آرنود دي بورتشغريف- واشنطن تايمز
تعتبر الباكستان واحدة من قوى العالم النووية الخمس، والأولى التي يمكن تصنيفها على أنها دولة فاشلة. لم تفشل تماماً بعد، ولكنها على الطريق إلى ذلك، بينما تقف قوى العالم الرئيسية بلا حول أمام تصحيح مسار هذا الهبوط اللولبي.
ثمة بعض الآملين في الرئاسة الأميركية -الحاكم بيل ريتشاردسون مثلاً- يدعون الرئيس برويز مشرف للاستقالة. وعند هذا المنعطف، فإن مثل هذه الاستقالة ربما تكون الضمانة لحدوث صراع أهلي واسع النطاق -وبالتالي دولة نووية فاشلة. السيد مشرف الذي تقاعد مؤخراً من قيادة الجيش في صفقة مشاركة مع بنازير بوتو توسطت في إبرامها الولايات المتحدة، قام بتعيين نائبه في قيادة الجيش، الجنرال برويز كاياني، وهو رئيس سابق للاستخبارات، ليكون خليفته. ويبقى الجيش هو الحاجز الوحيد أمام اندلاع فوضى عارمة. كما أنه يشكل الحامي والحارس لترسانة الباكستان النووية (تقدر الترسانة بحوالي 60 قطعة كل منها قادرة على تدمير مدينة).
ثمة القليل من الشك في أن تكون القاعدة وطالبان هما اللتان أمرتا بتصفية بنازير بوتو. لقد رأيا فيها وفي خططها أكبر تهديد لملاذاتهما الآمنة في المناطق القبلية التي تدار فيدرالياً، والتي تمتد على طول الحدود الباكستانية-الأفغانية. وطوال السنة الماضية، قامت قوات عصابات طالبان في ثلاث من الإدارات الفيدرالية السبع -وزيرستان الشمالية والجنوبية وبيوار- بمقاتلة الجيش الباكستاني حتى تم التوصل إلى هدنة. وقد تم أسر المئات بلا قتال، وأطلق سراحهم مع تعهد بأن يتوقفوا عن الاستمرار في قتل مقاتلي طالبان.
كانت السيدة بوتو قد أخبرتني شخصياً قبل أسبوعين من طيرانها إلى الوطن في الثامن عشر من تشرين الأول عن خططها لطرد طالبان والقاعدة إلى خارج المناطق القبلية الباكستانية المذكورة. لقد أرادت أن تفتح تلك المناطق على الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد حتى تتنافس مع تحالف من ست أحزاب دينية-سياسية، معروفة باسم quot;مجالس الأمل المتحدةquot; MMA، وهي الوحيدة التي يسمح لها الآن بخوض حملات انتخابية هناك. وكان الهدف إبعاد رجال قبائل الباشتون عن هذا التحالف، وعن سيطرة طالبان والقاعدة. وكان ينبغي لذلك أن يتم بالارتباط مع مبلغ يقارب 750 مليون دولار أميركي من المساعدات الأميركية التي تم إقرارها من أجل إجراء تحسينات أساسية على القرى التي لم تتغير كثيراً من عصر quot;السقائينquot; الذين وردوا في قصيدة رديارد كيبلنغ Rudyard Kipling المعروفة quot;دونغا دنquot; Dunga Din.
كان ما يزال من غير الواضح في ذهن السيدة بوتو كيف تبقي على مقاتلي طالبان بعيدين بينما الاعتدال يمارس سحره. كانت مقاطعتا الباكستان على الحدود الأفغانية -بلوشستان ومقاطعة الحدود الشمالية الغربية- ما تزالان خاضعتين لتحالف الأمل المتعاطف مع طالبان.
القاعدة وطالبان ومؤيدوهم السريون من بين المتقاعدين القدامى من الاستخبارات الباكستانية الذين كانوا قد دعموهما خلال عقد التسعينيات، يبدون بوضوح وأنهم أكبر الكاسبين من مقتل السيدة بوتو. ففي تصريح حديث، قال أيمن الظواهري، الرجل الثاني في القاعدة بعد أسامة بن لادن، إن عودة السيدة بوتو كانت مناورة تديرها الولايات المتحدة. وقال الظواهري: quot;إن كل شيء يجري في الباكستان، بدءاً من الترتيبات لعودة بوتو وحتى إعلان حالة الطوارئ... إلى الإجراءات القمعية، إنما هي محاولة أميركية يائسة لإصلاح الوضع المتدهور في أفغانستان والباكستانquot;. وقبل وقت قصير من عودة السيدة بوتو من المنفي في الثامن عشر من تشرين الأول، تعهد قائد طالبان الحجي عمر بأنها سوف تقابل بالانتحاريين. وقد أفضى الهجوم الانتحاري الأول الذي شن بعد ساعات من عودتها يوم الثامن عشر من تشرين الأول إلى مقتل 141 شخصاً وجرح 350 آخرين، ونجت السيدة بوتو خلف بضع إنشات من المعدن في سيارتها.
أما بيت الله محسود، وهو أمير حرب في وزيرستان الشمالية، فقد أخبر صحيفة باكستانية بأن مفجرين انتحاريين قد تم تعيينهم وتكليفهم بمهمة تصفية السيدة بوتو، لكنه أنكر فيما بعد أنه قال أياً من ذلك. وقيل أن حوالي 500 مفجر انتحاري قد تم تدريبهم في الشهور القليلة الأخيرة.
