ليونيد ألكسندروفتش- جامعة سيبيريا

أثار استئناف التعاون العسكري بين روسيا وإيران في الأيام الماضية زوبعة من القلق والجدل على الساحتين العالمية والإقليمية، حيث جاء ذلك بعد أيام قليلة من الإعلان عن تقرير الاستخبارات الأميركية الذي برأ ساحة إيران مؤقتا من السعي لتصنيع السلاح النووي.

وما زاد من حدة الزوبعة ما أثير على لسان وزير الدفاع الإيراني مصطفى نجار من أن روسيا ستزود إيران بأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز laquo;إس 300raquo; مما أثار قلقا كبيرا في واشنطن والدوائر الغربية باعتبار أن هذه الأنظمة ممنوع على روسيا بيعها لأية دولة أجنبية بموجب اتفاقاها مع واشنطن،

ورغم نفي موسكو لما جاء على لسان وزير الدفاع الإيراني إلا أن الجدل والشك ما زال قائما في إطار عدم الثقة الذي توليه واشنطن لموسكو في مسألة بيع التقنيات العسكرية الحديثة للدول الأخرى، وذلك بعد واقعة صفقة صواريخ laquo;إسكندرraquo; السرية لسوريا والتي تراجعت عنها موسكو عام 2006 بعد أن اكتشفتها الاستخبارات الأميركية، وإن كانت موسكو مازالت تنكر وجود هذه الصفقة من أساسها.

السؤال حول استئناف التعاون العسكري بين روسيا وإيران يطرح قضية إستراتيجية هامة بالنسبة لروسيا، وهي ضعف الأمن القومي الروسي في منطقة القوقاز وبحر قزوين بسبب التدخلات الأميركية والأوروبية في بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وسعي حلف شمال الأطلسي لضم بعض هذه الجمهوريات لصفوفه

وخاصة جورجيا وأوكرانيا، كما أن العلاقات بين واشنطن وأذربيجان الواقعة على بحر قزوين بين روسيا وإيران تثير القلق والتوتر لدى كل من البلدين، وكانت أذربيجان قد استدعت وحدات رادار أميركية حديثة زرعتها على حدودها مع روسيا لتكشف الساحة الروسية بامتدادها من الشرق للغرب، ومازالت أذربيجان هدفا رئيسيا لواشنطن لتنفيذ مخططاتها في منطقة بحر قزوين،

وتستغل واشنطن في ذلك العلاقات المتردية بين باكو وطهران على امتداد عقد ونصف من الزمان مضى بسبب دعم إيران لأرمينيا في نزاعها مع أذربيجان حول منطقة laquo;ناجورنا كارباخraquo;، كما أن أذربيجان تقف ضد الموقف الإيراني من تقسيم ثروات بحر قزوين، حيث تتعامل طهران مع البحر على أنه بحيرة مغلقة لا تخضع للقانون الدولي البحري في حساب المياه الإقليمية والجرف القاري،

وبالتالي ترى طهران أن ثروات البحر يجب أن تقسم بين الدول الخمس الواقعة عليه بالتساوي، وهو ما ترفضه أذربيجان صاحبة الشاطئ الأكبر على بحر قزوين، وقد دعمت واشنطن موقف أذربيجان ودفعت بشركات النفط الأميركية للاستثمار في المناطق الواقعة قبالة المياه الإقليمية لأذربيجان، ومازال سؤال تقسيم ثروات البحر معلقا بين الدول الخمس لم يحسم بعد.

