حسن مدن

منذ عدة أعوام نشرت الصحف أن علماء إيطاليين توصلوا إلى اكتشاف علمي فحواه أن ذوي النفوس الكبيرة والأخلاق الحميدة يعيشون اقل من ذوي النفوس الوضيعة والفاسدين وسيئي الأخلاق. يومها كتبت جريدة عربية أن ما كان المتنبي قد قاله منذ ألف عام عن الموضوع تأكد عملياً وطبياً.

وrdquo;المتنبي بعد ألف عامrdquo; هو عنوان واحد من أكثر الكتب النقدية قيمة أدبية التي كتبت عن المتنبي، ووضعه إبراهيم العريض منذ نصف قرن وأكثر، ليرينا أن المتنبي الذي عاش ومات قبل أكثر من ألف عام يظل حياً، حاضراً، مشعاً.

ولنبقى عند حدود ما نحن بصدده، فالبيت الشهير للمتنبي: ldquo;وإذا كانت النفوس كباراً / تعبت في مرادها الأجسامrdquo;. وليس ثمة مفاجأة في الأمر، ليس فقط بسبب نبوغ المتنبي، لأنه حتى في نبوغه إنما كان يعبر عن حكمة أدركها الناس في زمنه أيضاً من أن أعمار الرائعين من الناس قصار، على خلاف ما كان الجواهري قد قاله في بيته الشهير: ldquo;باقٍ وأعمار الطغاة قصارrdquo;، وهو يرثي الزعيم الوطني اللبناني عبدالحميد كرامي، ويقال إن هذا المقطع من شعر الجواهري نقش على ضريح كرامي.

ما كان المتنبي قد قاله شعراً ثبت بالعلم، بالطب وبعلم النفس، لأن أعصاب وأعضاء الصالحين - على نحو ما يذهب الخبر - تتعب وتفقد توازنها السليم مع الوقت، بسبب الجهد الذي يبذله أصحابها في مراقبة الذات وما تأمر به النفس من سوء، والخلاصة هذه توصل لها أطباء يعملون في جامعة ايطالية، عكفوا على دراسة الأمر من مواقع التخصص المختلفة.

ونسب إلى أحد هؤلاء العلماء قوله إن الطيبين من الناس أكثر انعزالاً وكآبة وعرضة للأمراض، لذا فإنهم لا يعيشون في تناسق تام مع طبيعة وظائف الجسد البشري عموماً التي تميل بطبيعتها إلى ما يشعرها باللذة الحسية، فهم بحكم تكويناتهم الخاصة أميل إلى ما يشعرهم به التصرف الأخلاقي السليم من سعادة نفسية، لا تؤثر إيجاباً على عمل الأعضاء ووظائفها، وهو ما يحملها إلى وضع من التناقض في عملها.

وقد أحصى الباحثون شخصيات في التاريخ فارقت الحياة باكراً، وشخصيات أخرى فارقتها بعد عمر طويل فوجدوا أن الأخلاق الحميدة أو الوضيعة فاصل مهم بين من عاش منهم قليلاً أو طويلاً.