أبو خلدون

فرانسيس فوكوياما، صاحب أطروحة ldquo;نهاية التاريخ وآخر رجلrdquo; كان من غلاة المحافظين الجدد، ولكنه انفصل عنهم بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي يرى أنه مقامرة تنطوي على مخاطر غير مقبولة، ويذكر في كتاب صدر له مؤخرا بعنوان ldquo;أمريكا على مفترق الطرقrdquo; أنه فوجئ في ندوة أقامها المحافظون الجدد في فبراير 2004 بالمحاضرين يتحدثون عن ldquo;النجاح المذهل الذي حققته الجهود الأمريكية في العراقrdquo;، وأن كل الحضور يصفقون لذلك، ويتساءل: ldquo;أين هو النجاح الذي يتحدث عنه هؤلاء، ولماذا يصفق الناس لأكاذيبهم؟rdquo;.

وفي الكتاب، يقدم فوكوياما عرضا لتاريخ حركة المحافظين الجدد منذ نشوئها في الجامعات الأمريكية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي كحركة مناهضة للشيوعية بشكل أساسي، على يد بعض الفلاسفة أمثال ليو شتراوس وألان بلوم وألبرت هولتيتر، ثم في جامعة شيكاجو، حيث وضعت مجموعة من المبادئ من بينها: إن الأنظمة الديمقراطية، بحكم طبيعتها، صديقة للولايات المتحدة، ولذلك ينبغي على الحكومة الأمريكية السعي لنشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في كل مكان في العالم، وفي هذا المجال يمكن استخدام القوة العسكرية، في حالات محدودة، لتحقيق أهداف أخلاقية. ولم يكن المحافظون الجدد يولون كثير اعتبار للقانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها، فقد كانوا يرون أن هذه المؤسسات عاجزة عن إحداث التغيير المطلوب في العالم، ولذلك تورطوا في دعم حركات لا تحظى باحترام العالم، لمجرد أنها مناهضة للشيوعية في أنجولا في الستينات، وفي أمريكا اللاتينية في السبعينات، كما أغرقوا إدارة ريجان في وحول فضيحة إيران كونترا من أجل توفير المال اللازم لدعم هذه الحركات. ولكن المحافظين الجدد في إدارة بوش الابن تجاوزوا كل الخطوط الحمراء، فقد ضغطوا على إدارة بوش لغزو العراق وأفغانستان، وكان فوكوياما منذ البداية يعارض ذلك ويقول إنه سيغرق أمريكا في رمال متحركة شديدة الخطورة، ويجرها إلى مستنقع شبيه بالمستنقع الفيتنامي، وعندما فشل الغزو في تحقيق أهدافه بدأ المفكرون الأمريكيون يتابعون بذهول الألاعيب السياسية التي يلجأ إليها هؤلاء للتغطية على فشلهم، بل إنهم مارسوا عملهم بمراهقة سياسية غريبة، فكانوا يرفضون اتباع أي خط سياسي اتبعه كلينتون حتى لو كان صواباً، كما ارتكبوا حماقة سياسية غريبة بالإعلان أن الولايات المتحدة هي زعيمة العالم وينبغي احترام هذه الزعامة، ويقول فوكوياما في كتابه: ldquo;لقد حاولت البحث عن دوافع سياسية وراء تصرف هؤلاء فلم أجد، ولم يتبق أمامي إلا البحث عن دوافع سيكولوجية، فالواضح أن هؤلاء يعانون من أزمة سيكولوجية عميقةrdquo;. والمحافظون الجدد شهدوا انهيار الشيوعية التي يعتبر انهيارها ضربة حظ لأمريكا لا تزيد احتمالاتها على احتمالات الفوز في الجائزة الكبرى في سحب اليانصيب، فوقعوا ضحايا النجاح الأمريكي الذي تحقق، واستنتجوا أن انهيار الاتحاد السوفييتي يعكس حتمية تاريخية، وأن حركة التاريخ تسير لصالحهم، وهذا استنتاج غريب بالفعل.

وأمريكا الآن على مفترق طرق، ففي أي اتجاه ينبغي عليها السير؟ يقول فوكوياما إنه لا يعارض نشر الديمقراطية في العالم، ولكن ينبغي أن يتم ذلك بحذر شديد، وبالنسبة للحرب الأمريكية ضد الإرهاب يقول: quot;إن الحديث عن حرب عالمية رابعة أو عن حرب ضد الإرهاب ينبغي أن يتوقف، لأنه يُفسَّر بأنه حرب ضد الإسلام والمسلمين، وبعدها تسير في الاتجاه الذي تريدquot;.