ادونيس ومحمود درويش وغازي القصيبي وآخرون عرباً وأجانب ...
باريس ndash; عبده وازن
عشية حلول الذكرى الأولى للحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في الثاني عشر من تموز (يوليو) العام الماضي ارتأت مؤسسة laquo;أرابيسكraquo; ودار laquo;أوروبياraquo; في باريس أن تستعيدا آثار تلك الحرب القاسية والمدمرة ولكن عبر قصائد ورسوم لشعراء ورسامين عرب وعالميين. والاستعادة تمت أولاً من خلال ديوان جماعي عنوانه laquo;أغواء الصمت: ثلاث وثلاثون قصيدة لثلاثة وثلاثين يوماً من الحرب في لبنانraquo;. أعد الديوان واختار القصائد خلدون زريق ورانية سمارة وصدر عن دار laquo;أوروبياraquo;. وفي مناسبة صدور الديوان أحيت المؤسستان لقاء شعرياً في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس.
lt; بينما كان الشعراء يقرأون قصائدهم التي تستوحي حرب إسرائيل على لبنان أو laquo;حرب تموزraquo; كما باتت تُسمى، كانت مآسٍ كبيرة تحصل في غزة وسامراء وبيروت... إنها الحرب تعصف بالمدن والكلمات. هنالك قتل وتدمير واغتيالات وهنا قصائد تحاول أن تشهد على ما جرى في الصيف الفائت عندما التهبت الأرض اللبنانية تحت نيران القصف الإسرائيلي. قصيدة laquo;البيت قتيلاًraquo; التي قرئت بالعربية وبالترجمة الفرنسية أهداها الشاعر محمود درويش إلى بيت في غزة وبيت في بيروت كما قالت مترجمتها رانية سمارة مديرة مؤسسة laquo;أرابيسكraquo;. إنه البيت نفسه، البيت العربي المتساقط تحت قذائف الأعداء والأخوة الأعداء. تقول القصيدة: laquo;بدقيقة واحدة، تنتهي حياة بيت كاملة. البيت قتيلاً هو أيضاً قتل جماعي حتى لو خلا من سكانهraquo;. ويضيف الشاعر قائلاً: laquo;في كل شيء كائن يتوجع... ذكرى أصابع وذكرى رائحة وذكرى صورة. والبيوت تُقتل كما يُقتل سكانهاraquo;. عنوان الديوان الجماعي laquo;إغواء الصمتraquo; استوحته رانية سمارة من قصيدة للشاعرة والرسامة اللبنانية إيتل عدنان، وهو يعبّر عن حال الصمت التي كابدها شعراء كثيرون لم يستطيعوا أن يكتبوا أي قصيدة عن الحرب الشرسة.
شعراء افتقدوا صوتهم وأصيبوا بالذهول والأسى إزاء ما عاشوه أو شاهدوه. لكنّ شعراء كثيرين أيضاً تمكنوا من مواجهة المأساة وكتبوا قصائدهم خلال الحرب أو بعد انتهائها، فاللحظة التراجيدية امتدت حتى أصبحت زمناً بذاته. تكتب اتيل عدنان بالفرنسية قائلة: laquo;كلما كانت الأحداث جسيمة كابد الشاعر إغواء الصمت. وفيما عشت المأساة المتواصلة في الشرق العربي منذ ولادتي، لم يبق لديّ شيء لأقوله. لم يبق شيء لأطلبه. لم يبق شيء لأكتبه. لا شيء أيضاً آمل به. لا شيء لأحلم به. إنني في حاضر مستمر. غير أنني أصغي. أصغي إلى ذاكرتي وذاكرة كل العرب (أولئك الموتى، نعم) والأحياء والذين سيأتون. الذاكرة تتعزّز حيال الظلم، حيال الجريمة. سنظل نتذكر دوماًraquo;.
ثلاثة وثلاثون شاعراً إذاً وثلاث وثلاثون قصيدة لثلاثة وثلاثين يوماً هي أيام الحرب الإسرائيلية على لبنان. شعراء من العالم العربي وآخرون من العالم : فرنسا، الجزائر، سورية، تونس، الولايات المتحدة الأميركية، إيطاليا، قبرص، الدنمارك، بلجيكا، فلسطين، السعودية مصر ولبنان.
