فوضى سياسية وإدارية وانهيار اقتصادي بعد ستة أشهر من حكم quot;حماسquot; للقطاع

أحمد رمضان

التطورات التي شهدها العام 2007 بلغت من الخطورة على حاضر الشعب الفلسطيني ومستقبله ومصيره، حداً دفع الكثيرين الى وصف ما جرى بأنه يعادل النكبة التي حلت به في العام 1948.
وقد مهدت للنكبة الجديدة سلسلة طويلة من الاحداث والتغييرات العميقة التي ادت الى نشوب ازمة سياسية دخلها الوضع الفلسطيني اثر فشل الانتفاضة الثانية في تحقيق أي من اهدافها المعلنة (الحرية والاستقلال) وغرقها في بحر من الفوضى والفلتان، وتعدد البرامج والاجندات والسلطات، بالتوازي مع الدمار الذي لحق بالسلطة ومؤسساتها، وهو ما ايقظ خرافة رأت فيها بعض النخب السياسية ترياق الحياة، والتعويذة السحرية التي ستنقذ الفلسطينيين من محنتهم، وتخرجهم من ازماتهم وتدفع عنهم خطر شبح الحرب الاهلية: انها الانتخابات التشريعية، التي ستجدد شرعية النظام السياسي الفلسطيني وتسمح بمشاركة حركة حماس وغيرها من الفصائل في النظام العتيد.
ومن دون تفاصيل صارت في متناول الجميع، اثر الانتخابات التشريعية التي جرت مطلع عام 2006 وما اسفرت عنه من انقلاب وصف بالزلزال، إذ قيض لاول حركة اسلامية في العالم العربي الوصول الى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع استفاق الداعون للانتخابات التي جرت بنزاهة وشفافية مشهودة على حقيقتين:
الاولى: ان هذه الانتخابات لم تحمل أي حلول لاي من الازمات التي عاشتها الساحة الفلسطينية، بل فاقمتها اضعافاً مضاعفة عما كانت عليه قبل الانتخابات.
والثانية: ان الانتخابات بدل ان تدفع بعيداً شبح الحرب الاهلية والاقتتال، اصبح هذا الخطر داهماً، وبدل ان تحسم امر تعدد السلطات والقرار وسيادة القانون، انشطر النظام السياسي الى جسمين وراسين: رئاسة لحركة quot;فتحquot;، وحكومة واغلبية في المجلس التشريعي لحركة quot;حماسquot;.
وتبين ومنذ الساعات الاولى للمشاورات التي بدأتها حركة quot;حماسquot; لتشكيل حكومتها (الحكومة العاشرة) ان هذه الحركة غريبة عن تقاليد ثقافة المشاركة، وان شهوتها للتفرد بالسلطة لا تقل عن حركة فتح، إذ فشلت في ضم أي فصيل او كتلة برلمانية للحكومة بما فيها الجبهة الشعبية التي تتقاطع معها في رؤيتها ومواقفها السياسية.
والحصيلة، ان quot;حماسquot; شكلت حكومتها منفردة، ووجدت نفسها مرغمة على تقديم اجاباتها، على قضايا بدءاً من تأمين لقمة العيش وتوفير فرص العمل، وليس انتهاءً برؤيتها للتسوية السياسية والهدنة.
وبسرعة قياسية، ارتطمت جميع مقولات هذه الحركة بالوقائع الصلدة، وسقطت رهاناتها على العمقين العربي والاسلامي الذي استقبل فوزها بكثير من الريبة والفتور، واتضح لها ان ادارة حياة شعب اصعب بكثير من ادارة جمعية خيرية، وان اقتصاد سلطة (دولة) لا يدار بقوانين الصدقات ولجان الزكاة في ظل حصار خانق فرض على السلطة في اليوم التالي لتشكيل حكومة حماس، والعلاقات السياسية اشد تعقيداً وتشابكاً من اخضاعها لشعارات سطحية تقسم العالم الى فسطاطي الممانعة، والاستسلام، وقبل هذا وذاك تداعت اوهامها عن قدرتها على الحكم منفردة، خاصة وان مؤسسة الرئاسة ومؤسسات السلطة المدنية والامنية بقيت في يد حركة quot;فتحquot; ما ادى الى انشطار النظام السياسي، او بحسب التعبير الذي شاع انذاك اصبح برأسين، وانفتحت الحالة الفلسطينية على احتمال الاحتراب والصدام الاهلي.
