خرج منه صالح العوفي.. وشبابه تستهويهم الأغاني الشعبية



المدينة المنورة: تركي الصهيل


إلى الغرب من مسجد بن لادن، حيث قتل صالح العوفي، في 18 أغسطس (آب) 2005، الذي كان يتربع على قائمة أخطر المطلوبين للأمن السعودي، يقع حي الدويمة، أحد أقدم أحياء المدينة المنورة، وأكثرها عشوائية. من حي الدويمة، خرج العوفي المطلوب أمنيا، وفيه ترعرع ونشأ، وأكمل دراسته المتوسطة في مدرسة سيف الدولة الحمداني، أحد أبرز المدارس المتوسطة في الحي.
المتوسطة التي تخرج منها أخطر المطلوبين أمنيا، وأحد أبرز زعماء فرع تنظيم القاعدة في السعودية، بدت خلال زيارة laquo;الشرق الأوسطraquo; لها، كبقية مدارس الحي التي شرعت في مكافحة ظاهرة الإرهاب التي ضربت البلاد منذ أحداث 12 مايو (أيار) 2003، وهي الأحداث التي استهدف فيها مسلحون مجمعات سكنية في الرياض يقطنها غربيون وعرب.


نهار عويد الجابري ستيني من أهل الحي يعمل فراشا في مدرسة بنات يحكي فاقته الشديدة وهو على وشك التقاعد



وكأن متوسطة سيف الدولة الحمداني، أرادت من خلال كتابة عبارة laquo;تنمية فكري وأمن وطني وسلامة بدني.. هدفي وغايتيraquo;، على جدارها الخارجي، تنأى بنفسها عن مسؤولية انحراف فكر أحد ابنائها. وتعكس العبارات التي سطرتها المدارس المتوسطة والثانوية على جدرانها الخارجية، سلامة الحركة التعليمية في ذلك الحي، الذي سعى البعض إلى إلصاق تهم الإرهاب بها، لمجرد خروج أحد الإرهابيين منها.

ونظرة واحدة من مدارس الحي، إلى ظاهرة الإرهاب، بنظرة أكثر شمولية من غيرها، حين كتبت على أحد جدرانها، laquo;أحداث الإرهاب في العالم نتاج فكر مريض وحصيلة منهج منحرفraquo;، فيما كتبت مدرسة أخرى على جدارها laquo;من حمل علينا السلاح فليس مناraquo;، في إشارة إلى الاشتباكات الأمنية التي دارت بين قوى الأمن السعودي والجماعات المسلحة خلال السنوات الماضية.

وارتبط اثنان من شباب حي الدويمة، بمعتقل laquo;غوانتاناموraquo;، وlaquo;نهر الباردraquo;، حيث تم اعتقال مشعل الحربي في أفغانستان، وتم إيداعه في معتقل غوانتانامو الأميركي، قبل أن تفرج عنه السلطات الأميركية من هناك، فيما لقي شقيقه، وفقا لأنباء ترددت بهذا الشأن، حتفه في laquo;نهر الباردraquo;، إثر مشاركته في صفوف مقاتلي laquo;فتح الإسلامraquo; في معاركهم مع الجيش اللبناني.

وسبق أن تعرض حي الدويمة، للعديد من الحملات التفتيشية الأمنية التي استهدفت البحث عن مطلوبين للسلطات السعودية، وهو ما انعكس سلبا على الصورة المعتدلة لساكني الحي العشوائي. وذكر أحد شباب الدويمة، أن الذين كانوا يعرفون بتشددهم داخل الحي، اختفوا عن الأنظار منذ 3 أعوام تقريبا، ولم يعد لهم أثر الآن.

وسعت أمانة منطقة المدينة المنورة، إلى إحداث خلخلة للمناطق والأحياء العشوائية فيها، وذلك بشق طريق في منتصف تلك الأحياء، لتسهيل مهام الأجهزة الأمنية في مباشرة أية حوادث قد تقع داخل الحي، الذي كان يصعب الدخول إليه قبل فتح الطريق الجديد.

وقسم الطريق الذي شقت به الفرق الميدانية الأحياء العشوائية، حي الدويمة، إلى قسمين laquo;الدويمة العلوي والدويمة السفليraquo;، وهو ما سهل على سكان الحي مسألة الدخول إليه والخروج منه.

