سيليغ إس. هاريسون - انترناشيونال هيرالد تريبيون

عادة ما يعزى النمو المتزايد للقاعدة وطالبان في منطقة الباشتون القبلية، في شمال غرب الباكستان وجنوبي أفغانستان إلى شيوع التفسير المتشدد للإسلام، وإلى المساعدة السرية التي كانت قد قدمتها وكالات الاستخبارات الباكستانية لهاتين الحركتين.

لكن هناك سبباً آخر أكثر خطراً، والذي يفسر بدوره نجاحاتهما: وهو علاقتهما التكافلية مع الحركة الباشتونية الانفصالية المشتعلة، والتي قد تفضي إلى توحيد الباشتون البالغ عددهم 41 مليون نسمة على جانبي الحدود، وإلى انفصالهم عن الباكستان وأفغانستان، ونشوء كيان قومي جديد: quot;باشتونستانquot; تحت قيادة إسلامية راديكالية.

تشكل الباكستان وأفغانستان دولتين هشتين متعددتي الأعراق. ولعل من قبيل المفارقة أن الولايات المتحدة، عبر تجاهلها للعوامل الإثنية، وتحديد طبيعة القتال مع الجهاديين، خاصة فيما يخص المفاهيم العسكرية، إنما تساعد القاعدة وطالبان عن غير قصد، في إحكام القبضة على قيادة وتوجيه النزعة القومية الباشتونية.

في الباكستان، حيث يسود نظام برويز مشرف العسكري الخاضع لسيطرة الأغلبية العرقية البنجابية، قاومت قبائل الباشتون في الجبال هيمنة البنجابيين طوال قرون، ودافعت بضراوة عن الاحتفاظ بوضعها الشبيه بالحكم الذاتي. ومع ذلك، تعمد الولايات المتحدة إلى دفع مشرف نحو إخضاع المناطق القبلية التي تتمتع بالحكم الذاتي للحكومة المركزية، وتهدد بتوجيه ضربات جوية أحادية الجانب ضد مخابئ القاعدة المشتبه بها ما لم تتخذ الباكستان إجراء عسكريا أكثر جسارة من تلقاء نفسها.

من المفهوم أن مشرف يقاوم المطالب الأميركية. لكن الهجوم العسكري على المسجد الاحمر، حيث كان معظم طلبة المدارس من الباشتون، أشعل مشاعر الغضب، ليس في المناطق القبلية فسحب، وإنما في أوساط جنرالاته من الباشتون أيضاً.

أما في أفغانستان، حيث يشكل الباشتون أضخم مجموعة عرقية، فإنهم يداومون على التعبير بمرارة عن استيائهم من النفوذ غير المتكافئ الذي تتمتع به الأقلية العرقية الطاجيكية في نظام الرئيس حامد كرزاي، وهو ما جاء إرثاً للتعاون الأميركي مع مليشيات الطاجيك للإطاحة بطالبان.

لكن الأهم من ذلك هو أن الباشتون هم الذين ظلوا يشكلون الضحايا الرئيسيين لهجمات القصف الأميركية وتلك التي تشنها قوات الناتو على طالبان الذين ينحدر جزء كبير منهم من الباشتون ويعملون في أراض تابعة في جلها تقريبا إلى الباشتون. وقد قدر أحد التقارير الرسمية أن الخسائر المدنية تجاومت ما يقارب 5000 منذ عام 2001.

تحت الضغوط التي مارستها واشنطن لحثها على القيام بعمل لتدمير ملاذات القاعدة، شنت القوات الباكستانية عمليات بواسطة الطائرات العامودية والمدفعية الثقيلة في أوائل عام 2004، ما أفضى إلى تشريد حوالي 50.000 شخص وإلحاق خسائر مدنية كبيرة. وقالت مجموعة الأزمات الدولية quot;إن استخدام القوة المفرطة غير المشروعة قد أفضى إلى تغريب السكان المحليينquot;. فيما ذكر وزير عدل باشتوني سابق أن الحملة quot;زرعت بذور الغضبquot; في عموم المناطق القبلية الحدوية الجبلية التي تمتد رقعتها على مساحة 10.510 اميال مربعة، والتي تدار بشكل فيدرالي.

