الكويت - القبس
سار العريس وحيدا وهو محمولا على الأيادي الى القبر بد الكوشة، كان مقررا ان تزف laquo;احدى شابات سراييفوraquo; الى عريسها في تلك الأيام التي اقتحمت فيها قوات صربية منزل أسرتها لتحدث بين أفرادها مذبحة بشعة.
دموع laquo;مديحةraquo; لا تتوقف، وصوت نحيبها يغطي على حروف كلماتها فتبدو غير مفهومة.. انه شيء فظيع.. هكذا نطقت الشابة بانكسار الانثى التي رأت ما لم يخطر على بالها، وما لم تسمع عنه من قبل من صور الوحشية.. laquo;سراييفوraquo; الجميلة لا تسمع فيها الا أصوات الرصاص، بيوتها البيضاء تتهدم، وحدائقها الخضراء تمتلئ بالجثث.. تقول الشابة الأرملة: laquo;عمري 24 عاماً.. ولي شقيقة تصغرني بعامين، وشقيق دون الخامسة عشرة من عمره.. كان من المفروض ان يتم زفافي الى خطيبي رحمه الله خلال شهر، بعد ان أعددنا كل شيء ولكن.. توقف لسان الشابة عن الكلام أمام قسوة ما حدث لها، وجلس من حولها ينتظرون ان تهدأ قليلاً ليسمعوا بقية قصتها... ولكن صرخت فيهم قائلة: laquo;اتركوني... لا فائدة من الكلام.. لقد ضاع كل شيءraquo;.
انبرت احدى جارتها التي رافقتها في رحلة الهروب تكمل القصة.
أغلقت أسرة الشابة على نفسها باب البيت وامتنعت عن الخروج، بعد ان أصبحت الشوارع غير آمنة.. هكذا طلب منهم الأب الذي يعمل إماماً لأحد المساجد، وبالتالي امتنعت الارملة الشابة عن الذهاب لعملها عدة أيام، حيث تعمل في محل تجاري في العاصمة laquo;سراييفوraquo; وتسكن في المنطقة القديمة، وهي منطقة كل سكانها من المسلمين، وفيها المدارس والمساجد التاريخية التي انشئت في العهد العثماني.. وفي هذه الظروف بدأت عصابات laquo;التشتنكraquo; الصربية تركز على المنطقة الاسلامية، وتذبح كل من تقابله من الرجال والأطفال وتسبي النساء، ولذا، ففي أثناء هروبها كانت تتخيل في كل خطوة من خطواتها ما سيحدث معها لو وقعت في أيدي الصرب، أو سقطت في أحد حواجزهم التي تحاصر العاصمة البوسنية.
ثم تضيف احدى جاراتها قائلة: كانت الفتاة تزورني بين الحين والآخر، حيث ان بيتينا متجاوران، نقطع لحظات الخوف والفزع والرعب بأحاديث الأمل والرجاء وصباح ذات يوم كانت هي موجدة معنا داخل البيت، عندما سمعنا طلقات الرصاص، ثم صرخات استغاثة تخرج من بيتهم، حاولت ان تخرج بعد ان انتابها الخوف، ولكننا أمسكنا بها نحن خوفا عليها من ان تكون ضحية جديدة، فماذا في مقدورها ان تفعل مع هذه العصابات التي لا تتورع عن القتل والذبح والاغتصاب.. فمنذ ان وصلت المعارك الى شوارع laquo;سراييفوraquo; وهم ينفذون شعار قتل الأئمة والعلماء، ليستأصلوا الاسلام تماماً ويدمروا منابعه، لذلك فان الميليشيات الصربية التي يساندها الجيش الفيدرالي اليوغسلافي، تحتفظ بسجلات للأئمة والمعلمين في المدارس الدينية لتقوم بتصفيتهم، جاءوا الى البيت الفتاة الأرملة ليقتلوا والدها.. في البداية وجهوا طلقات الرصاص بغزارة الى باب البيت، ثم اقتحموه وسط صرخات والدتها التي تملكها الخوف الشديد وشقيقتها الصغرى.. وفي هذا الوقت كان خطيبها وابن عمها المجني عليه، قد وصل بالمصادفة قبل الهجوم مباشرة لزيارة الأسرة.