وتبلغ مساحة حي الدويمة، بحسب تقديرات غير دقيقة، 24 كيلو مترا مربعا، حيث يحده الدائري الثاني laquo;غرباraquo;، وحي الجبور laquo;شمالاraquo; وهو الذي يطل على طريق عروة النازل للحرم ـ كما يطلق المدينيين عليه ـ والذي كذلك يعد امتدادا للانتشار العشوائي للدويمة، فيما يحد الحي من الجنوب طريق الهجرة، ويحده شرقا طريق قباء laquo;الطالعraquo;.

وبالرغم من عشوائية حي الدويمة، إلا أن أطرافه يغلب عليها طابع التنظيم. ويعود السبب في ذلك إلى أن المناطق المنظمة، كانت بالأصل مزارع تعود ملكيتها لسكان حي الدويمة، وحينما أراد السكان المحليون للحي بناءها والاستفادة منها، أخضعتها الجهات الحكومية المعنية إلى عملية تخطيطية ساهمت في بنائها بشكل منظم.

ويقع على أطراف حي الدويمة، ثنية الوداع، وهي المنطقة التي استقبل فيها الأنصار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حينما هاجر إليها. وبالقرب منه يقع مسجد قباء، وهو أول مسجد بني في الإسلام، فيما يبعد عنه الحرم النبوي الشريف مسافة كيلو متر واحد إلى الجنوب الغربي منه.

حينما وصلت إلى المدينة المنورة، قادما من الرياض، أقلني سائق سعودي، إلى أحد الفنادق الواقعة في المنطقة المركزية، وحينما اقتربنا من الحرم، لفت نظري إلى أنه كان قبل 25 عاما، يدخن الشيشة بالقرب من أبواب الحرم. وقال laquo;كنت أدخن، وأنا أستطيع مشاهدة مداخل الحرم النبويraquo;، في إشارة لقرب مقدمي خدمة الشيشة من الحرم النبوي الشريف آنذاك.

إلا أن الوضع الآن اختلف تماما، وفقا لسائق التاكسي، الذي يعمل على إيصال زوار المدينة المنورة من المطار بسيارته الخاصة. وقال إن هذا الحي لا ينقصه شيء سوى التنظيم. فكل شيء متوفر فيه، laquo;الصحة، التعليم، وغيرهاraquo;.

إلا أن غالبية سكان حي الدويمة، بعيدا عن تبسيط سائق التاكسي لموضوع الحي، يعيشون حالة من الفقر، لا يمكن لأحد أن يتصورها، دون أن يقف عليها.

غالبية كبار السن في الحي يتجهون إلى التقاعد، فأعمار بعضهم وصلت الـ60، وآخرون تخطوا هذا الحاجز العمري.

غير أن أكثر ما يريح ساكني الحي هو أن منازلهم مملوكة لهم، وليست مستأجرة. ولكن مع التوسع السكاني الذي تشهده المدينة المنورة بشكل عام، وحي الدويمة بشكل خاص، بالنظر إلى تركيبته السكانية التي تسيطر عليها القبائل البدوية، يواجه ساكنو الحي، أزمة حقيقية، وذلك لضيق مساحة منازلهم المتهالكة.

يضاف إلى هذا أن ساكني الحي كغيرهم من ساكني الأحياء العشوائية، لا يملكون القدرة على شراء منازل حديثة، أو الانتقال للعيش في منازل مستأجرة، وذلك للتضخم الكبير الذي تشهده أسعار الإيجارات في كل المدن الرئيسية في البلاد.

وما يزيد من معاناتهم توقف أبناء غالبيتهم عن الدراسة في سن مبكرة، حيث أفاد كثير من شباب الحي ممن التقتهم laquo;الشرق الأوسطraquo; خلال الجولة، أنهم توقفوا عن الدراسة بعد أن أكمل بعضهم دراسته الثانوية، فيما هناك الكثير توقفوا ولم يكملوا المرحلة الثانوية نفسها.

وأكد لـlaquo;الشرق الأوسطraquo; ضيف الله البدراني، عمدة حي الدويمة، على أن غالبية شباب حيه، ليسوا موظفين، ولم يكملوا دراستهم الجامعية، وهو ما يشكل عبئا، على حد تعبيره، في مسألة شغل أوقات فراغهم بما يفيد. وبحسب البدراني، فإن التجمعات الشبابية داخل الحي، من أكثر الأسباب التي قد تخلق المشاكل فيما بينهم. وقال الشاب نواف ضبيان الجهني لـlaquo;الشرق الأوسطraquo; أنه تخرج من الثانوية العامة قبل عام، وهو يبحث عن وظيفة للالتحاق بها. ولا يبدي الجهني، وكثير من شباب الحي، رغبة في مواصلة الدراسة الجامعية، فكما يقول laquo;إن الحالة المادية السيئة لا تساعده على إكمال الدراسة الجامعية كحال الكثير من أبناء جيلهraquo;.

