ديفيد اقناتيوس ـ واشنطن بوست


يقول دبلوماسي امريكي انه لا مجال للعودة الى الوراء الآن. ولكنه حذر من ان كل من يعمل في الصومال عليه ان يدرك مدى ضعف قدرتنا على اختيار قادة من عشائر وبطون الصومال laquo;اكملوا المهمة بسرعة واخرجواraquo;. ذلك، بحسب دبلوماسي امريكي رفيع المستوى مقيم في اديس ابابا، هو الهدف من تلك الحرب التي تكاد لا تجد حظا من الانتباه، والتي تخوضها اثيوبيا بدعم امريكي ضد المتطرفين الاسلاميين في الصومال. ولكن استراتيجية (الدخول والخروج) هذه تواجه نفس عوائق العالم الحقيقي التي تواجه امريكا في العراق وافغانستان.
ان خوض الصراع في حد ذاته مشكلة اقل شأنا من المشاكل التي ستأتي بعد ذلك. وتلك هي المعضلة التي تتكشف لامريكا وحلفائها الآن في عالم اختلط فيه حابل خوض الحرب بنابل بناء البلدان. لقد احتاجت اثيوبيا الى اسبوع فقط لاخراج حركة اسلامية اصولية (المحاكم الاسلامية) من مقديشو في ديسمبر. ولم يكن الشق الصعب من المسألة هو طرد العدو من العاصمة ولكنه كان اعادة ترتيب اوضاع البلد.
يقول مسؤول بوزارة الخارجية الامريكية الذي يشارك في الاشراف على السياسة الامريكية في المنطقة ان laquo;الاثيوبيين يبحثون عن فرصة للخروج (من الصومال) ولكن ليس قبل ان يطمئنوا الى ان الاوضاع الامنية ستحول دون العودة الى الفوضى مجددا. وفي الصومال، وهي بلد متخلف تشكلت به 14 حكومة منذ عام ،1991 فإن عملية جلب الاستقرار اشق ما تكون.
وكانت حرب الصومال تطل في كل وقفة وقفناها خلال رحلة لمنطقة القرن الافريقي قمت بها برفقة الادميرال ويليام فالون، القائد الجديد للقيادة الوسطى. وكانت هذه القيادة قد اسست مركزا اقليميا في مدينة جيبوتي عند مدخل البحر الاحمر. ولديها (اي للقيادة الوسطى) الآن حوالي 1500 جندي من القوات الامريكية هناك. وبعض هؤلاء يعملون خارج المركز في مجال حفر الآبار وبناء المدارس وتطعيم الاغنام ونحو ذلك. اي انهم (يشنون سلاما) كما اوضح ناطق هناك. وهذا ما يمثل جانب بناء البلد.
وتوفر قاعدة جيبوتي ايضا اسنادا لوجستيا لوحدات القوات الخاصة الامريكية التي تطارد ما تبقى من خلايا القاعدة الارهابية التي فجرت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في عام .1998 ولان الصومال توفر ملاذا للقاعدة فقد اصبحت هدفا خاصا بعد 11 سبتمبر .2001 ولكن ادارة بوش التي تضع في بالها التدخل الانساني الكارثي (للقوات الامريكية في الصومال) في عام 1993 كانت حذرة من التدخل المباشر. وفي اول الامر قامت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية بدفع مبالغ لامراء الحرب لمطاردة مقاتلي القاعدة. ولكن امراء الحرب لم يقبضوا على عدد كبير من الارهابيين. وربما حدث ما هو اسوأ حيث ان دفع الاموال فاقم من وضع فوضوي (كان موجودا اصلا) مما دفع بالعديد من الصوماليين الى الاتجاه للمحاكم الاسلامية لحمايتهم. وبدأت اثيوبيا، خوفا من قيام حكومة اسلامية اصولية على حدودها الشرقية عقب سيطرة المحاكم الاسلامية على مقديشو في يونيو 2006 بالتخطيط لتدخلها العسكري. وفي البداية حذرت القيادة الوسطى اثيوبيا من غزو الصومال. ولكن بعد ان عبر حوالي 10000 جندي اثيوبي الحدود في 24 ديسمبر، حصلوا على اسناد استكشاف جوي ومعلومات استخبارات ميدانية اخرى. تلا ذلك تنفيذ استراتيجية (كماشة) اثيوبية - امريكية. ففي يناير وبعد هروب المقاتلين الاسلاميين من مقديشو شنت الولايات المتحدة هجومين جويين مدمرين بطائرات اي سي .130 ويرجح ان ابا طلحة السوداني وهو احد كبار مقاتلي القاعدة قد قتل في هذين الهجومين المنسقين، بحسب مسؤول امريكي. وفي الاجمال فقد قتل حوالي 8000 مقاتل اسلامي في تلك الحرب القصيرة في حين فقدت اثيوبيا 225 جنديا وجرح 500 آخرين.
لقد كانت (حرب بالوكالة) ناجحة من وجهة النظر الامريكية. ولكن ثم ماذا بعد ذلك؟ بدأ الاثيوبيون في سحب قواتهم فورا تقريبا. وبحلول مارس كان الاصوليون الاسلاميون يوشكون على اعادة سيطرتهم على مقديشو. عادت القوات الاثيوبية مجددا وسحقت الانفصاليين مرة اخرى. وتوصل الاثيوبيون الآن الى انهم لا يستطيعون الانسحاب تماما في وقت قريب من الصومال. وانهم بدلا عن ذلك عليهم البقاء وتدريب جيش صومالي صديق يستطيع دعم الحكومة الفدرالية الانتقالية الموالية لاثيوبيا.
ويحدو الاثيوبيين الامل في ان يكون بمستطاعهم اجراء مصالحة بين قادة العشائر الصومالية. وفي ذات الوقت فإن الاثيوبيين يبحثون عن غطاء من قوة تمثل الاتحاد الافريقي يأملون في ان يصل عددها الى 5000 جندي. وحتى الآن فقد وصل الى الصومال 1800 جندي فقط من يوغندا. بكلمات اخرى، ان وضع الصومال الآن يماثل وضع العراق وافغانستان. لقد نجحت ضربة عسكرية حاسمة في تدمير احد المهددات. ولكن ما تبقى (بعد ان ركد الغبار) هو مجتمع قبلي متناثر لا يمكن ان يحدث فيه استقرار حقيقي من دون اتمام عملية معقدة للمصالحة السياسية والتنمية الاقتصادية.
يقول دبلوماسي امريكي انه لا مجال للعودة الى الوراء الآن. ولكنه حذر من ان كل من يعمل في الصومال عليه ان يدرك laquo;مدى ضعف قدرتنا على اختيار قادة من عشائر وبطونraquo; الصومال.

ترجمة قاسم مكي
قسم الترجمة- عمان