من أجل تهدئة خواطر جنرالاته من الباشتون، منح مشرف في وقت لاحق تفويضاً بالتوصل إلى اتفاقيات سلام مع القبائل، وهو الأمر الذي انتقدته إدارة بوش، والتي قامت بموجبها القوات الباكستانية بتعليق العمليات العسكرية في مقابل تعهدات قطعها زعماء القبائل بمنع طالبان من الانطلاق من المناطق القبلية الحدودية الجبلية التي تدار فيدراليا واستعمالها كقاعدة لشن العمليات في أفغانستان. لكن الضرر كان قد حدث فعلاً، حيث تم تسييس المناطق الحدودية المذكورة واستقطابها على نحو لم يسبق له مثيل.

تأرجحت اتفاقيات السلام المذكورة في الكثير من المواقع بسبب نشوء الجماعات الإسلامية والباشتونية القومية، ثم انهارت الآن تماماً في أعقاب الغضبة التي تلت الهجوم على المسجد الأحمر. وقد أفضت عملية صبغ المناطق الباشتونية بالتطرف إلى تكثيف حدة التعصب الإسلاموي والقومي البشتوني على حد سواء. وعلى أن من الشائع القول إن المنتصر إما أن يكون الهوية الإسلامية أو الهوية الباشتونية، يظل الاحتمال الأكثر ترجيحاً أن النتيحة يمكن أن تكون، كما وصفها الدبلوماسي الباكستاني السابق حسين حقاني، نشوء quot;باشتونستان الاسلاميةquot;.

في الأول من آذار-مارس الماضي كان السفير الباكستاني لدى واشنطن محمود علي دراني، وهو باشتوني، قد علق في ندوة أقامتها السفارة الباكستانية هناك بقوله: quot;آمل ألا تندمج القوميتان الطالبانية والباشتونية.. وإذا ما حدث ذلك، فإننا سنكون تحت الأمر الواقع، ونحن الآن على شفا ذلكquot;.

وإذن، ما الذي يترتب على الولايات المتحدة فعله حتى تنزع فتيل قنبلة quot;باشتونستانquot; الموقوتة؟

أولاً: ينبغي خفض عدد الغارات الجوية التي تفضي إلى وقوع خسائر مدنية في كل من أفغانستان والمناطق القبلية الحدودية المدارة فيدرالياً إلى أدنى حد ممكن، والتعويل بشكل أكبر على قوات التدخل السريع والقوات الخاصة.

ثانياً: تشجيع كرزاي على وضع الباشتون من قبائل غيلزاي الضخمة في مناصب ومراكز أمنية رئيسية في كابول وإحلالهم محل الطاجيك من الأقلية، ذلك أن قبائل غيلزاي هي التي تهيمن على طالبان.

ثالثاً: ممارسة الضغط من أجل تشكيل حكومة مدنية في الباكستان، تجسد دستور العام 1973 الذي يعطي حكماً ذاتياً مؤقتاً لأقليات الباشتون والبلوش والسنديين. ولموازاة السيطرة البنجابية، يريد الباشتون دولة مندمجة، والتي يمكن أن تربط المناطق القبلية الجبلية الحدودية بالمناطق ذات الأغلبية الباشتونية الواقعة في منطقة الحدود الشمالية الغربية وبلوشستان. وفي تلك الحالة، يمكن للقبائل الباشتونية أن تشارك في السياسات الباكستانية وسيتم تعزيز قوة القوى الباشتونية العلمانية بقيادة حزب عوامي القومي.

يمكن لاقتراح الإدارة الأميركية تقديم برنامج مساعدات بقيمة 750 مليون دولار للمناطق القبلية الحدودية أن يكون بمثابة حجر عثرة كبير. فمع أن المساعدة الاقتصادية هي أمر مطلوب، إلا أن مساعدة يريدها النظام البنجابي المكروه ربما تؤدي إلى استقطاب الفصائل القبلية، وتعزز من مركز قادة الانفصاليين الذين سيعتبرون كل من يقبل المساعدة متعاوناً مع العدو.

باختصار، تظل الديمقراطية هي الشرط المسبق، ليس لمقاتلة القوات الجهادية في الباكستان بشكل أكثر فعالية فقط، وإنما أيضاً من أجل بقاء الباكستان على المدى الطويل بشكله الحالي المتسم بتعدد الأعراق.