ويفتقر حي الدويمة، وغيره من الأحياء المجاورة له، كحي الجبور، لعنصر النظافة، وهو ما ينبئ بتفشي الأمراض لدى ساكني الحي، وخصوصا صغار السن، الذين يقضون ساعات طويلة خارج أسوار منازلهم، التي بالكاد تتحمل النساء بداخلها. ويقضي معظم شباب الحي، والذي يغلب على شوارعه العنصر الترابي، أوقاتهم وقوفا أمام منازلهم، أو في أحواض سياراتهم الخاصة، حيث لا مكان للترفيه والترويح عن النفس، إلا هذا المكان.

يقول أحدهم laquo;ليست هناك وسيلة للترويح عن النفس سوى البقاء خارج أسوار المنزل. صحيح أن هناك أمكان للترفيه خارج الحي، ولكن كيف أذهب إليها، وأنا لا أملك المال أصلاraquo;.

وتكالبت على سكان حي الدويمة، ظروف الحياة القاهرة، حتى أن هذا الأمر انعكس سلبا على المحال التجارية الواقعة داخل الحي، والتي بدأ البعض منها يقفل أبوابه، للبحث عن أماكن أخرى أكثر نشاطا وحيوية.

وأشار في هذا الصدد، فايز بخش، وهو خياط باكستاني يدير مشغلا للخياطة النسائية داخل الحي، إلى أن عدم رغبة المستثمرين للاستثمار داخل الحي، دفعت مالكي المحال التجارية لتخفيض سعر إيجار تلك المحال. وقال laquo;لقد كان إيجار هذا المحل laquo;المشغل النسائيraquo; 12 ألف ريال، غير أنه انخفض الآن لـ7 آلاف ريال. بسبب عدم وجود اناس ترغب في العمل هنا. فالحالة المادية سيئة. والإقبال ضعيفraquo;.

وفي جانب من الحي، تحلق مجموعة من شباب الحي، أمام سيارة تبدو بالنسبة لهم فارهة، مقارنة بالسيارات التي يمتلكها آباؤهم، والتي يعود تصنيعها لثمانينيات القرن الماضي. وصاحب هذه السيارة زميل لأحدهم حيث جاء لتبادل الأحاديث مع زميله بعد إغلاق المدارس أبوابها خلال فترة الصيف.

وبالرغم من أن صاحب السيارة الفارهة، كان يرتدي ملابس غربية، وقد قص شعره وفق آخر تقليعات الموضة، إلا أن هذا الأمر، لم يدفع بزميله الجابري ورفاقه بالتوجس من الوقوف معه وتبادل الأحاديث الودية، باعتبار أن ساكني الحي يغلب عليهم الطابع المحافظ.

وعلى بعد أمتار قليلة من مكان تجمع الشبان، يوجد صالون للحلاقة، يديره حلاق مصري، وتعود ملكيته لمؤذن مسجد الحي، بعد أن ابتاعه من حلاق تركي، دفع به كساد النشاط التجاري في الحي، إلى مغادرته. وفوق المحل، علقت لوحة وردية اللون، تفيد أن صالون الحلاقة، لديه الخبرة في تصفيف الشعر، وعمل القصات المختلفة.

وبسؤال الحلاق المصري محمد حسين، عن نوعية القصات التي يعمد أبناء الحي عملها، قال بلهجته المحلية laquo;ما فيش هنا لا قصات ولا مقصات، ما فيش غير ماكينة نمرة 1 و2 بسraquo;.

وعن السبب في ايهام الزبائن بأن لديهم خبرة في عمل القصات المختلفة، قال وهو منهمك بتحسين وجه أحد مواطنيه، بقوله laquo;هذا الصالون كان يعمل فيه في السابق حلاق تركي، وحينما وجد أن الناس لا تقبل عليه بالشكل المطلوب، قرر أن ينهي نشاطهraquo;.

