تركي بن عبدالله بن عبد الرحمن

نعاني وتعاني بلادنا في مجالات كثيرة آثار انطباعات سيئة ممعنة في القتامة يحملها الكثير خارج بلادنا عنا. وهي انطباعات تبلغ من الحجم والانتشار بحيث لا يمكن تجاهلها تماما بحجة أن وراءها دوافع مغرضة، كما أننا نعرف أنها ليست كلها بالضرورة صادقة أو دقيقة. ومن أهم هذه الانطباعات وأسوئها أننا بلد مغرق في الضبابية (عدم الشفافية)، وذهب بعضهم إلى اعتبارنا حالة ميئوسا منها.
والبعد عن الشفافية آفة لازمت الإنسان منذ عصور ساحقة ولا تزال، ولا استثناء لنا في ذلك فلدينا كبقية الأمم نصيببا منها. وإنما يقل ذلك النصيب ويكبر في الأمم حسب اختلاف النظم والثقافة ومساحة المحاسبة.
ولئن كان لنا نصيب منها، فإن لدينا في الوقت نفسه، وبين ظهرانينا أفراداً ومؤسسات حكومية وغير حكومية حققت في أدائها أعلى درجات الشفافية والمهنية المتعارف عليها عالميا. ومن المؤلم أن هذه المؤسسات والأجهزة ومن يقف وراءها يجهلها الكثير منا، ناهيك عمن هو غيرنا ويعيش خارج حدودنا. ويمثل هذا الجهل أقسى مراتب التقصير والجحود. ويشترك الكثير منا في هذا التقصير، فليس لنا العذر في غض الطرف عن المسيء. أما إذا قرنا ذلك ببخس المحسن حقه بجهل أو تجاهل إنجازه ومساهماته فإن الأعذار تنتفي.

هذه الحالة للشفافية في مجتمعنا ولّدت لديّ فكرة وطنية، والحمد لله أن المهتمين بمثل هذه الأمور عندما عرضتها عليهم باركوها وحثوا على تحويلها إلى الواقع وسريعا. والفكرة التي يمثل هذا المقال نقطة انطلاقها والتي أدعو كل مهتم بالمشاركة في تحقيقها، تقوم على إبراز الأدوار الخيرة للمؤسسات والأفراد الذين أسهموا في حفظ مصالحنا وترفعوا اسم الوطن بممارسة شفافية عالية في عملية صُنع القرار، لذا سنقوم كل عام باختيار (المؤسسة) أو (الفرد) أو كليهما الأكثر والأكفأ أثرا في هذا المجال لتكريمه. وسيتمثل هذا التكريم في منح الفائز (سعفة القدوة الحسنة) ومبلغاً مالياً يُصرف في أعمال الخير باسمهم وحسب توجيههم.

وهذه الفكرة تقوم على الأسس التالية:
الغرض الأساس منها إبراز دور وتشجيع وتكريم من يجعل من عمله مثلاً يُحتذى به في موضوعي الشفافية والمهنية. وليس من أغراضها تتبع الأمثلة السلبية، فذاك موضوع يتطلب جهدا أكثر مما تتحمله الفكرة وقدرة المشاركين فيها. وجُل ما نأمل أن نبرز أمثلة حرية بالتبني والاحتذاء وتوفي المحسن حقه. كما أنها تهدف إلى إيصال المعلومة الصحيحة إلى شرائح أوسع للناس ونشر الوعي عن الشفافية.

بكل ثقة أقول إنه يوجد بيننا كثيرون، ولله الحمد، يشكلون في أنفسهم أمثلة ناصعة في الأخلاق والقيم، ولهم من الجميع الإكبار والتقدير. ولكن الفكرة تعنى في الأساس بمن استطاع أن يسهم بقيمه وأخلاقه في تعزيز المنفعة العامة وسد باب الفساد وأثر عمله في الآخرين، وليس فقط في حدود نفسه، بل نجح في خلق الشفافية الضابطة للأمور.

والفكرة ليست منهجا علميا مجربا وخاليا من العيوب أو النواقص أو الثغرات. وإنما هي خطوة أولى في طريق طويل وجهد صادق يطمح إلى تعزيز المثل الصالحة وإلى جذب المشاركات المختلفة للمهتمين بالأمر لتثري مشاركاتهم الغرض الأساس للفكرة.