كانت السيدة بوتو قد حدثتني أيضاً، ولم يكن ذلك لغايات النشر، عن طالبان في أفغانستان، والذي اعتبرته وضعاً لا فائز فيه بالنسبة للولايات المتحدة وحلف الناتو، إلا في حال تم استئصال شأفة القاعدة وطالبان من المناطق القبلية الحدودية الباكستانية. ولم تكن بوتو تحب فكرة السماح للقوات الأميركية الخاصة بعبور الحدود غير المعلمة إلى داخل باكستان. وقالت، وإن كان ذلك يظل ليس للنشر بدوره: quot;لكننا ربما لا نجد بديلاً آخرquot;.
ثمة القليل من الشك في أن جنرالات المخابرات الداخلية الباكستانية المتقاعدين الذين لا يزالون يحظون بأتباع في وكالة التجسس قد اعتبروا السيدة بوتو عدوتهم الرئيسة، فقد كانوا يعارضون أجندتها الليبرالية العلمانية. وفي رسالة أرسلتها إلى السيد مشرف بعد وقت قصير من عودتها في الثامن عشر من تشرين الأول، اشتكت السيدة بوتو من إيجاز شاه، وهو عدو شخصي يحتل منصب مدير مكتب الاستخبارات، وهو صديق شخصي للرئيس. كما ذكرت أيضاً اسمين لشخصين يحتلان مناصب رفيعة في وكالات أخرى كانا يسعيان لإلحاق الأذى بها.
أما حلفاء quot;الناتوquot; الذي التزموا بإرسال قوات مقاتلة إلى موقع العمليات في أفغانستان -بريطانيا وكندا وهولندا- فقد فقدوا حماسهم الأول للانخراط في عمليات صنع سلام. وبعيداً عن الاشتباكات المسلحة والخسائر، فإن الكلف تتصاعد أيضاً، بينما يتضاءل الدعم المحلي في أوتاوا ولندن ولاهاي. وثمة أيضاً ذلك الاعتقاد بأن كل شيء سيكون بلا جدوى إلا إذا تم تركيع طالبان في الجانب الباكستاني من الحدود.
كلما طال أمد الحملة في أفغانستان، زاد حجم محاصيل الأفيون كما يبدو؛ ففي السنة الماضية، تم إنتاج ما يقادر بثمانية آلاف طن. ويشكل الأفيون الآن ثلثي إجمالي الناتج المحلي الأفغاني. كما أن الحملة تعمل أيضاً على تسهيل استشراء الفساد في كل دائرة حكومية حتى القمة تقريباً، وتزود طالبان بالأموال لشراء الأسلحة الحديثة، وتزود أجهزة الأمن الباكستانية بالأموال لتمويل العمليات من خارج الميزانية. وكانت هذه الأجهزة قد خصصت 1500 عميل لطالبان في حملتها لغزو أفغانستان في أواسط التسعينيات.
ربما تكون إدارة بوش الآن تحس بالإنهاك والتعب من الصراع الأفغاني الذي لا نهاية له. وفي الأسبوع الماضي، اعترفت الولايات المتحدة بالاتصالات السرية التي أجراها بعض حلفائها مع طالبان عندما قال ويليام وود، السفير الأميركي في كابول، إن الدبلوماسيين اللذين تم إبعادهما من الاتحاد الأوروبي كانا يتصرفان quot;بمنتهى صفاء الطوية والنواياquot;. وقال أيضاً إن الولايات المتحدة ربما تدعم برنامجاً للمصالحة مع quot;أولئك العناصر من طالبان المستعدين للقبول بالدستور وبسلطة الحكومة المنتخبة للرئيس حامد كرزايquot;. وهو ما يشبه ظلال مجسات السلام الأبكر في فيتنام بعد اعتداء quot;تيتquot; عام 1968.
في الباكستان، تظل الشخصية الوطنية السياسية الأخرى التي تدافع عن الديمقراطية هي نواز شريف، خصم السيدة بنازير بوتو، ورئيس الرابطة الإسلامية الذي عاد مؤخراً من المنفى الذي كان السيد مشرف قد أرسله إليه عام 1999. لكن السيد شريف ليس بنازير بوتو. فعلى الرغم من الإنكار الشديد، ثمة ناشط في القاعدة والموجود الآن في السجن في الولايات المتحدة، والذي قال إنه عرف أن السيد شريف كان قد حصل على مبلغ مليون دولار من أسامة بن لادن مقابل الإبقاء على قوة القانون الباكستاني والجيش خارج المناطق القبلية الحدودية، وهو ما ينكره السيد شريف بالطبع.
سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن الولايات المتحدة قد أصبحت عالقة الآن مع مشرف مرة أخرى. وسواء تم إجراء الانتخابات المقررة في الثامن من الجاري أم تم تأجيلها، فإن ذلك لا يشكل الكثير من الفرق. ذلك أن جهاز الاستخبارات المحلية سوف يقوم بترتيبها، كما كان شأنه في كل الاقتراعات منذ أمسك السيد مشرف بزمام السلطة في عام 1999. أما هوامش الربح والخسارة، فيجري احتسابها بعناية حتى أصغر نسبة مئوية.
بالنسبة للغالبية العظمى من الباكستانيين البالغ عددهم 160 مليوناً، يظل للديمقراطية معنى صغيرا، فثمة 60% منهم من الأميين غير المتعلمين. وقد كانت أقل فترات الباكستان اضطراباً خلال الستين سنة التي شكلت عمر وجودها هي الانقلابات العسكرية، والتي حكمت الدكتاتوريات العسكرية التي قامت بها لأكثر من ثلاثين سنة.
التعليقات