هذا المأزق ازداد عمقا: حركة quot;حماسquot; تمسكت، عبر منطق شكلي بنتائج الانتخابات، واعتبرت هذه النتائج تفويض وشيكاً على بياض يمنحها حقوقا تتجاوز من خلاله النظام الاساسي، وحقائق الواقع، واعطت الاولوية لمنطق القوة وليس الحوار السياسي، وايجاد الصيغة السياسية لتعايش سلمي. وانجرت الرئاسة وquot;فتحquot; الى هذا المنطق، والمحاولة اليتيمة التي بذلها عباس لخرق الدائرة المغلقة كانت اقتراح انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، من أجل إعادة تحكيم الرأي العام الفلسطيني. لكن مخاطر تنفيذ الاقتراح ادت الى التراجع عنه .
وسط هذه المخاوف تقدم قادة الحركة الاسيرة في سجون الاحتلال بوثيقة للخروج من ازمة الحكم والنظام السياسي، قبلها الرئيس محمود عباس وراوغت حركة quot;حماسquot; وتنصلت من موافقة قادتها في السجون عليها. هدد عباس باللجوء الى استفتاء شعبي على الوثيقة التي حازت على ثقة معظم الاوساط السياسية الرسمية والشعبية الفلسطينية ما اضطر حماس الى قبولها في نهاية المطاف.
فتحت الوثيقة اياها كوة في جدار التنابذ بين مؤسستي الرئاسة والحكومة وquot;فتحquot; وquot;حماسquot;، وصار بالامكان التقدم خطوة نحو حكومة وحدة او شراكة بين الحركتين، وترسيخ برنامج سياسي مشترك.
وتبدت أهمية هذه الوثيقة بأنها قد تؤسس قاعدة لرؤية متقاربة يتواضع عليها الجميع: quot;فتحquot; وquot;حماسquot; والمستقلين وبقية الفصائل الفلسطينية، حيث اظهر استفراد حركة quot;حماسquot; في الحكومة لمدة تسعة اشهر أنه ليس بإمكانها تحدي الوضع المحلي والإقليمي والدولي، وان وتركب شعارات المقاومة على كتف السلطة الفلسطينية التي هي حصيلة توافقات وظروف لا يمكن تفكيكها لفظياً عن جذر أوسلو والتسوية التي أنتجتها. كما اظهر في الوقت نفسه أنه ليس بإمكانها إعادة عقارب الساعة للوراء، وأن واقع وجود quot;حماسquot; في السلطة الفلسطينية صار حقيقة من حقائق الوضع الفلسطيني.
ومع ذلك لم تعصم هذه الوثيقة والتوافق عليها الحالة الفلسطينية من خطر الانزلاق نحو الاقتتال والمقامرة بالسلم الاهلي، اذ اندلع سجال وتقاذف الجانبين بالتهم والشروط لتطبيق هذه الوثيقة.
في هذه الغضون، تصاعدت حدة الاشتباكات وارتفع منسوب العنف المتبادل، وتلبدت سماء الاراضي الفلسطينية وبخاصة في قطاع غزة بغيوم تنذر بقدوم المعركة الحاسمة بين حركة فتح والسلطة واجهزتها من جهة والحكومة ومعها حركة quot;حماسquot; ومليشياتها من جهة اخرى، واستنفدت عناصر الدفع الداخلي للجم الاندفاع نحو الاسوأ. وهو ما دفع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمبادرة لاستضافة قادة الحركتين ورعاية الحوار بينهما منعاً للمزيد من التدهور، ولعصمة الدم الفلسطيني الذي سقطت حرمته.
