وليد خدوري

نشرت صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; الأميركية السبت قبل الماضي تقريراً سرب اليها من احدى الدوائر الحكومية، مفاده ان نحو 100الف الى 300 الف برميل من النفط الخام سرقت في العراق يومياً خلال سنوات الاحتلال الأربع الماضية، واحتسب التقرير معدل متوسط سعر البرميل خلال هذه الفترة 50 دولاراً. من ثم، اذا اعتبرنا معدل النفط المسروق نحو 200الف برميل يومياً، فهذا يعني ان ثمنه يقدر بعشرة ملايين دولار يومياً.

وأفادت الصحيفة ان التقرير مسودة لتقرير نهائي اعده مكتب المحاسبة للحكومة الاميركية سيصدر خلال هذا الاسبوع ويعتبر الأشمل من نوعه. ويشار الى ان مكتب النزاهة العامة في وزارة النفط العراقية ومكتب المفتش العام في الجيش الاميركي نشرا تقارير ذات نتائج مشابهة.

لكن لم يتوصل التقريرالأخير الى استنتاج نهائي عما حصل للنفط المفقود. وطرح بديلاً عن ذلك تفسيرات مختلفة، اضافة الى الفساد والتهريب، منها احتمال المبالغة في كمية انتاج النفط العراقي الذي يبلغ معدله في الوقت الحاضر نحو مليوني برميل يومياً، او التسرب الذي يحصل نتيجة تفجير الأنابيب. ونقلت الصحيفة عن خبير في شؤون الطاقة يعمل في وزارة الخارجية الاميركية، قوله، ان فقدان النفط سببه اما التسرب الناتج من تفجير الانابيب، او تقديم معلومات غير دقيقة عن كميات الإنتاج، اذ لم تحتسب كميات المياه التي تصاحب النفط عند الانتاج، او امكان السرقة من قبل المليشيات المسلحة في الجنوب.

ان توقيت صدور هذا التقرير مهم جداً. اذ سيبدأ البرلمان العراقي في الايام المقبلة مناقشة مشروع قانون النفط الذي يقلص بشكل كبير صلاحية وزارة النفط في بغداد ومسؤوليتها واشرافها على مجمل العمليات النفطية في البلاد ويحولها بدلاً عن ذلك الى الاقاليم والمحافظات والمسؤولين المحليين. و ضغطت الإدارة الاميركية تكراراً وبشكل علني على تمرير هذا القانون، على رغم المعارضة التي يواجهها من قبل الخبراء النفطيين العراقيين، وبعض الاطراف السياسية.

هناك طرق واساليب معينة اصبحت معروفة لسرقة النفط العراقي، منها تغيير البيان التفصيلي لبوليصات الشحن او التلاعب بكمية النفط التي تزود الناقلات، خصوصاً مع غياب المعدات اللازمة للعد، والتهريب عبر موانئ صغيرة معدة لهذا الغرض على شط العرب، ومد انابيب فرعية لسرقة اكبر كمية ممكنة من النفط من الأنابيب الأصلية التابعة للدولة. وتتم هذه العمليات من قبل عصابات مسلحة، او ميليشيات تابعة للاحزاب، او موظفين مرتشين.

للكمية الضخمة من النفط المسروق، فلا يمكن ان تكون هناك مجموعة واحدة فقط مسؤولة عن هذه العملية، بل مجموعات عدة، كبيرة وصغيرة، متنفذة ومدعومة وموزعة في مناطق مختلفة من البلاد. واذا افترضنا صحة الارقام عن النفط المفقود في هذا التقرير، وهي ضخمة وغير مسبوقة في اي من الدول المنتجة ndash; وكانت نيجيريا تعتبر في الماضي اكثر الدول فساداً في هذا المجال، الا ان هذا التقرير يضع العراق في المصاف الأول من دون منازع، مع الأسف الشديد .

ان السـؤال الاساسي الذي لم يتطرق اليـــه التقريــر، هو لماذا هـــذه الحال من الفوضى والنهب بعد كل هـــذه السنوات من الاحتلال؟ واين هي الأساطيل في شمال الخليج التي لا تستطيع ان تضع حـــداً لعمليات التهريب التي لا يمكن ان تخفى على احد؟ ولماذا لا تحاسب السلطات المحلية او قوات الاحتلال المجموعات المسؤولة عن اكبر عمليات لتهريب النفط في تاريخ الصناعة العالمية؟ وكيف سيستطيع العراق ان يبني صناعة نفطية حديثة مرة اخرى عندما يسرق 10 في المئة من نفطه يومياً وبصورة منتظمة وعلنية؟