شعراء تخطوا تخوم الجغرافيا التي تفصل بينهم والتقوا في ديوان، بقصائدهم وكلماتهم، وبنظراتهم المختلفة إلى حرب هي حربهم، من قريب أو بعيد، حرب الضحايا الذين تماهوا بهم وكتبوا عنهم. يكتب خلدون زريق في مقدمة الديوان: laquo;جاء 12 تموز (يوليو) 2006 يؤكد للعالم أجمع أن laquo;العقلraquo; يميل إلى الغياب. 12 تموز 2006 سجل أيضاً يقظة فظة للأوهام التي ازهرت في القرن العشرينraquo;. أما رانية سمارة التي ترجمت القصائد العربية إلى الفرنسية قتقول في كلمتها: laquo;عندما ولدت فكرة هذا الكتاب، فوجئنا بالتحقق من أن الشعر العالمي، الملتزم والمتضامن، ما زال موجوداً كما في زمن الحرب الإسبانية. وفعلاً إن القصائد والرسوم التي استطعنا أن نجمعها، من الدنمارك إلى المغرب، ومن الولايات المتحدة الأميركية إلى السعودية، جاءت تنسج شبكة واسعة من الصداقة حول لبنان واللبنانيين شاجبة الحرب ضد هذا البلد. بعضٌ من هذه القصائد والرسوم يؤلف نوعاً من التحية المؤثرة والمتأثرة بوضوح. قصائد أخرى ورسوم أخرى التحمت أكثر بالحدث/ المناسبة، لكونها كُتبت أو رُسمت للحين، وقد تماهى أصحابها باللبنانيين، مواجهين الاعتداء كما لو أنهم كانوا في لبنان بالقرب من أهلهم خلال الحرب، بل كأنهم يحسون بالحنين إلى البلد الرائع الذي عرفوه وأحبّوه. أما الفئة الأخيرة بين هذه القصائد فهي تتمثل بقصائد اللبنانيين أنفسهم وقد حملت إلى العالم شهادتهم، بانيةً بالكلمات، مأساتهم الحية الأخيرةraquo;.
الشاعر أدونيس خصّ الديوان بقصيدته laquo;خمسة وعشرون يوماًraquo; التي كان كتبها بُعيد انتهاء الحرب معتمداً النص ndash; الشذرة ومؤرخاً تلك الأيام السود برؤية تراجيدية تتداخل فيها الحكمة والتأمل: laquo;لا أفكر إلا في السلام ولكن لا أرى غير حربraquo; يقول. وكان الشاعر نشر هذه القصيدة في laquo;الحياةraquo; وسينشرها لاحقاً في ديوان. الشاعر السعودي غازي القصيبي أهدى الديوان قصيدته التي كان نشرها في laquo;الحياةraquo; أيضاً وعنوانها laquo;لبنانraquo; وقرئت في غيابه بالعربية والترجمة الفرنسية وفيها يقول: laquo;سلام عليك/ على عرس قانا الذي رقصت فيه/ أم الحضارة فوق دماء الطفولةraquo;. يفضح القصيبي العنف الإسرائيلي ويستعير أصوات الضحايا ليعبر عن لحظات الموت والأسى. سعدي يوسف يكتب في قصيدته laquo;الشيوعي الأخير يتطوعraquo; قائلاً: laquo;السماء ثقيلة حمراء/ شمس في الهواء القرمزّي تكاد تذوب.../ لبنان المولود يدفع الأمواج مدّرعاً/ ويغطس في القرار...raquo;. عباس بيضون أرسل قصيدة بعنوان laquo;أوذيسة الهدمraquo; وهي ذات نَفَس سرديّ يخفي في قرارته سرّ الشعر laquo;الواقعيraquo;: laquo;لا أعرف شاعراً كتب قصيدة عن الضاحية، ولا أظن أن قصيدة تغني دمارها ممكنة laquo;يقول، ويضيف: laquo;اين نجد قافية بهذا الحجم يقول الشاعر الذي اعتاد على ورد الجنائنraquo;. إنها استحالة القصيدة أمام الخراب أو laquo;تسونامي الردمraquo; كما يعبر عباس بيضون. قصائد كثيرة لشعراء عرب من أمثال شوقي بزيع (لبنان) حلمي سالم (مصر)، جمانة حداد (لبنان)، عقل العويط (لبنان)، حازم العظمة (سورية)، طاهر بكري (تونس) وكاتب هذه السطور... أما الشعراء الأجانب فتوزعت قصائدهم بين الفرنسية والإنكليزية واليونانية وسواها من اللغات. ومن هؤلاء: أريك ستينوس (دنمارك)، جان كلود فيلان (فرنسا)، آنّ تلفاز (بلجيكا)، ليلي فيخاليدس (قبرص)، ستيف دالاشينسكي (الولايات المتحدة).
يقول الشاعر صلاح ستيتية في قصيدته laquo;الماء البارد المحروسraquo;: laquo;أحيّي يناع الضوء/ فوق هذه البلاد الشديدة العفّة/ لأن نسوتها عصيّات/ نسوة بأجنحة متقاطعة فوق الصدر/ كي تحمى القلب المضطرم للرجال/ الحب ذو الاهداب الخفيضة قد ختمه/ من ينقذ هذه البلاد من الطرْق/ من جنود يتقدّمون منتظرين/ ليقتلعوا الماء البارد المحروس ndash; ويأخذونه؟raquo;
رافقت القصائد في الديوان رسوم استوحت ايضاً laquo;حرب تموزraquo; بالأسود والأبيض وتقنيات مختلفة. وبدت الرسوم قصائد بذاتها ولم تكن تفسيراً بصرياً للشعر أو تزييناً له. ومن الرسامين المشاركين في الديوان: بطرس المعرّي (سورية)، كاتارينا دافينيو (إيطاليا)، هاني زعرب (فلسطين)، حميد طيبوشي (الجزائر)، شادي زقزوق (فلسطين).













التعليقات