اسفر الحوار القصير بظلال الكعبة المشرفة بين قادة الحركتين الى اتفاق دعي باتفاق مكة تضمن:
أولاً: التأكيد على تحريم الدم الفلسطيني واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات التي تحول دون ذلك، مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني والتصدي للاحتلال، وتحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، واعتماد لغة الحوار كأساس وحيد لحل الخلافات السياسية في الساحة الفلسطينية.
ثانياً: الاتفاق وبصورة نهائية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتكريسها.
ثالثاً: المضي قدماً في إجراءات تطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتسريع عمل اللجنة التحضيرية استناداً لتفاهمات القاهرة ودمشق.
رابعاً: تأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها في السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى قاعدة التعددية السياسية وفق إتفاق معتمد بين الطرفين.
رغم ان ناس فلسطين تنفسوا الصعداء اثر اعلان التوصل لهذا الاتفاق، الا ان هنات ليست هينات اعترته، كانت تنبأ بامكانية انهياره، فاضافة الى انه اتفاق محاصصة بين الحركتين على كعكة السلطة، فقد اقصى الاطراف الفلسطينية الاخرى، كما انه لم يتصد الى جذور الازمة بما هي صدام بين برنامجين، ورؤيتين.
فلم يمض وقت قصير، حتى عادت الشكوك تتلبد في النفوس، والمخاوف تتراكم في الصدور، جرّاء ما انهمر من تصريحات وتأويلات وادعاءات يقودها البعض في هذا الفريق ضد البعض في الفريق الآخر ، وذلك كله قبل أن يشرع المتفقون في تناول التفاصيل المعقدة لعملية تنفيذ الاتفاق على الأرض.
وعليه، فقد بدا اتفاق مكة كاتفاق اضطراري، وليس خلاصة لعملية توافقية ونتيجة حوارات منهجية استلهمت الضرورات الموضوعية اللازمة لإقامة تحالف جبهوي مرتكز على برنامج الحد الأدنى المشترك بين رؤيتين ومنهجين رأى أصحابهما، استحالة إقصاء طرف، أو الانفراد بقيادة المرحلة.
ولم يكن بخاف على كل عارف باحوال الساحة الفلسطينية، وما يحيط بها ان هناك من يترصد هذا الاتفاق ويعمل على افشاله، بدءاً من تجار السلاح والموت، وليس انتهاء بالجماعات والعائلات وعصابات الإجرام ومقاولي الأنفاق الذين ليس لهم مصلحة في تطبيق مثل هذا الاتفاق.
الى ما سلف نضيف ان الاتفاق المذكور، فشل بفك الحصار الاقتصادي والمالي وإنهاء العزلة السياسية عن الشعب الفلسطيني. فلم يغير أي من الاطراف التي فرضت الحصار مواقفه، ولا من شروطه، بل ان الحصار بعد الاتفاق صار عميماً وشمل لاحقاً حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت عقب الاتفاق العتيد.
لقد تعثر تطبيق اتفاق مكة، وسرعان ما تبين مدى هشاشته، وتواضع قدرته على حل اي من المعضلات التي نشأت عن فوز quot;حماسquot;، ناهيك أن يعصم الساحة الفلسطينية من الاندفاع نحو هاوية الاقتتال الاهلي. ولم يشفع لطرفي الاتفاق تقاسمهما لكعكة السلطة، حيث غدا تقسيم العمل بين رئاستي السلطة والحكومة أشبه بمهمّة مستحيلة، فيما تحوّل كل توزيع للمناصب مناسبةً للانفجار كما حصل بالنسبة لحقيبة وزارة الداخلية وتوزيع الاجهزة الامنية التي كانت الذريعة التي اختفت ورائها حماس لتنفيذ انقلابها والسيطرة على قطاع غزة بالقوة.