وفي إشارة إلى سوء الأوضاع المادية لساكني الحي، لفت محمد حسين إلى أن كثيرا من الذين يقصدون الصالون للحلاقة، كانوا وما زالوا لا يدفعون المال بشكل فوري، ويعدون بالسداد بعد تسلم الموظفين منهم مرتباتهم الشهرية، حتى أن بعض العاطلين يلجأون للحلاق المصري ليستدينوا منه في كثير من الأحيان، حيث قال laquo;هناك من يأتي إلي ليستدين 5 أو 10 ريالاتraquo;. وأضاف laquo;إنهم طيبون جدا، ويمتازون بالشهامةraquo;.

ولا يشتكي محمد حسين الذي قضى 25 عاما من عمره بين أبناء حي الدويمة، من مضايقات بعض المحافظين له هذه الأيام، وخصوصا في مسألة حلق اللحى. وقال laquo;في السابق كانت هناك مجموعة تتردد علي وتحذرني من أن أقدم على حلق الوجه. أما الآن فالوضع مختلف تماماraquo;.

غير أنه استدرك بقوله laquo;غالبية مرتادي صالون الحلاقة لا يحرصون على حلق اللحى بالكامل، فمن النادر أن يأتي أشخاص ليطلبوا حلق الوجه، حيث يحرص غالبيتهم إلى الإبقاء على الشعر الذي يغطي الجزء السفلي من الوجه لجهة الفم، وهو ما يعرف بـlaquo;السكسوكهraquo; أو laquo;الخنجرraquo;. وعلى الرغم من أن صالون الحلاقة تعود ملكيته لمؤذن المسجد، إلا أنه عمد على الاشتراك بمجموعة قنوات الـart الرياضية.

ويندر أن تلاحظ في حي الدويمة، أي أثر للصحون الفضائية اللاقطة، حيث يعتبرها الكثير من الأشياء التي لا تقبل مسألة دخولها أي laquo;مساومةraquo;، ويعمد الذين يضعونها على أسطح منازلهم إلى إخفائها عن الأنظار، لئلا يتعرضوا للانتقادات من الغالبية.

وذكر الشاب عبد الله الجابري، أن الصحن الفضائي laquo;الدشraquo;، يعتبر من الأشياء المحظورة في حي الدويمة.

وكما يقول إن laquo;لا علاقة بالدين في منع القنوات الفضائية، حيث أن للأمر علاقة بالفكر القديم الذي يحكم عقلية كبار السن في الحيraquo;. إلا أن العقلية القديمة المسيطرة على الحي، تتجاوز الصحن الفضائي اللاقط لقنوات المجد الفضائية الإسلامية من المنع.

ولا تمنع حالة الفقر التي تسيطر على غالبية سكان الحي، الشباب من اقتناء الأشرطة الموسيقية. فإلى الشرق من شارع الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز الذي قطع حي الدويمة إلى نصفين، تقع تسجيلات ليلة نغم الفنية.

كان سالم نجيب، الذي يعمل في محل بيع الأشرطة الموسيقية، منهمكاً بالاستماع إلى أشرطة الأعراس الحديثة التي تلقى رواجا كبيرا خلال فترة الصيف التي تكثر فيها حفلات الأعراس.

وعن الأشرطة الموسيقية التي تلقى رواجا هذه الأيام، قال إن شريط أصالة نصري الجديد laquo;سواها قلبيraquo;، وشريط laquo;انجنيتraquo; لماجد المهندس، وlaquo;عزاهraquo; للسعودي راشد الفارس، تلقى رواجا كبيرا من زبائن المحل.

إلا أن مثل هذه الأشرطة لا تلقى ترحيبا من قبل أبناء الحي، وفقا لليمني سالم نجيب، الذي ذكر أن أبناء الحي الفقير تستهويهم الأغاني الشعبية أكثر من غيرها، وخصوصا تلك التي غنيت بأصوات الفنانين laquo;عزازي، فهد عبد المحسن، ومزعل فرحانraquo;.

ولفت نجيب إلى أن مثل هذه الأشرطة، وخصوصا النسخ غير الأصلية منها، تباع بـ10 ريالات فقط، خلافا للنسخ الأصلية التي تبلغ قيمة الواحد منها 15 ريالا سعوديا.

وبالرغم من ذلك، بعض شباب الحي، باتت تستهويه الأغاني السريعة، حيث عمد أحدهم إلى تزويد هاتفه الجوال بموسيقى أغنية laquo;بستناكraquo; للبنانية أليسا، لتكون نغمة جواله الخاص.

وسعى عمدة حي الدويمة، بعد تسلمه لعمادة الحي، منذ 6 أشهر فقط، على إقامة ندوات ومحاضرات توعوية لشباب الحي، الذين قال أن غالبيتهم مدخنون. وقال laquo;لقد أقمنا أخيرا ندوة عن التدخين، باعتبار أن غالبية شباب الحي يدخنون السجائرraquo;.

