محمد العسومي
اليوم تدخل حيز التنفيذ الفعلي بنود اتفاقية السوق الخليجية المشتركة، التي صدر بشأنها قرار من القمة الأخيرة بالعاصمة القطرية الدوحة. في هذه اللحظات تتجه أنظار مواطني دول المجلس والمراقبين إلى كافة الجهات المسؤولة عن عملية التطبيق، وما قد يعترضها من صعوبات بسبب عدم تطابق بعضها مع الأنظمة والقوانين المحلية، وربما بسبب عدم قدرة الأجهزة المعنية على التعامل مع بنود هذه الاتفاقية. من ضمن أمور كثيرة يفترض أن تتيسر ابتداء من اليوم الحرية الكاملة لانتقال السلع والخدمات والأيدي العاملة ورؤوس الأموال، وأن تطبق المواطنة الخليجية في التعاملات في كافة دول المجلس.
التجربة السابقة بينت بروز بعض العقبات، فالتعرفة الجمركية الموحدة عند بدء تطبيقها، اشترطت دوائر الجمارك دخول البضاعة بعد الأول من يناير عام 2003 وهو موعد تطبيق التعرفة الجمركية الموحدة، و إلا فسوف تفرض عليها الرسوم المعتادة باعتبارها دخلت إحدى دول المجلس قبل هذا التاريخ.
مثل هذه الاجتهادات غير المنطقية عادة ما تعرقل تطبيق الاتفاقيات وتصيب المتعاملين والمهتمين بالقلق وتأخير معاملاتهم، في الوقت الذي لا يكون فيه هناك أي عائد ذي أهمية للدوائر التي خرجت منها مثل هذه الاجتهادات، والتي اعتاد العاملون فيها على الروتين والخوف من التغيير، حتى وإن كان في صالح دوائرهم.
لتفادي مثل هذه العراقيل وضمان انسياب تطبيق بنود هذه الاتفاقية المهمة لكافة دول المجلس، لا بد من تهيئة الدوائر والجهات المعنية بالتطبيق واطلاعها على المستجدات، فموظفو دوائر الجمارك على سبيل المثال ربما لم يسمعوا جميعهم بالسوق الخليجية المشتركة، في حين لا يعرف آخرون ما معنى ذلك، خصوصاً من مضى على عمله في هذه الدوائر سنوات طويلة تزيد على عشرين عاماً، فهو بحكم تجربته يعرف ضرورة جمركة كل ما يمر أمام عينيه، وإذا حاولت توضيح الاتفاقيات الجديدة، فالجواب جاهز لم تصل إلينا الأوامر بعد من الوزارة المعنية.
لذلك من المهم إقامة دورات تدريبية لكافة العاملين وإطلاعهم على بنود اتفاقية السوق المشتركة وتطعيم هذه الدوائر بمؤهلات شابة، ليس في دوائر الجمارك فحسب، وانما في مؤسسات الأسواق المالية ودوائر الاقتصاد والتجارة والتسجيل العقاري والتأمينات الاجتماعية والتقاعد والعمل...إلخ مع ضرورة الإسراع في تعديل الأنظمة والقوانين المحلية، التي تتعارض مع بنود اتفاقية السوق المشتركة واعطاء أفضلية التطبيق لبنود الاتفاقية.
هذا ما تم القيام به في السوق الأوروبية المشتركة، إذ يتم تهيئة مسؤولي الدوائر قبل فترة من عملية التطبيق، كما أنه بمجرد حلول الوقت المحدد لعملية التطبيق تعطى الأفضلية وبصورة فورية للاتفاق الجماعي، وتلغى أية بنود محلية تتعارض مع الاتفاقية الجماعية، إذ لولا ذلك لما سارت الأمور في السوق الأوروبية المشتركة بالصورة السلسة في السنوات الماضية، ولتَعرقلت الكثير من الاتفاقيات بسبب انتظار تعديل الأنظمة المحلية التي قد تستمر فترة طويلة.
لقد بذل قادة دول المجلس جهوداً كبيرة وأبدوا حرصاً على ضرورة تطبيق السوق الخليجية المشتركة في موعدها دون عراقيل أو تأخير. والمطلوب أن تتجاوب الأجهزة المعنية مع المساعي الخيرة لقادة دول المجلس، وأن تحاول تسهيل تطبيق بنود الاتفاقية لتستفيد كافة الدول من نتائجها الإيجابية.
ربما تبرز بعض الصعوبات، فهذه مسألة مفهومة حتى في التكتلات الكبيرة مثل الاتحاد الاوروبي، إلا أن ما يدعو للتفاؤل هو أن دول المجلس قررت تشكيل هيئة قضائية تتكون من قضاة مستقلين لحل بعض الإشكالات التي قد تبرز سواء بين الدوائر أو الشركات أو حتى الأفراد، مما يعزز من البنية التشريعية والقانونية للتكتل الخليجي ويساهم في سرعة تجاوز العقبات التي قد تعترض تطبيق الاتفاقيات الجماعية.
وفي نفس الوقت، فإن على وزارات الاقتصاد والمالية سرعة حل بعض المسائل المعلقة، كتوزيع عائدات الرسوم الجمركية والاتفاق على الآلية الخاصة بعملية التوزيع حتى لا تتحول مع مرور الوقت إلى عائق يصعب التعامل معه.
سفينة السوق الخليجية المشتركة رفعت صواريها، وأفردت أشرعتها اعتباراً من اليوم لتبحر في مياه الخليج دون حواجز وإجراءات شكلية، مثلما كان أجدادنا يتنقلون بكل حرية بين أهاليهم المنتشرين على طول الخليج وعرضه معلنة وحدة الخليج الاقتصادية، لتشكل أحد أهم الدعامات لاستقرار وأمن دول المجلس وتطورها المستقبلي.
التعليقات