ومع تهاوي quot;اتفاق مكةquot; احتدمت المواجهات، وازداد الخطاب الإعلامي المرافق ضراوة، وشاعت لغة التكفير التخوينية، وتعالت صرخات الاستئصال ودعوات خوض معركة الخلاص ألاخيرة، لاجتثاث عدو داخلي، قُدح فيه من الصفات وأسقطت عليه من النعوت ما لم يسقطه المسلمون الأوائل على أصنام الكعبة، وبدا المقنعون الذين يذرعون شوارع غزة أشد استجابة لاستخدام مدفعية يوم القيامة، وقطف الرؤوس اليانعة، ما دام يقف على الجانب الاخر من الخندق الزنادقة العلمانين وما شاكلهم من الكفرة والخونة على ما اسماهم عضو المجلس التشريعي والقيادي في quot;حماسquot; نزار ريان.
إن ما جرى في قطاع غزة من انقلاب دموي نفذته مليشيات حماس استولت بنتيجته على القطاع وفرضت سيطرتها على قاطنيه بسرعة قياسية، قلب الوضع الفلسطيني رأساً على عقب، ووضعه قبالة خيارات لم تراود اي من الفلسطينيين حتى في اسوأ كوابيسهم . فلاول مرة في تاريخ الشعب والحركة الوطنية الفلسطينية، تم تجاوز ما كان يسمى حرمة الدم الفلسطيني باعتباره خطاً احمر، وتحول الاقتتال الداخلي والحرب الاهلية من خطر داهم الى واقع قائم. ولاول مرة كذلك يحسم خلاف سياسي بقوة السلاح فتحتل المقرات، وتداس الصور، وتنتهك حرمات المنازل، بما فيها منزل الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتسرق ملابسه، وتنهب متعلقاته وتباع في اسواق غزة، ويساق الخصوم من العاملين في اجهزة السلطة ومن منتسبي وكوادر حركة فتح عراة حاسري الرأس، ويسحلون في الشوارع ويلقى بهم من الطوابق العليا، وتتكفل فضائية الاقصى التابعة لحركة quot;حماسquot; بالبث المباشر بالصوت والصورة لصور القتلى من فسطاط الكفر، وتتعالى اهازيج النصر.. ذلك النصر الذي تبارى الناطقين باسم حماس في توصيفه مرة بفتح مكة، واخرى بالتحرير الثاني بعد ان اكتشفت الحركة الاسلامية في حركة فتح عدواً قريباً قتاله صار فرض عين.
لقد اسقط انقلاب quot;حماسquot; في غزة سائر ألاسماء والمسميات المستعارة للصراع، وظهر بكامل هيأته كصراع للاستئثار بالسلطة اولاً، ولاحقاً على منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت احد عناوين الخلاف الاساسية، أي الاستيلاء على القرار الفلسطيني بقوة الانقلاب بعدما تعذر بلوغ هذه الغاية من خلال الاتفاق المغدور.
والنتيجة دون تزويق، او التماس اعذار، واجهاد النفس في البحث عن جذور واسباب ما آل اليه حال فلسطين، هي ان انقلاب quot;حماسquot; افضى إلى سلسلة من الحقائق التي ترى بالعين المجردة، حيث يقف في مقدمتها، واقع فصل مصير الضفة عن مصير القطاع، والاستئثار بسلطة بلا سلطة، وتماهي هذا الهدف مع مخطط إسرائيلي معلن، عبر عنه بفصاحة رئيس الدولة العبرية شمعون بيريس الذي اعتبر ما جري في غزة واحداً من اهم ثلاثة تطورات شهدتها المنطقة منذ عام 1967، مضيفاً: انه محظور منذ الان عودة لحمة غزة والضفة.لان هذا الانقسام اوجد مآل يذهب فيه القطاع، بعيداً عن مآل الضفة الغربية المفتوحة، على مزيد من الاستيطان والتهويد والكنتونات.
