يقف وراء فشل مهمّة عمرو موسى لأنه يراهنُ على بيع بضاعته الإرهابية في لبنان والعراق..

وعلى حرب quot;محدودةquot; مع إسرائيل

نصير الأسعد

quot;الذي أنهى مهمة الوفد العربي في بيروت بالفشل هو من جعل مهمة عمرو موسى في دمشق تنتهي الى النتيجة نفسهاquot;.

بهذه الكلمات علّق وزير بارز أول من أمس على تصريحات الأمين العام للجامعة العربية في العاصمة السورية، وعلى معلومات وردته عن حصيلة لقاءات المسؤول العربي مع الرئيس السوري بشار الأسد وأركان نظامه.
النظام السوري quot;يريدquot; المملكة ومصر.. وأميركا
إنه النظام السوري يفشّل المسعى العربي لحلّ الأزمة اللبنانية.
في بيروت، كان quot;همّquot; هذا النظام توجيه رسالة الى وفد الجامعة بأن التفاوض بشأن لبنان يكون معه مباشرةً لا مع الفرقاء اللبنانيين بمن فيهم حلفاؤه. وفي دمشق كان quot;همّهquot; توجيه رسالةٍ بأن التفاوض العربي quot;يجبquot; أن يكون من جانب المملكة العربية السعودية وقيادتها أو عبر قمة ثلاثية سعودية ـ مصرية ـ سورية، وفي جميع الأحوال يريد نظام الأسد quot;الوصولquot; الى الولايات المتحدة وإدارتها. لماذا؟
لأن النظام السوري يريد فكّ عزلته العربية من جهة ولأنه يريد العودة الى الظهور بـquot;مظهرquot; العضو في نادي الكبار العرب عبر استعادة صور اللقاءات الثلاثية لمرحلة سابقة من العمل العربي من جهة أخرى.
ولأنه يريد أن يبيع بضاعته الى جهات عربية ودولية قادرة على شرائها، على افتراضٍ منه أن البضاعة ـ أي أدواره التخريبية في لبنان والعراق وفلسطين ـ قابلةٌ للشراء فعلاً.
ولأنه يريد تأسيساً على معادلة quot;البيع والشراءquot; الدخول في quot;بازارquot; حول المحكمة الدولية وحول مستقبل لبنان السياسي، الأمر الذي يَفترض النظام السوري أنه يحتاجُ الى quot;ضماناتquot; لا تتوافر إلاّ عبر التفاوض مع أركان النظام العربي والقوة الدولية الكبرى.
قام النظام السوري بإفشال الوفد العربي في بيروت وعمرو موسى في دمشق اعتقاداً منه إذاً أن ذلك يفتحُ أمامَه سبيل التفاوض مع مركز القرار العربي ومع مركز القرار الدولي، واعتقاداً منه أن بضاعته التخريبية في quot;المثلّثquot; اللبناني ـ الفلسطيني ـ العراقي ناجحة.
المملكة ومصر: لا جدوى من التحدّث مباشرة إليه
غير أن حساباته وتقديراته خاطئة كالعادة.
فثمّة قرارٌ سعودي وآخر مصري بعدم التحدث الى نظام الأسد مباشرةً. وبحسب مصادر ديبلوماسية مطّلعة فإن للقرارين السعودي والمصري أسباباً عدة أهمها:
إن المملكة ومصر سعتَا بكل جهد في فترةٍ امتدّت حتى ما قبل حرب تموز 2006، الى تجنيب النظام في سوريا التعرّض لضغوط دولية قاسية، وخطر السقوط. كان ذلك من منطلق الحرص على ما يسمى الاستقرار في المنطقة، وعلى تجنّب الفوضى الإقليمية الواسعة. وكان ذلك على أساس نوع من الموازنة بين تغيير النظام السوري وسلوكه في لبنان وفلسطين والعراق من ناحية، وبينَ بقائه من ناحية ثانية.
الأسد من عدم الصدق الى الاستقواء فعدم الصدق
كانت النتيجة أن الأسد خرج بعد حرب تموز ليُعلن انتصاره ـ هو الآخر ـ وليهاجم القادة العرب ويتوعّدهم. وإذا كان الأسد استعان خلال الفترة السابقة على حرب تموز بـquot;عدم الصدقquot; مع القادة العرب لتقطيع هذه الفترة، فإنه بعد حرب تموز انتقل الى العدائية المباشرة.
إستغرقت مرحلة الاستقواء بحرب تموز بضعة أشهر. وكان واضحاً خلالها أن نظام الأسد مقيمٌ على قناعة تامة بقدرته على إسقاط المحكمة الدولية. فخلالها نظّم الانقلاب في لبنان عبر حلفائه وأدواته، وضغط في كل الاتجاهات من أجل إسقاط الحكومة والدولة اللبنانيّتين، ولم يتورّع عن الدفع باتجاه فتنة شيعية ـ سنيّة. وأُجهضت محاولاته كافة لعوامل عدة منها صمود حركة 14 آذار والحكومة والوضع الشعبي لبنانياً ومنها الاتصالات السعودية ـ الإيرانية إقليمياً، التي توصّلت الى نتيجة quot;وحيدةquot; هي منع الفتنة المذهبية.
