ديفيد ماكوفسكي

لدى عودته من آخر quot;جولة دراسية لمعهد واشنطن في الشرق الأوسطquot; ناقش كبير الزملاء ديفيد ماكوفسكي David Makovsky استنتاجاته وانطباعاته في ندوة خاصة لمعهد السياسات. ونورد فيما يلي تلخيصه الخاص لملاحظاته التي أدلى بها في الملتقى الذي تحدث فيه أيضاً كبير الزملاء سونر كانماباتي الذي طرح انطباعاته من تركيا، والتي نشرت في مكان آخر.

كانت مجموعة من أمناء وزملاء المعهد قد زارت كلاً من عمان والقدس ورام الله وتل أبيب مؤخراً، حيث التقت بصناع السياسة والمفكرين والصحافيين وقادة المجتمع. وفي الأردن وجد الوفد قلقاً خفياً من توسع النفوذ الإقليمي الإيراني. أما في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية، فبدا واضحا أن من الضروري حدوث تغييرات حقيقية على الأرض من أجل إدامة الزخم المستمد من مؤتمر أنابوليس.

الأردن

طيلة فترة الزيارة، أعطى المسؤولون الأردنيون الانطباع بأن الحاجة تمس إلى اصطفاف الدول والأحزاب العربية لاحتواء النفوذ الإيراني الذي ينزع الاستقرار. وهو انتقاد يمتد إلى ما وراء مجرد موضوع برنامجها النووي. وتتضمن استراتيجية الأردن للاحتواء تشكيل تحالف من الدول العربية وتقديم الدعم للحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية والحكومة العراقية. وهي التي تتصدى لوكلاء إيران: حزب الله وحماس والعناصر المؤيدة لإيران في العراق على التوالي. وبالإضافة إلى ذلك، يتطلع الأردن إلى رؤية تصميم أميركي حازم في مواجهة التهديد الإيراني.

خلال السنة الماضية، أخذ الأردن على عاتقه إطلاق مبادرتين دبلوماسيتين لتشكيل هذا الائتلاف العربي. فبغية حث القيادة الاقتصادية السعودية، قام مسؤول أردني رفيع المستوى برحلات عديدة إلى الرياض لتحسين العلاقات الثنائية التي تراجعت خلال حرب الخليج الأولى. واشتملت المبادرة الثانية على التواصل مع سورية، وهو ما توجته الزيارة التي قام بها الملك عبدالله الثاني مؤخراً إلى دمشق في محاولة لإبعاد سورية عن المدار السياسي الإيراني. وهو هدف يعتقد مسؤولو الدفاع الإسرائيليون بدورهم أنه يستحق الجهد المبذول لتحقيقه. ويعتقد الأردن بأن النجاح على هذه الجبهة يمكن أن تكون له تبعات عميقة على العلاقات بين إيران وحلفائها الآخرين، حزب الله وحماس.

من وجهة نظر الأردن، فإن سورية تشعر بالغضب بسبب الدور الصغير والثانوي الذي تضطلع به، والذي يختلف عن الدور الذي لعبته لسنوات كنظير لإيران. وقد أبدى الأردنيون حذرا حين بادروا إلى القول إنهم غير متأكدين مما هو مطلوب إزاء سورية، سوى أن أحداً لن يتنازل عن لبنان لإرضاء دمشق. ومن غير الواضح ما إذا كان الملك عبدالله الثاني قد حصل على تفويض من الرياض بالاعتماد على المساعدة السعودية كجزء من توجهاته الدبلوماسية الجديدة.

أما فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، فيحبذ كبار المسؤولين الأردنيين قيام عملية سلام قوية في أعقاب أنابوليس، معربين عن اعتقادهم بأن البديل يمكن أن يكون تدفق التطرف عبر نهر الأردن.

الإسرائيليون والفلسطينيون في مرحلة ما بعد أنابوليس

شكلت زيارة كل من القدس ورام الله وتل أبيب مباشرة في أعقاب مؤتمر أنابوليس خليطاً مثيراً للفضول. ففيما كان القادة مفعمين بالأمل، كانت الجماهير تفتقر إلى الحماسة والاهتمام، ولم يكن واضحاً طبيعة ما يمكن أن يحدث لاحقاً. كان ثمة إجماع بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين -وحتى من زعيم معارض إسرائيلي كبير- حول أهمية التقدم إلى الأمام، خاصة وأن الرابحين الوحيدين من انهيار عملية السلام سيكونون حركة حماس ورعاتها في طهران. ويعتقد الإسرائيليون بأن الإطار الاقتصادي سيكون المفتاح لقولبة العملية السلمية الجديدة، آخذين في الاعتبار تلك الأدوار التي يضطلع بها كل من رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ومؤتمر الجهات المانحة الذي تعهد بتقديم نحو سبعة بلايين دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