الرئيس عباس الذي ظل لفترة يقف على مسافة من القتال والمتقاتلين في شوارع غزة اضطر صبيحة يوم الرابع عشر من حزيران (يونيو) حين اعلنت مليشيات quot;حماسquot; انجاز quot;التحرير الثانيquot; للقطاع، الى مغادرة موقع الحياد، حيث اقال حكومة الوحدة الوطنية برئاسة اسماعيل هنية، وشكل حكومة جديدة برئاسة وزير المالية الدكتور سلام فياض ومعه 13 وزيراً كلهم من خارج فتح والفصائل الفلسطينية. وبذلك اصبح لدى الفلسطينيين حكومتان: حكومة حماس في غزة التي قبلت الاقالة باعتباره اجراء دستورياً، لكنها نصبت نفسها كحكومة تسيير اعمال، وحكومة الضفة الغربية برئاسة فياض التي شكلت كحكومة طواريء، ومن ثم وبعد شهر تحولت هي الاخرى الى حكومة تسيير اعمال، لانها لم تمثل امام المجلس التشريعي الذي تعطل بفعل فقدانه النصاب من خلال تكتيك المقاطعة الذي لجأت له بالتناوب كتلتي quot;حماسquot; وquot;فتحquot;، من جهة واعتقال اسرائيل اكثر من 40 نائباً من حماس، ناهيك عن انصراف بعض النواب لقيادة المعارك، وتشكيل المحاكم الميدانية واصدار احكام الاعدام كما فعل عدد من نواب حماس في غزة.
والحصيلة المتحصلة من انقلاب quot;حماسquot; ومآلاته المفجعة على الوضع الفلسطيني برمته، وبخاصة في قطاع غزة باعثة على اليأس والقلق والتحسب، وتنذر بما هو أسوأ. وتتكفل قائمة الإخفاقات التي تراصفت جنباً إلى جنب على مدى الاشهر الستة الماضية منذ ان سيطرت quot;حماسquot; على القطاع بتسليط بعض الضوء على وضع القطاع الحزين، بدءاً من فرض الأمن بقوة القهر والاستبداد والاعتقالات الكيفية بالمئات. ومصادرة الحريات العامة والخاصة، ومنع الاعراس واعتقال الكتاب والصحافيين، ومنع الصلاة في الساحات العامة، وتحريم التجمعات وحق التظاهر، والانقضاض على المجتمع الاهلي ومؤسساته.
وقد ترافقت هذه الاخفاقات مع تشديد قبضة الحصار المالي والاقتصادي على القطاع واغلاق المعابر، حيث ارتفعت نسبة البطالة في القطاع الى اكثر من 50% بحسب مصادر مستقلة، وانخفضت نسبة الخدمات الصحية واجتماعية الى نسبة مماثلة، وبات نحو 80% من العائلات يعتمدون على المساعدات التي تقدنها وكالة الغوث وغيرها من مؤسسات انسانية، ومعدل الفقر تضاعف، وانخفضت نسبة الدخل بشكل مريع مقابل ارتفاع كبير في مستوى الاسعار بسبب الاغلاق وتدني تدفق السلع ما ادى الى فقدان بعضها كالحليب والاسمنت، وسائر مواد البناء. كما تراجعت علاقات quot;حماسquot; وحكومتها مع باقي الفصائل الفلسطينية ولجأت الى السلاح لحل خلافاتها معها ومع غيرها من مكونات المجتمع الفلسطيني هناك.
اما المقاومة، فليس بخاف على احد ان حركة quot;حماسquot; توقفت فعلياً عن ممارستها، والاذرع العسكرية التابعة لها لم تطلق سوى ثلاثة صواريخ باتجاه البلدات الاسرائيلية منذ ان استولت على قطاع غزة، اي انها تمارس فعلياً هدنة من جانب واحد، وتحاول اقناع الفصائل الاخرى باقتفاء اثرها من اجل ترسيخ سلطتها على القطاع المنكوب. فشروط quot;حماسquot; للهدنة تراجعت، وهبطت بسقف شروطها الى هدنة تقتصرعلى غزة فقط، بعد ان تشققت شفاه الناطقين باسمها وهم يكيلون شتى التهم عندما طرح هذا الموضوع قبل انفراط عقد حكومة الوحدة الوطنية، بل انها نفذت انقلابها تحت راية مواجهة خطة وحلف دايتون ـ دحلان للقضاء على المقاومة.