عند هذا الحد، أي مع فشل الانقلاب المستقوي بحرب تموز، كانت القمة العربية في الرياض نهاية آذار الماضي. وفي هذه القمة التي أعادت إطلاق النظام العربي على أساس العلاقات المتكافئة بين دوله المستقلّة، ورسمت استراتيجية السلام العربي على أساس كونها استراتيجية quot;مركزيةquot;، تظاهر نظام الأسد بالموافقة وسعى الى استدعاء بحث عربي معه حول لبنان.. والمحكمة. لكن ما إن انتهت القمة حتى عاودَ النظام السوري التخريب على النظام العربي واستراتيجيّته، فأطلق مرحلة أخرى من الانقلاب في لبنان.. وصولاً الى استخدام كل وسائل التخريب دفعة واحدة من المجموعة الإرهابية في مخيم نهر البارد الى التفجيرات في المناطق كافة الى الاغتيالات، الى الاعتداء على quot;اليونيفيلquot;. وبالتزامن، لعب دوراً في محاولة إسقاط اتفاق مكة الفلسطيني. أما في العراق، فإنه أعطى لنفسه فرصةً علّ مقايضةً تنجح بينه وبين الولايات المتحدة، تنطلق ـ أي المقايضة ـ من وقفه الإرهاب في بلاد الرافدين ومن التعاون مع الحكومة العراقية، لتتجاوز المسألة العراقية. وعندما لم تحصل المقايضة، عاد النظام في سوريا الى التخريب الإرهابي في العراق، كما تدلّ على ذلك التفجيرات وصولاً الى كركوك مؤخراً.
إذاً، في أسباب القرارين السعودي والمصري عدم التحدث الى النظام السوري مباشرة، لا سيما في ما يتعلق بلبنان، انّ هذا النظام سلك مع الرياض والقاهرة طريق عدم الصدق ثم الهجوم المستقوي بحرب تموز فعدم الصدق والتخريب مجدداً.
سوريا حُوّلت مركزاً إقليمياً للإرهاب
غير انّ ثمة سبباً اضافياً ينبغي الا يغيب عن التحليل وتقدير الموقف. فقد حوّل نظام الأسد سوريا إلى quot;مركز إقليميquot; لكل المجموعات الإرهابية ومن كل الجنسيات مستقطباً مجموعات يصدّرها في كل الاتجاهات. وبهذا المعنى، صارت الأنظمة العربية ـ كل الأنظمة ـ التي حاولت quot;حمايةquot; بقاء النظام السوري تعتبر انه خطر على المنطقة ودولها وأنظمتها كافة وانه quot;مركزquot; لتصدير الإرهاب.
الآن، بالعودة الى نقطة البداية، لا بدّ من القول انّ النظام السوري جعل مهمة عمرو موسى تنتهي الى الفشل quot;على أملquot; إستدعاء تفاوض عربي سعودي ـ ومصري ـ يمهّد لتفاوض أميركي معه. بيد انه من الواضح انّ quot;حسابات الحقل لا تنطبق على حسابات البيدرquot;. كان ثمة رفض للتحدّث المباشر إليه، وللرفض أسباب quot;مستمرةquot;، ذلك انه من غير المقبول عربياً أن يتحدّى نظام الأسد وبالوسائل الإرهابية النظام العربي وإرادته واستراتيجيته. ويقيناً لو انّ النظام السوري غيّر quot;سلوكهquot; لما تردّدت الدول العربية في البحث معه في سبل ضمان quot;مستقبلهquot; أو quot;مصيرهquot;.
بكلامٍ آخر، نجح النظام السوري في جعل المسعى العربي حول لبنان يفشل.. حتى الآن. لكن أهدافه الكامنة وراء ذلك ليست مرشّحة للنجاح في المقابل.
تخريب نظام الأسد في لبنان والعراق
ماذا يعني هذا الاستنتاج؟
بداية، لا شك انه يعني انّ quot;الأزمة اللبنانيةquot; المتأتية في جانبها الرئيسي عن الدور التعطيلي ـ التخريبي للنظام السوري، ليست بأفق حلّ قريب.
لكنه يعني أيضاً انّ نظام الأسد، بالرغم من الفشل في تحقيق نتائج سياسية من التخريب، وبالرغم من اعتقاده العكس على الأرجح، سيواصل تخريبه في لبنان وفي العراق في المدى المباشر.
