تغريد إبراهيم الطاسان

في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم الرقمي، لم يعد الابتكار خيارًا تجميليًا تضيفه المؤسسات إلى واجهتها، بل أصبح ركيزة أساسية لتحسين جودة الحياة ورفع كفاءة الخدمات. ومن هذا المنطلق، برز هاكثون أبشر كنموذج وطني يعكس فهمًا ناضجًا لمعنى التحول الرقمي، لا بوصفه تقنية بحتة، بل ممارسة إنسانية تبدأ من احتياج المستفيد وتنتهي عند رضاه.

هاكثون أبشر ليس فعالية تقنية عابرة، ولا مجرد تجمع للمبرمجين والمصممين، بل مساحة تفاعلية تلتقي فيها العقول الشابة مع الواقع العملي للخدمات الحكومية. هو منصة تفتح باب المشاركة، وتدعو إلى إعادة النظر في تجربة المستخدم، انطلاقًا من تساؤل جوهري: كيف يمكن أن تكون الخدمات الرقمية أكثر سلاسة، وأقرب لاحتياجات الناس اليومية؟

اللافت في هذا الهاكثون أنه يتجاوز منطق «ابتكار الحل» إلى «ابتكار التجربة». فالتحدي الحقيقي لم يعد في إطلاق خدمة جديدة، بقدر ما هو في تحسين الرحلة الكاملة للمستفيد، من أول تفاعل حتى إتمام الخدمة. هذا التحول في زاوية النظر يعكس وعيًا متقدمًا بأهمية التفاصيل، ويؤكد أن جودة التجربة هي المعيار الحقيقي لنجاح أي منصة رقمية.

كما يحمل هاكثون أبشر بعدًا وطنيًا مهمًا يتمثل في تمكين الشباب، ومنحهم الثقة للمشاركة في تطوير منظومة حكومية مؤثرة. هذا النهج لا يعزز فقط روح الانتماء والمسؤولية، بل يرسخ مفهوم الشراكة بين الجهات الحكومية والمجتمع التقني، ويؤكد أن الحلول الأكثر واقعية غالبًا ما تأتي من الميدان، ومن التجربة المباشرة، لا من التصورات النظرية.

وفي سياق رؤية السعودية 2030، يأتي هذا النوع من المبادرات ليؤكد أن التحول الرقمي لا يُقاس بعدد المنصات أو التطبيقات، بل بمدى انعكاسه على حياة الأفراد. فحين تصبح الخدمة أوضح، وأسرع، وأسهل استخدامًا، فإننا أمام تحول حقيقي يلامس جودة الحياة، ويعزز الثقة في المنظومة الرقمية الوطنية.

من زاوية أخرى، بعث هاكثون أبشر رسالة واضحة مفادها أن التقنية حين تُدار بعقلية تشاركية، تصبح أداة إصلاح وتطوير، لا مجرد وسيلة أتمتة. فالإصغاء للمستخدم، وتحليل التحديات، وإشراك أصحاب الخبرة والأفكار، كلها عناصر تصنع الفارق بين خدمة تُستخدم اضطرارًا، وخدمة تُستخدم بثقة ورضا.

في المحصلة، يمكن النظر إلى هاكثون أبشر بوصفه نموذجًا عمليًا لكيف يمكن للابتكار أن يكون قريبًا من الناس، وللتقنية أن تكون أكثر إنسانية. هو تأكيد على أن التطوير المستدام لا يبدأ من المنصات، بل من الفهم العميق لاحتياج الإنسان، ومن الإيمان بأن المستقبل يُبنى حين نُحسن الاستماع... ثم نُحسن العمل.