روسيا تبذل جهودا كبيرة من أجل الحيلولة دون تواجد قوات أجنبية في منطقة بحر قزوين، ويمكن القول انها نجحت في هذا المجال بشكل نسبي، فقد استطاع الرئيس الروسي بوتين إقناع الرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف بحضور القمة الطارئة لبحر قزوين التي انعقدت في طهران في أكتوبر الماضي،

وهي القمة التي صدر عنها بيان مشترك ينص على رفض الدول الخمس لأي وجود عسكري أجنبي في منطقة بحر قزوين، ولكن هذا لا يعني أن المشكلة قد انتهت، فواشنطن مازالت تسعى نحو أذربيجان، والشركات الأميركية تعمل هناك بكثافة وتستثمر أكثر من عشرة مليارات من الدولارات في عمليات التنقيب عن النفط والثروات الأخرى في بحر قزوين، والموقف الأذربيجاني غير موثوق فيه لدى موسكو،

ومن الممكن أن تستجد ظروف أخرى في المستقبل تدفع باكو للتخلي عن التزاماتها تجاه الدول الواقعة على البحر، وخاصة أن مسألة تقسيم الثروات في البحر لم تحسم بعد ولا يتوقع حسمها في المستقبل القريب.

من هذا المنطلق ترى موسكو أن منطقة بحر قزوين مهددة وستظل مهددة بالمخططات الأميركية التي وضعت هذه المنطقة منذ عام 2000ضمن أكثر المناطق الحيوية بالنسبة للمصالح الاقتصادية والإستراتيجية الأميركية، وتعلم موسكو أن أذربيجان التي تفصل روسيا عن إيران تشكل أهمية كبيرة بالنسبة لواشنطن لفصل الحليفين عن بعضهما،

ولهذا ترى روسيا أن علاقاتها مع إيران يجب أن تكون أقوى مما هي عليه، ويرى بعض الخبراء الروس أن إيران يجب أن تكون حليفا إستراتيجيا قويا يملك الإمكانيات العسكرية اللازمة ليس فقط للدفاع عن نفسه

ولكن أيضا للدفاع عن المصالح الروسية في المنطقة الجنوبية في القوقاز والتي تشكل نقطة ضعف بالنسبة للأمن القومي الروسي، وستكون أضعف بكثير في حالة انضمام جورجيا وأوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، حيث سيسمح هذا بتواجد قوات الحلف بحرية مطلقة في المنطقة المتاخمة للحدود الروسية.

البعض يرى أن موسكو لا تخشى من تزايد القوة الإيرانية بل على العكس ترى في قوة إيران العسكرية ضمانة للأمن والاستقرار في المنطقة، حيث سيحد ذلك من تطلعات دول المنطقة للجوء لدول أجنبية ودعوة قواتها على أراضيها لأن هذا سينذر بصدامات قوية، كما أن موسكو تسعى لأن تكون ضامنا أساسيا للقوة العسكرية الإيرانية في المنطقة،

خاصة وان علاقات روسيا بكافة جيران إيران من الشمال والجنوب طيبة ومتطورة، ولا يمكن لروسيا أن تدعم القوة الإيرانية للدرجة التي تشكل معها تهديدا لجيرانها، بل ان موسكو ترى أن بقاء القوة العسكرية الإيرانية على حالتها التي هي عليها الآن يشكل عامل اضطراب وتوتر للأمن في المنطقة لأنه يشجع جهات أخرى مثل واشنطن وإسرائيل على التفكير في توجيه ضربة عسكرية أو أكثر لإيران.

البعض الآخر يرى أن التسليح الروسي لإيران في حد ذاته سلاح ذو حدين حيث أن النظام الإيراني القائم الآن يعاني من مشاكل واضطرابات داخلية ولا يستطيع أحد أن يتوقع الأحوال على الساحة الداخلية في إيران في المستقبل، ومن الممكن أن تأتي الأيام بما لا تريده موسكو ولا تطمح إليه.

أفضل الخيارات المطروحة الآن هو أن تقدم روسيا السلاح لإيران بالحدود المعقولة التي لا تخل بتوازن القوى في المنطقة وفي نفس الوقت لا تثير قلق جيران إيران، وخاصة العرب في دول الخليج الذين تربطهم جميعا بروسيا علاقات طيبة، ونعتقد أن روسيا تستوعب هذه المسألة بشكل جيد وأنها لن تقدم على خطوات تندم عليها في المستقبل.