بالأمس، كان مراقبون يلفتون إلى quot;النشاطquot; الإرهابي المتصاعد للنظام السوري في العراق في الأسابيع والأيام الماضية. بعض هؤلاء المراقبين quot;أمِلquot; أن يكون نظام الأسد quot;حادَquot; نسبياً عن لبنان. غير انّ البعض الآخر سارع الى القول: لا يخطئن أحد فـquot;اللوجستيةquot; الإرهابية لديه تكفي لبلدين ويزيد وفي وقت واحد.. أما تركيزه على العراق في الفترة القريبة الماضية فمن أجل أن يقول بطريقة مدوّية وبتحدٍ انه quot;عادquot; باندفاعة إرهابية كبيرة لانه لم يوقف quot;نشاطه العراقيquot; في الأصل.
أولمرت والأسد
على انّ مصادر سياسية مطلعة ومتابعة دعت، فيما الأنظار مشدودة إلى quot;الخطّينquot; العراقي واللبناني، الى مراقبة quot;العلاقةquot; بين النظام السوري وإسرائيل.
أول من أمس، وفي مقابلةٍ مع احدى المحطات العربية، quot;كشفquot; رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت انّ رئيس النظام السوري بشار الأسد يريد مفاوضة الولايات المتحدة ولا يريد التفاوض مع إسرائيل. وطبعاً أضاف أولمرت انه يدعو الأسد الى التفاوض وانّ السلام يمكن أن يصنعه الجانبان.
quot;الوصولquot; الى واشنطن
المهمّ في ما قاله أولمرت انّ الأسد طرق أبواب quot;البحثquot; مع إسرائيل لكن عينه على واشنطن. وبهذا المعنى فانّ البحث مع إسرائيل يُفترض أن يفتح طريق البحث مع أميركا من وجهة نظر الأسد. وعلى أي حال، فقد جرت مفاوضات سورية ـ إسرائيلية شبه مباشرة خلال حرب تموز 2006 وبعدها. لكن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل أن يقتصر التفاوض على الجولان وألا يتوسّع الى عناوين أخرى. وإذا كان النظام السوري رفض استكمال التفاوض مع إسرائيل بعد ذلك، فلأن أولويته ليست الجولان، بل هي حماية النظام نفسه.
هذا يعني بوضوح انّ هدف النظام السوري هو quot;الوصولquot; إلى أميركا ولو عبر إسرائيل لعقد تسوية مع واشنطن. غير انّ معلومات يتكرّر ورودها منذ مدة تفيد انّ هذا النظام يستعد لحرب مع إسرائيل. فهل ثمة تناقض بين التفاوض quot;السابقquot; مع إسرائيل وبين الاستعداد لحرب معها في الوقت نفسه؟
سيناريو quot;الحرب المحدودةquot;
طبعاً لا، تجيب المصادر السياسية نفسها. ذلك انّ نظام الأسد الذي لم quot;يصلquot; إلى أميركا من خلال المفاوضات مع إسرائيل، يراهن على أن quot;يصلquot; اليها بواسطة الحرب. وعلى هذا الأساس، تعربُ المصادر المطلعة عن اعتقادها انّ الأسد يراهن على حرب quot;محدودةquot; تكون بمثابة حرب quot;تحريكquot; لخط التفاوض مع واشنطن، أي أن تؤدي هكذا حرب الى خلق وضع جديد يتوّج بتسوية ما مع أميركا، في ما يبدو انه محاولة من النظام السوري لتكرار سيناريو حرب تشرين 1973.
..لكن إيران بـquot;المرصادquot;!
بناء عليه، من الواضح انّ رهان الأسد يتوقف على quot;حجمquot; النتيجة التي ستقدّرها واشنطن في حال اندلاع الحرب. لكن ما يجب الانتباه إليه يتعلق بالجانب الإيراني. وهنا، تؤكد مصادر ديبلوماسية انّ إيران التي نشرت في سوريا قواعد صاروخية، فعلت ذلك لسببين رئيسيين: الأول هو تحقيق نوع من توسيع لـquot;الجبهاتquot; مع إسرائيل تحسباً لمواجهة إيرانية ـ أميركية، وفي إطار التحالف الإيراني ـ السوري. أما الثاني فهو انّ إيران التي لم تكن مسرورة من المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية quot;المنفردةquot; في مرحلة سابقة، تريد quot;الإمساكquot; بالحليف السوري وقراره العسكري ـ والسياسي ـ لضمان خدمته لمصالحها.
هكذا إذاً، وبتلخيص يحاول تركيب مجمل الصورة، يمكن القول انّ النظام السوري الذي يفشّل عمرو موسي والمسعى العربي لحل الأزمة اللبنانية، وإذ يشتغل على خطوط تفجيرية متوازية، يراهن ليس فقط على الوقت، بل على تطوّرات تبدو غير مرشّحة للحصول فعلياً، مراهناً على تقاطعات مستبعدة.