غسان شربل

لنفترض أن الرئيس جورج بوش اختلى بنفسه في ساعة صفاء واصطحب معه خريطة laquo;الشرق الأوسط الكبيرraquo;. ولنفترض أنه شعر بتعب الأميركيين من رؤية النعوش العائدة من العراق وأفغانستان. أغلب الظن أنه سيجد نفسه أمام سؤال: كيف يمكن إعادة الجنود الأميركيين الى بلادهم مع ضمان المصالح الأميركية الحيوية في تلك المنطقة، بما فيها أمن النفط وأمن اسرائيل؟.

يعرف الرئيس الأميركي أن بلاده تتعرض في الشرق الأوسط لحربين. الأولى مباشرة تشنها laquo;القاعدةraquo; والمجموعات التي تدور في فلكها أو تنهل من أفكارها. والثانية غير مباشرة وتتمثل في الهجوم الايراني الشامل. الحرب الأولى ترمي الى طرد الولايات المتحدة من المنطقة للتفرغ لإطاحة الأنظمة التي يكفرها أيمن الظواهري. والثانية ترمي الى إرغام الولايات المتحدة على الإقرار بقيام دولة كبرى في الاقليم تستحق لعب دور الشريك، وهي إيران.

يعرف الرئيس بوش أن الحرب الأولى غير مسبوقة. الخصم فيها بلا عنوان معروف. لذلك يتعذر كسبها بالضربة القاضية. يتعذر العثور فيها على محاور. ليوقع على وثيقة استسلام أو هدنة. الخصم في هذه الحرب انتحاري بامتياز. وطبيعته مختلفة. laquo;خلية نائمةraquo; في حي في مدينة. حفنة مقاتلين في مغارة بعيدة. يكفي بضعة مقاتلين لإبقاء الحرب مفتوحة. والأهداف كثيرة. مطار أو سفارة أو مصفاة أو وفد سياحي.

حرب غير مسبوقة. لا يعترف الخصم فيها بالحدود الدولية. ولا الشرعية الدولية. ولا اتفاقات جنيف. ولا ترتيب المصالح. ولا تنظيم رقصة التعايش. انها حرب من قماشة خيار laquo;القاتل أو المقتولraquo;. خصم لا تقلقه الخسائر البشرية. لا تعنيه الكوارث الاقتصادية. يرى في الكوارث فرصة للتجنيد والاستقطاب. خصم لا يقبل بأقل من انتصار ساحق. وانقلاب كامل.

في الحرب الكورية كان هناك عنوان. في الحرب الفيتنامية كان يمكن الاتصال بماوتسي تونغ او ليونيد بريجنيف. كان لثوار الفيتكونغ جنرال معروف وزعيم معروف. في هذه الحرب لا عنوان لأسامة بن لادن أو لأيمن الظواهري. مغارة ما في أفغانستان أو على أطرافها. ثم انهما لا يقبلان أقل من هزيمة ساحقة لدولة وامبراطورية وحضارة ونموذج. لا خيار اذن غير الحرب الطويلة.

ينتقل الى الحرب الأخرى. الخروج الأميركي المشرف أو المقبول من العراق يحتاج الى مساعدة ايرانية. ثمن الحصول على هذه المساعدة باهظ. المساعدة الايرانية قد تسهل الخروج من أفغانستان لاحقاً. أو تسهل على الأقل مواصلة الحرب على laquo;القاعدةraquo;.

ماذا تريد ايران؟. يسأل بوش نفسه بعدما سأل مستشاريه. ضمانة طويلة الأمد لنظامها على غرار تلك التي فاز بها كاسترو بفعل laquo;أزمة الصواريخraquo; مع الاتحاد السوفياتي؟ ام تراها تريد أكثر؟. وهل يستطيع العالم احتمال ترسانة نووية في عهدة الملالي على ضفاف مضيق هرمز وبين خزاني النفط في الخليج وقزوين؟ وهل توظف ايران الخمينية الوسادة النووية للعودة قوية الى الأسرة الدولية أم توظفها في استكمال الحلم الامبراطوري وإمساك الأوراق داخل هذه الدولة أو تلك؟. ثم ما الذي يجمع بين الظواهري وأحمدي نجاد غير العداء لأميركا؟ وهل باتت طهران المستفيد الكبير من الحرب التي أطلقتها laquo;القاعدةraquo; في 11 أيلول (سبتمبر) 2001؟.

يقلّب جورج بوش الخيارات. لأحمدي نجاد عنوان معروف. ثكن ومطارات وجسور ومنشآت ومواقع تخصيب. تستطيع الآلة العسكرية الأميركية سحق كل تلك العناوين. إرجاع ايران عشرين عاماً الى الوراء. إغراق نظام خامنئي في الحطام. وربما إرغامه على وقف النزاع؟ لكن السؤال هو عن اليوم التالي.

شرح له الخبراء ان ايران تلوّح بقدرتها على تهديد أمن النفظ. أظهرت الصيف الماضي وعبر صواريخ laquo;حزب اللهraquo; قدرتها على تهديد أمن الدولة العبرية. ساهمت في استنزاف القوات الأميركية في العراق وأفغانستان. ساهمت مع سورية في تحويل الحلم العراقي كابوساً. ابتسم. انتصار رونالد ريغان على laquo;امبراطورية الشرraquo; أسهل بكثير من الانتصار على laquo;محور الشرraquo;. تحارب ايران أميركا من دون أن تترك بصمات واضحة. تحاربها بالواسطة وتدميها وتزعزع استقرار حلفائها وأصدقائها.

يقلّب جورج بوش الخيارات. لا تستطيع أميركا الاستمرار الى ما لانهاية في احتمال حربين. التفاوض مع الظواهري غير ممكن وغير وارد. وأحمدي نجاد ذهب بعيداً. في التخصيب والتهديد. في لبنان وغزة. فضلاً عن العراق وأفغانستان. لا خيار غير الحرب مع الظواهري. وأحمدي نجاد يضع أميركا أمام خيار شديد الصعوبة والخطورة: صفقة كبرى أو حرب كبرى بمقاييس الاقليم. الصفقة الكبرى مكلفة وإن حصلت ماذا عن روسيا والصين؟ والحرب الكبرى باهظة ومن يضمن أنها ستحاصر الحرب الأخرى ولن تؤدي الى مزيد من النار في الاقليم.

الشهور المقبلة ايرانية بامتياز. ولا بد لأميركا من قلب الطاولة بعد قياس الخسائر والأرباح. يستدعي بوش مستشاريه ويتوزعون حول مأساة laquo;الشرق الأوسط الكبيرraquo;. صفقة كبرى أم حرب كبرى أم حرب ضد عنوان آخر لإبعاد ايران عن المتوسط وإعادتها الى ايران؟.