اكثر من ذلك، طرح احمد يوسف المستشار السياسي لاسماعيل هنية وثيقته الشهيرة التي تعفي اسرائيل من اي استحقاقات، وتقايض هدنة تمتد عشرات السنوات دون مفاوضات، اي دون حل لقضية اللاجئين والقدس والحدود والاستيطان وغيرها من قضايا الحل النهائي. فالمهم ان تسمح اسرائيل لـquot;حماسquot; حكم امارة الخلافة في quot;غزة ستانquot;.
انقلاب quot;حماسquot; وما رافقه من صور للقتل وارتكاب شتى انواع الانتهاكات، وما تلاه من تشديد لحصار مروع اطاح بصورة الحركة كقوة ملهمة حققت فوزا ساحقاً في الانتخابات التشريعية قبل ذلك بعام ونصف. ولعل ما جرى في مناسبة الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس ياسر عرفات كان ما يشير الى تقهقر مواقع هذه الحركة وانحسار شعبيتها، فقد كان مهرجان احياء ذكرى عرفات أقرب للانتفاضة الشعبية الشاملة ضد quot;حماسquot;، ومليشياتها وشموليتها واستبدادها.
والراهن بعد ستة اشهر من حكم quot;حماسquot; للقطاع، فوضى سياسية وإدارية وانهيار اقتصادي. وشعب يتخبط بدمه وحصاره، وسد معابره وتدمير مقومات وجوده. حماس وقعت في قطاع غزة تحت وطأة العزلة والحصار، وحرب الاستنزاف والاغتيالات، وتجربة حكمها انتهت الى طريق مسدود، والسلطة في الضفة الغربية هي الاخرى.
رغم انعقاد اجتماع انابولس لضخ الدم في عروق عملية السلام ودعم الرئيس عباس وقوى الاعتدال الفلسطيني، ومن بعده مؤتمر باريس للدول المانحة الذي ضخ بدوره اكثر من سبعة مليارات دولار لابقاء السلطة على قيد الحياة، ومع ذلك، فإن الوقائع التي تلت تشير ان هذا الدعم السياسي والمالي لم يحرر السلطة من وضعية الرهينة لدفتر شروط خارطة الطريق ومحاربة الارهاب، ناهيك عن استمرار الاستيطان، وتواضع نتائج إجراءات بناء الثقة، فيما ما زال اكثر من 10 الاف اسير يرزحون في السجون، والامال باغلاق ملفهم يتضاءل، والحواجز التي تحيل الاراضي الفلسطينية الى معازل وحياة الناس الى جحيم بدل ان ترفع، اضيف عليها أكثر من أربعين حاجزا، اما عمليات الاجتياح والاغتيال في طول الاراضي الفلسطينية وعرضها.
على هذا الوجه، فإن الوقائع التي تراكمت في طرقات وشوارع عام 2007 فلسطينياً افضت الى ازمة طاحنة سقطت معها جميع الادعاءات، فلا القائلون بالمقاومة نهجاً قادراً على حمل اسرائيل والعالم للاذعان اثبت جدارته، ولا منطق اولئك القائلين بالمفاوضات طريقاً لبلوغ الحقوق الفلسطينية اثبت نجاعته، والنتيجة ان طريقي السلطة وquot;حماسquot; مغلقان، ومازال طريق الحوار بينهما مسدوداً، فيما ما زالت ارض فلسطين وشعبها مفتوحة على مزيد من الانقسام والتشظي، وربما اندثار قضيتهم وضياع اكثر من اربعة عقود من النضال والكفاح في سبيل حقوقهم التي يتهددها اليوم خطر التبديد.