وضعوا laquo;الكلابشاتraquo; في أيادي laquo;الأبraquo; و laquo;الأمraquo; والخطيب حتى شقيقها الصغير، ثم قاموا بذبحهم واحداً.. واحداً أمام عيني شقيقتها التي امسكوا بها بشدة، وجعلوها تشهد هذا المنظر الوحشي.
كانوا بغير وعيهم يترنحون مما احتسوه من الخمر، وهكذا هم دائماً ينفذون عملية الذبح بعد ان يشربوا الخمر ويسكروا، وبدءوا الذبح بالأب بعد ان سكبوا على وجهة الخمر، ورسموا الصليب على جبهته، ثم جاء دور الخطيب وشقيقها الصغير، وأخيراً انتهوا بالأم، وفي اللحظة التي تهيأوا فيها لان يسبوا الفتاة، كانت قوات الدفاع المحلي قد اكتشفت هجومهم فوصلت الى البيت لتطاردهم فولوا هاربين!، تصمت الجارة برهة لتستطرد انفاسها وتكمل القصة وهي تقول:
ذهبنا مع العروس الأرملة الى بيتها فوجدنا مشهدا دمويا لا يمكن ان يتخيله انسان، الأسرة كلها مذبوحة فيما عدا الفتاة التي أخذت تصرخ بهستيريا، في حين أخذت ابنتهم العروس الأرملة تنتقل من جثة لأخرى، وهي لا تصدق ان كل شيء قد ضاع في لحظات، وانها أصبحت بلا أهل، ولا زوج وبعد قليل ستصير بلا بيت أو وطن الى هنا انتهت الجارة من رواية تلك الحادثة البشعة، فطلب من حولها من الحضور ان يروا الفتاة التي كانت شاهد عيان عليها، وكادت تكون في عداد السبايا لولا ارادة الله.. فوافقتهم على ذلك بعد ان رجتهم ألا يسألوها عن شيء، فالحادث موجع ومؤلم، ولايزال يدور بذاكرتها كانه فيلم سجل وكل دقيقة يعاد عرضه برأسها الصغير، ومجرد ان تسترجعه مرة أخرى أمامهم يعد أمراً لا يحتمل، ان وجه الفتاة شاحب وحزين، جسدها يرتعش بشدة وهي تتمتم منتحبة: laquo;قتلوهم، ذبحوهم، أبي، أمي، أخي حتى خطيبي لم يسلم بدل ان يسير الى كوشة العرس سار الى القبر وحيدا.. انتهت هذه الجريمة ولا اعتقد ان هناك اكبر وأبشع منها لقد نفذوا مرتكبيها جريمة بحق أسرة بأكملها هم اعتقدوا بانهم أتموا جريمتهم الكاملة وقد نفذها وهربوا من القصاص ناسين ان هناك من يراقبهم وانه يمهل ولا يهمل.
