال هذه الأيام، بسبب تراجع قوة الاقتصاد الفرنسي والانحسار الكبير للنفوذ الفرنسي في العالم. وهذا ما جعلهم يبحثون عن رجل يدّعي انه قادر على وقف التراجع الاقتصادي، وعلى ldquo;جعل الفرنسيين يفخرون مجدداً بأنهم فرنسيونrdquo; (كما وعدهم ساركوزي) في البلاط العالمي.

ربما يكون ساركوزي صادقاً. ربما هو يعتقد فعلاً أن انقلابيته الاجتماعية في الداخل، ستطلق من جديد ldquo;العظمة الفرنسيةrdquo; في الخارج. لكن، حتى ولو كانت النوايا صادقة، إلا أن طريقها قد يؤدي في بعض الأحيان إلى جهنم.

أي جهنم تلك التي حذرَت رويال الفرنسيين منها، إذا ما انتخبوا ساركوزي رئيساً؟