ومع ذلك، ظهر أيضاً عدم وجود استراتيجية تم وضعها للتعامل مع مرحلة ما بعد أنابوليس لإثارة اهتمام الجماهير المتشككة وإشراكها. وتعتبر عملية إعادة إحياء دعم الدوائر الانتخابية حاسمة بالنسبة للسلام إذا ما أريد منح القوة للقادة لحفزهم على اتخاذ قرارات تاريخية، نظراً إلى أن الرأي المحلّي في كلا المجتمعين سيتحرك فقط بفعل حدوث التغيرات على الأرض. ولا يبدو واضحاً حتى الآن ما إذا كان المبعوث الأميركي الجنرال جيم جونس الذي عيّن مؤخراً سيكون quot;حاكماًquot; للسلوك الموضوعي في المرحلة الأولى من خريطة الطريق، أو أنه سيركز على وضع خطة أمنية طويلة الأمد لدولة فلسطينية. وبالرغم من أن القادة في المنطقة يحذرون من تجنب انتقاد الولايات المتحدة فيما يتعلق بأنابوليس، فإن ثمة إحساساً يسود بأن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تركز على التوصل إلى انفراج أكبر في عملية السلام بدلاً من إجراء تغييرات تحفيزية على أرض الواقع.

لعل المفتاح لإدامة زخم انابوليس يكمن في فتح دروب أمام الجماهير، وليس في استخدام لغة سياسية منمقة، حتى يروا إحراز تقدم جدي. أولاً: تحتاج الأطروحات القديمة الخاصة بحواجز الطرقات الأمنية وتنقل الفلسطينيين إلى التغيير. وإذا كان لإسرائيل أن تزيد عدد جنودها عند الشرايين الرئيسية، فإن من شأن تلك الخطوة أن تخدم كلا من الأمن الإسرائيلي والتنقل الفلسطيني، ويمكن معها تجنب حدوث نتائج وخيمة العواقب. ثانياً: من الممكن أن تكون هناك قيمة لان تتولى السلطة الفلسطينية الإشراف على الجانب الفلسطيني من نقطة عبور غزة quot;كارنيquot; من اجل توريد الصادرات إلى إسرائيل (وبالطبع فإن إسرائيل ستشرف على جانبها من نقطة العبور تلك). وحاليا، فإن السلطة الفلسطينية تشرف أصلا على معبر quot;إيريزquot; من أجل تسهيل حركات التنقل الإنسانية، كما أن من شأن توسيع هذا الإشراف ليشمل كارني أن يعطي السلطة الفلسطينية موطئ قدم في غزة. وبالإضافة إلى ذلك، وإذا ما أقدمت السلطة الفلسطينية على إزالة الأفكار التحريضية من التلفاز التابع لها، فإن الجمهور الإسرائيلي سيرى في تلك الخطوة بالتأكيد مبادرة ايجابية، مع أن القليلين من الفلسطينيين يشاهدون المحطة التلفزيونية الفلسطينية.

ثمة بطاقة صعبة قديمة تكمن في غزة ما بعد أنابوليس. فحتى تستعيد شعبيتها، ربما تعمد حماس إلى تصعيد الهجمات بصواريخ القسام على إسرائيل، وهو ما سيحفز على حدوث توغل إسرائيلي في غزة، تتمكن معه حماس من تصوير السلطة الفلسطينية على أنها لا تعبأ بأي مأزق يحل بغزة.

وهناك موضوع آخر هو الرد الإسرائيلي على تقويم الاستخبارات القومية الأميركية (NIE)، إذ يسود إحساس بالمرارة حيال تأكيد التقويم المذكور على عملية التسليح بدلا من تأكيده على تطوير التخصيب المستمر وتطوير الصواريخ في إيران. فمن جهة، ما تزال إسرائيل تدعم فكرة فرض عقوبات دولية على طهران، ولو أنها درست، كما هو واضح، خيارات أخرى في حال فشل العقوبات. إلى ذلك، يقول البعض بأن التقويم المذكور يرفع الكلفة التي ستتحملها إسرائيل إن هي اختارت أن تتصرف وحدها ضد إيران، نظرا إلى أنه سينظر إليها على أنها تقوم برد فعل غير متناسب. وفي الوقت ذاته، فإن التقويم الاستخباراتي القومي الأميركي قد يغير ديناميكية صنع القرار الإسرائيلي، فيضعف أولئك الذين يعتقدون بأن الولايات المتحدة ستعمد في نهاية المطاف إلى التصرف في الوقت الذي لا تقدم إسرائيل على أي عمل.

على طول هذه الخطوط يبقى من غير الواضح ما إذا كان التقويم الاستخباراتي الأميركي سيخلق احتكاكا مطولا في العلاقات الاستخباراتية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك بالرغم من الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة لإسرائيل والقرار الذي اتخذ بمتابعة المباحثات. وإذا ما كانت إسرائيل تظن بأنها تركت في الظل، فإن من شأن ذلك أن يعزز صعود المبادئ الصهيونية الخاصة بالاعتماد على الذات، ما يحفز إسرائيل على التصرف من تلقاء نفسها قبل أن تقوم الإدارة الاميركية التالية بالانخراط دبلوماسياً مع إيران كما هو محتمل.

نشرة المعهد الأميركي لسياسات الشرق الأدنى

ديفيد ماكوفسكي: زميل رفيع ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.