صارت كلمة laquo;الاغتصابraquo; مرادفة لكلمة laquo;البوسنةraquo;، حيث الفتيات والنساء المسلمات يستسلمن لمصائرهن تحت تهديد السلاح من الجنود الصرب الذين حطموا حياتهن، وأشاعوا الرعب وسط المسلمين لتهجريهم من ديارهم وقُراهم، ضمن سياسة بعيدة المدى تهدف الى التطهير العربي.. أكثر من خمسين ألف امرأة وفتاة كن ضحية الاغتصاب.. أكثر من حكاية ترددت من الفارين من laquo;البوسنةraquo;، من تلك حكاية الفتاة المسلمة laquo;سادraquo; التي ترقد في احدى المستشفيات البوسنية في حالة صحية متدهورة بعد ان عاشت واقع تجربة مريرة عاشت فصولها الحزينة وهي في قبضة أيدي القوات الصربية، ثم استطاعت الهروب منها في النهاية، وان لم تهرب من آثارها، فقد تمكنت المليشيات الصربية من اعتقال الفتاة laquo;سادraquo;، وتم ايداعها معسكر السبايا بالمنطقة التي يسكنها الصرب ويسيطرون عليها على أطراف مدينة laquo;بوسنسكي برودraquo;، وهناك رأت الأهوال.. هتكوا عرضها وعرض العشرات غيرها، وكانوا يعرونهن من ملابسهن، ويخضعوهن للتعذيب الجسدي والمعنوي الوحشي، وكانوا يختارون بعضا منهن ويقومون بتقطيع أثدائهن
أغلقت laquo;سادraquo; عينيها لتهرب من تذكر هذه الأهوال والأفعال القذرة، وهي تحاول ان تتماسك لتقول: laquo;كنت أرى السيدات والفتيات الحوامل وقد وقفن صفوفاً دون ان يستر أجسادهن شيء، ثم يبدأ الجنود الصرب في بقر بطونهن والتمثيل بالأجنة.. كنت أسمع صرخات من لم يأتها الدور بعد، كان بعضهن يستعطفن ويسترحمن، ولكن هؤلاء اناس قد نزعت من قلوبهم الرحمةraquo;.. ثم تغلق laquo;سادraquo; عينيها مرة أخرى وتنتحب في بكاء متواصل، وتطلب مديرة المستشفى ان يكف عن الحديث معها، فحالتها سيئة للغاية، وتكرار الحديث فيما جرى لها يزيد حالتها سوءاً، ومن تلك الحكايات التي يقشعر لها البدن حكاية laquo;سميرةraquo;، التي فتحت قلبها لحوار أحد الصحافيين بعد ان استطاع ان يقنعها هي وغيرها من الفتيات المغتصبات من ان الحديث قد يتحول لملح يزيد الجراح آلاماً، الا ان الصمت يتيح للمجرمين ان يفروا بما ارتكبوا من جرائم، ووافقت laquo;سميرةraquo; وزميلتا الفتاة laquo;أملاًraquo;، تلك الفتاة رائعة الجمال، التي لم تتعد السادسة عشرة من عمرها.. ولكن قبل يوم واد من بقاء تلقى الصحافي الذي سيجري الحوار معها- الصدمة في مكالمة هاتفية بمقر اقامته.. المكالمة لم تتعد سوى كلمتين هما: لقد انتحرت laquo;أملاًraquo;.. وقد علم فيما بعد ان الفتاة المسكينة كانت تعاني نفسيا وبدنيا من آثار انتهاك عرضها واغتصابها مرات عدة، ما علم انها ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة في طابور المنتحرات.
أما بالنسبة للفتاة laquo;سميرةraquo; فقد كان الحوار عاصفاً، تقطعه دموعها وتشنجاتها في يوم اللقاء معها، الذي يعد له عدته، حيث روت كيف كان اعتقالها هي وأمها.. وكيف ذبح المسلمون في مدينتها.. وكيف كانت تحرق المنازل بمن في داخلها.. وكيف كان يتم اغتصابها يومياً بواسطة أكثر من مجرم صربي.. وكيف كانت محاولة رد الفتيات المعتقلات عن الاسلام.. وكيف كانت ينتزع الأطفال من أحضان أمهاتهن لكي يغتصبن.. هذه هي الموضوعات التي تناولها الحوار مع الفتاة laquo;سميرةraquo;.. فعندما سئلت كيف تم اعتقالها هي وأمها من جانب الصربيين، أجابت قائلة: laquo;مكثت في الشقة علينا اثنان من القوات الصربي.. وكنا نعرف أحدهما، واسمه laquo;ميكورايكوفيتشraquo;، حيث انه كان أحد جيراننا الصرب.. وأول ما فعله الاثنان ان قام أحدهما بتصويب بندقيته نحونا، أما الثاني فوضع سكينا على رقبة أمي وطلبا منها اعطاءهما ذهبنا، وقد أخذا كل شيء، قبل ان يأخذانا الى المعتقل في المدرسة العامة.. عقب ذلك جاء اثنان من الصربيين ليسجلوا أسماء المعتقلات من السيدات والفتيات، حيث سألونا اذا ما كنا نرغب في التحول الى اعتناق الأورثوذكسية، وسألتهم: كيف؟ فقالوا: عن طريق تغيير أسمائنا وتعميدنا في كنيسة المدينة، وقد تكرر طلبهم هذا أيام عدة. وبعد ثلاث ليال جاء اثنان وتم اصطحابي انا وزميلة لي بدعوى الذهاب للتحقيق معنا مع قائدها.. وخلال التحقيق سألونا مرة ثانية اذا ما كنا نرغب في التحول للأروثوذكسية؟ ثم بدءوا في استجوابنا حول الرفاق المسلمين، وتسليحهم، ومواقعهم، وأسماء بعض المقاتلين.. غير انني رفضت الكشف عن أسماء من أعرفهم، على الرغم من ارهابهم لي.. وفي تلك الليلة علمت انهم قد اغتصبوا زميلتي تلك التي كان عمرها 14 سنة، كما حاول شاب من أبناء مدينتي اغتصابي، ولم أعد أدري ماذا سيحدث لي في المستقبل..ثم أعادونا الى غرف الاعتقال، ثم عادوا بالليل أثناء نومنا وأضاءوا الحجرة بالكشافات، حيث لم تكن هناك كهرباء، وتظاهرت بانني نائمة، الا انهم جذبوا زميلتي التي اغتصبت من قبل على الرغم من توسلها اليهم ألا يغتصبوها ثانية، وعلى الرغم من ذلك اغتصبوها للمرة الثانية في يوم واحد.
ثم سئلت عن كيفية اغتصابها فقالت:لا أريد ان أصف عملية الاغتصاب نفسها، حيث ان ذلك صعب على نفسي جداً، ولكنني أكتفي بان أقول ان العملية كانت بشعة للغاية كنت أصرخ بشدة، الا ان الشخص الذي كان يغتصبني هددني بانه سيأتي بثلاثة آخرين لكي يشتركوا في اغتصابي وقد حاولت ان ألقي بنفسي من النافذ، الا انه سيطر علي ومنعني من التحرك.. وقد كان يضربني أثناء اغتصابه لي.. وبعد ان فرغ من ارتكاب جريمته سألني: هل استمتعت بالاغتصاب؟!.. وقد رفضت الحديث، الا انني كنت أحاول ان أتعرف على شخصيته المجهولة بسبب الظلام الدامس.. وقد نجحت في ذلك عندما أشعل عود ثقاب لكي يشعل سيجارته، واتضح لي انه جاري الصربي laquo;ميكوايكوفيتشraquo; الذي اعتقلني وأمي في البداية.
ثم تصمت برهة لتستكمل كلامها: وقد أعادوني الى حجرة المعتقل في تلك الليلة، حيث وجدت أمي ملقاة على الأرض فاقدة الوعي، وفيما بعد أخفيت عنها ما حدث لي، لانني كنت أعتقد بان الاغتصاب لن يتكرر.. ولكن في الليلة التالية دخل علينا ستة صربيين ضربوا أمي عندما حاولت اشعال شمعة لمعرفة شخصياتهم،وقد كنت اختبئ انا وفتيات أخريات تحت المكاتب وبداخل الدواليب.. وقد بادرت أمي بمهاجمتهم وضربهم بكل ما تصادفه في يداها، وهي تصيح فيهم بانها لن تسمح لهم بان يأخذوننا نحن الفتيات في أثناء ذلك أخذني اثنان منهم، وأجبراني بالضرب على ان أمشي معهما، وحملاني في سيارة يقودها المجرم الذي اغتصبني، في حين وضع الآخر السكين على رقبتي، وكان يضربني بقدمه ويشتم أمي بأقبح الشتائم، ويصفها بانها تركية.. حتى وصلنا بعد ذلك الى شقة داخل مدينة laquo;روجانتاraquo;، حيث اغتصباني هما الاثنان على التوالي، وأمام بعضهما بعضاً.
وكنت أتوسل اليهما، ولكنني امتنعت عن الحديث بعدما بدأت عملية الاغتصاب، ثم توقف الحديث عند ذلك لقرابة نصف ساعة، لانخراط الفتاة في بكاء تشنجي.. حيث استؤنف بعد ان هدأت قليلاً.














التعليقات