وتمنع المدينة المنورة، بيع الدخان أو تداوله، في كافة نواحيها، وخصوصا في المناطق المحيطة بالمنطقة المركزية.

ورفع هذا الإجراء، أسعار السجائر في المدينة المنورة، التي باتت تباع بالخفاء. وقال أحد شباب حي الدويمة لـlaquo;الشرق الأوسطraquo;، لقد أصبح بيع الدخان هنا، كالبورصة، فقد يصل في بعض الأحيان إلى 8 ريالات. ودفعت عدم رغبة صغار المستثمرين بالمخاطرة في افتتاح محال تجارية داخل حي الدويمة، إلى استغلال هذا الأمر وتوسيع نشاطهم التجاري ليشمل أكثر من نشاط. وسمى أحد أصحاب النشاطات التجارية مركزه المتواضع باسم laquo;بقالة أرزاقraquo;، حيث خصصها لبيع المواد الغذائية والمدرسية والمنزلية.

ويعاني حي الدويمة وما يأتي في امتداده، من سوء خدمات تصريف المياه والصرف الصحي، حيث يلحظ وجود الكثير من مستنقعات المياه داخل الحي، مما شكلت بؤر تجمع البعوض والحشرات الصغيرة.

قال لـlaquo;الشرق الأوسطraquo; ناصر الحاسري، عمدة حي الجبور، وهو أحد الأحياء المجاورة للدويمة، أن التصريف الصحي، أهم ما يؤرق سكان حيه وغيرها من الأحياء العشوائية.

ووصف الحاسري الأحياء القديمة، بأنها تفتقد للتخطيط والتنظيم، وقال: لقد ساهم طريق الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز في تسهيل حركة الدخول والخروج من وإلى الحي، كما ساهم في تسهيل مهام الدوريات الأمنية في مراقبة الوضع الأمني، وهي المهمة التي كان يصعب في السابق القيام بها قبل شق الطريق. إلا أن تلك الأحياء بحاجة إلى المزيد من الاهتمام، بحسب الحاسري. ورغم الأصداء الإيجابية التي تحققت بعد شق طريق الأمير عبد المجيد للأحياء العشوائية، والتي كان يهدف من ورائه خلخلة تلك المناطق، وفتحها على بعضها البعض، إلا أن الطريق ساهم في خلق نسب ليست بالقليلة من حوادث الدهس، جراء عبور أبناء الحي الواحد له مشياً على الأقدام.

وقال الشاب فهد العوفي، والذي ينتظر أن يلحق في نهاية الصيف بدورة عسكرية للأفراد، laquo;لقد خلق هذا الطريق مزيدا من المشاكل. فمع أنه حل جزءا من المشكلة العشوائية، إلا أن ضحاياه في تزايدraquo;، مستعيدا حادثة وقعت قبل أيام قليلة وراح ضحيتها أحد الأشخاص. وقال العوفي laquo;عندما زار الأمير عبد العزيز بن ماجد حينا هذا، أخبرته بنفسي عن مشكلة طريق الأمير عبد المجيد، ووعدنا خيراraquo;.

ويشهد حي الدويمة، حركة نشيطة جدا في المساء، حيث تمتد الحركة السكانية فيه حتى وقت الفجر، وذلك بالرغم من افتقاده للإنارة الكافية، في الوقت الذي يتسامر فيه شباب الحي على أضواء المحلات التجارية القليلة العاملة داخله. وتتوقف الحركة في الحي العشوائي، والذي يلقى إهمالا واضحا من البلدية، بحسب ما أفاد الأهالي، في فترة الصباح. حيث الموظفون في أعمالهم، والنساء في بيوتهن، والشباب نائمون.

وتخلو ممرات الحي الضيقة، والتي عادة تنقطع في نهايتها، في وقت الصباح، من كل شيء، سوى من كبار السن، الذين يدفعهم الفراغ إلى الخروج من المنزل، ومزاورة بعضهم في أحيان قليلة.

وتعيش عائلة مصلح الرويتعي، الذي لامس الـ60 عاما، حالة من شظف العيش، حيث أن ربها مصلح متقاعد من عمله الحكومي في البلدية، ويتقاضى مرتبا تقاعدياً لا يتجاوز الـ2000 ريال.