والفكرة قبل هذا وبعد قابلة للتطوير وحتى التغيير. فهي ليست ملكا لأحد بذاته ولا تستطيع الاستمرار والتطور على جهد أو رأي شخص بعينه. فهي في الأساس إسهامات متعددة من المهتمين بالأمر سنقود في النهاية بلورتها وتطويرها لكي تؤدي غرضها بكفاءة، فهي ملك للجميع والجميع من المهتمين بهذا الشأن مسؤول عن مصيرها ونجاحها.

وسيتم تحويلها من فكرة إلى حقيقة عبر هذه الآلية المقترحة، وهي:

سأقوم وغيري أثناء السنة بالطرح العام لأسماء مؤسسات حكومية وتجارية وللجهود التي تقف خلفها والتي تجعل منها مرشحة لأفضل مساهمة في رفع عامل الشفافية، ومؤهلة أن تكون مثلا يستحق أن يحتذى، وذلك من خلال الصحف وموقع الفكرة على الإنترنت. وسيكون المجال مفتوحا لكل فرد أن يشارك باقتراح أسماء مؤسسات جديدة أو نقاش ما سبق أو يقترح أسماء أو الإدلاء بأي معلومات إضافية مفيدة للفكرة. وفي رمضان من كل عام سيتم استعراض للأسماء التي طرحت وما دار حولها من نقاش على لجنة علمية متخصصة لديها الإمكانات الضرورية التي تحتاج إليها لأجل اختيار أكثر الآثار إيجابية وتأثيرا، وسيكون للجنة معايير ستسترشد بها يأتي ضمنها:

تعريف جلي للجهد الذي قام به المسؤولون في المؤسسات يؤدي إلى عزل واضح لمصالحهم الشخصية عن مجال ومصالح أعمالهم، وأن تكون في تلك المؤسسات دوافـع قويـة تغـري بالفساد وعـدم الشفافيـة، وأن يكــون لجهــود المسـؤولين علاقة واضحة ومباشـره للـحد من الفسـاد والضبابيـة فيمـن حولهـم وفي مستويـات العمـل كافة، كسن إجـراءات وتنظيمـات تجعل من إجراءات صُنع القرار أمرا غايـة في الشفافية ويسهل تتبعه وبالتالي محاسبته. وموضوع المعايير على كل حال من ضمن ما سيطـرح للنقـاش الـذي سيثري ـ بلا شك ـ المواضيـع المطروحة للتداول.

وفي رمضان من كل عام سيتم تكريم الفائز بمنحه quot;سعفة القدوة الحسنةquot; كما سيتم صرف مبلغ ربع مليون ريال باسم المؤسسة و/ أو الفرد، الذين يعزى لهم الجهد الذي قاد للفوز. وسيصرف المبلغ لأي جمعية خيرية مرخص لها تسميها الهيئة أو الفرد وتمنح باسمهم راجين أن يكون ثوابها لهم. وقد تم إلى الآن رصد مبلغ يضمن استمرار الجائـزة لعدد من السنين. والبـاب مفتوح بالطبـع للزيـادة سـواء في عمرها أو حجمها. وأهل الخير المحبون لتعزيز المثل الأخلاقيـة كثيرون ولله الحمد في بلادنا.

لا بد من التأكيد أن هذه فكرة تحاول أن تجد طريقها لتصبح حقيقة. ولكن ذلك لن يتـم دون المشاركة الصادقـة من الجميع والإسهـام والمشاركة بأنواعها كافة لضمان استمرارها وامتداد آثارها الطيبة. وأكثر المساهمة نفعا هو البحث عمن يتأهل لمثل هذه الجائزة وتبرير الترشيح. وغني عن القول إن المشاركة لا بد أن تتسم نفسها بالشفافية.

وسأقوم لاحقا بالبدء بهذه المشاركات بذكر إحدى المؤسسات الحكومية التي بذلت جهدا أعتقد أنه يعد مثلا للشفافية يضاهي أرقى المؤسسات العالمية في هذا المجال ووفرت للوطن منافع كثيرة.

موقع الفكرة:
http://www.saafah.com
[email protected]