ولدى الرويتعي، 6 أبناء وبنات. وبالرغم من عمره الذي تجاوز الـ60، إلا أنه ذكر أن أبناءه وبناته لا يزالون يتلقون تعليمهم العام، حيث أرجع هذا الأمر لتأخره في إتمام مراسم الزواج، معللا تأخر زواجه لأوضاعه المادية السيئة.

وفي زاوية أخرى من المكان، يشق نهار عويد الجابري، الطاعن في السن، طريقه بخطوات متباطئة، نحو منزله الصغير. أفنى عمره وهو يعمل فراشا في إحدى مدارس البنات في الحي.

بدت تقسيمات وجهه، تعكس مدى الألم والفقر الذي يعاني منه، ساعده في ذلك، أنه لم يرزق سوى ببنت واحدة من زوجته، لذا فقد سخر عمره بأكمله لتأمين مصدر رزق لعائلته الصغيرة.

يقول، والأمل يبرق في عينيه، ظنا منه أننا مندوبون عن أحد الأجهزة الحكومية المعنية بمتابعة أوضاع الفقراء، وبلهجة بالكاد تفهم laquo;أنا أعمل فراشا بمدرسة للبنات، وأتقاضى راتبا شهريا قدره 3 آلاف ريال، وعلي التزامات مادية كثيرة، وسأتقاعد من عملي في العام المقبل. ليست لدي سيارة ولا أعرف القيادة، فعمري كله قضيته بين البيت والمدرسة والمسجد. والمشكلة الأكبر أن ثلث راتبي سيذهب بعد أن أتقاعد، والتزاماتي كثيرة جداraquo;.

وفيما كان نهار الجابري، يسرد معاناته، التي فاقت حرارتها، حرارة شمس المدينة المنورة في وقت الصيف، انضم اليه عبد المحسن مقبول الجابري، ظنا منه هو الآخر، أننا معنيون بالفقراء. تقدم على استحياء وأدى التحية، وبالكاد تعرف عليه العم نهار، نظرا لقصر نظره.

الشاب عبد المحسن، يقول إنه متزوج ولديه 4 أبناء، وقد قام بتطليق زوجته مؤخرا. ولكن عبد المحسن لا يعمل، ووالده الذي سيتقاعد العام المقبل، هو من يصرف عليه وعلى أبنائه الأربعة.

تردي أوضاع عبد المحسن المادية، أثرت عليه كثيرا، وبدا ذلك واضحا في طريقة كلامه، وتفكيره العميق بمستقبل أبنائه الأربعة، بات يفقده الكثير من التركيز.

وبالرغم من حالة الفقر التي كانت هي الواضحة على الحي العشوائي وسكانه، إلا أن عمدته ذكر أن هناك رجال أعمال وتجارا معروفين داخل حيه، يذكر منهم بيت الأركوبي، وأبناء حميدان البلادي، وغيرهم.

وينتظر حي الدويمة العشوائي، حركة تطويرية، بحسب العمدة البدراني، حيث قال laquo;إن هناك توجها لافتتاح مكتب للعمدة داخل الحي، لتسهيل كافة الأمور المتعلقة بسكان الحيraquo;، مؤكدا حاجة الحي لمركز اجتماعي، ليسهم في حل كافة المشكلات الاجتماعية التي تقع داخله.

كل هذه القصص والحكايا، كانت في الجزء السفلي من دويمة المدينة. ولكن الدويمة بقسمها العلوي، أكثر تعقيدا ومعاناة من شقيقتها السفلى.

وانعكست الحياة المأساوية التي يعيشها سكان حي الدويمة العلوي، على نفسيات أبناء الحي، وعلى الأقل فقد كان واحد منهم، يمشي في عز الظهيرة، دون أن ينتعل حذاءه. ولما سألناه ماذا ينقص حيكم من خدمات؟ أجاب قائلا laquo;ينقصنا أن نطير في الهواءraquo;.

وفي جانب آخر، يبدو طبيعيا أكثر ومقبولا، تجد ظاهرة التعصب الرياضي، مساحة لدى شباب حي الدويمة، ما بين مناهض للهلال ومؤيد له، وبين مناصر لفرق المنطقة الغربية laquo;الاتحاد والأهليraquo;، ومتعصب ضدها.

وبدا ذلك جليا، من خلال العبارات التي سطرت على المنازل، حيث laquo;يسقط الهلال.. ويحيا الاتحادraquo;، وغيرها من العبارات التي تكشف هوس الجميع برياضة كرة القدم، صغارا وكبارا، أغنياء وفقراء.