مازن حماد
صعدت أزمة العلاقات الأميركية - الروسية إلى ذرا جديدة، عندما حذرت موسكو على لسان رئيسها فلاديمير بوتين بتصويب صواريخها النووية إلى أوكرانيا، إذا وافقت الأخيرة على استقبال الدرع الصاروخي الأميركي، أو انضمت إلى حلف شمال الأطلسي laquo;الناتوraquo;.
ففي جو من العد العكسي المثير للأعصاب وقبل دقائق فقط من انتهاء مهلة حددتها موسكو، لقطع ربع الغاز الروسي عن أوكرانيا إذا لم تبدأ بدفع ديونها، رفع بوتين (الثلاثاء)، أصابع روسيا عن عنق أوكرانيا، بحضور رئيسها فكتور يوشنكو، الذي أعلن بدء سداد ديون بلاده للدولة الروسية والبالغة ملياراً ونصف المليار دولار.
القصة في جذورها ليست قصة طاقة أو ديون متأخرة، لكنها قصة غرب وشرق وقصة تحد روسي لمساعي الهيمنة الأميركية على دول الاتحاد السوفياتي السابق، وقصة صمود رائع أظهرته القيادة الروسية في مواجهة زحف أطلسي تقوده الولايات المتحدة، هدفه عزل روسيا وإضعافها ومنعها من استرداد ولو جزء من الدور الإقليمي والدور العالمي اللذين فقدتهما بعد انهيار الإمبراطورية السوفياتية منذ ربع قرن.
يعلم بوتين ويوشنكو والعالم كله أن هدف الإدارة الأميركية من بناء درع صاروخي وشبكة رادار في بولندا وتشيكيا، ليس صاروخا مارقا تطلقه إيران كما تزعم تلك الإدارة، لكن الهدف الحقيقي هو تحييد الإمكانات الصاروخية الروسية النووية الذي دفع روسيا إلى اتخاذ سلسلة إجراءات مضادة وفعالة خلال الشهور الأخيرة من بينها وقف العمل بمعاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا، واستئناف الرحلات الجوية الاستراتيجية لطائرات روسية محملة بالقنابل النووية تحلق على مدار الساعة فوق المناطق الحدودية، وهو ترتيب كان معمولا به قبل زوال الاتحاد السوفياتي.- - وقد فند وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف الخطر الإيراني المزعوم، عندما قال إن طهران بحاجة إلى عشر سنوات أخرى لبناء صواريخ بالستية بعيدة المدى وإن هذه المعلومات مبنية على حقائق تملكها موسكو، غير أن ما أغضب الروس بشدة ودعاهم إلى استخدام الغاز كسلاح سياسي، هو طلب يوشنكو الموالي للغرب انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي. وكانت مؤسسة laquo;غازبرومraquo; الروسية الحكومية قد لجأت منذ سنتين بعد نجاح laquo;الثورة البرتقاليةraquo; في أوكرانيا إلى قطع إمدادات الغاز عن تلك الدولة السوفياتية السابقة، في منتصف الشتاء، مما خلق أزمة دولية عنوانها الظاهري دفع المستحقات، وعنوانها الباطني: لا للزحف الغربي على روسيا، غير أن التحرش الأميركي المتواصل بالفناء الخلفي للاتحاد الروسي لم يمنع موسكو من السعي إلى اتفاق مع الغرب يأخذ مخاوفها بعين الاعتبار، ويشمل كل بؤر الخلاف بين الجانبين بما يضمن العدالة والأمن لجميع الأطراف الأميركية والروسية، والأوروبية، لكن واشنطن تقاوم مثل هذا المخرج ليس فقط لأنه يشكل اعترافا ضمنيا بالسعي الأميركي للهيمنة على أوروبا الشرقية واحتواء روسيا، وإنما لأنه يعيد الخلاف بين الشرق والغرب إلى سنوات الحرب الباردة، التي تخشى الإدارة الأميركية إيقاظها.
في يد الروس الكثير من الأوراق المهمة ومن بينها أن laquo;80%raquo; من الغاز الروسي إلى دول أوروبا الغربية يمر عبر الأراضي الأوكرانية، من خلال أنابيب سوفياتية تربط الآبار الروسية القطبية ببيوت الغرب ومصانعه.
وسيعقد في شهر إبريل المقبل مؤتمر مهم للغاية في العاصمة الرومانية بوخارست، ستتم خلاله مراجعة مدى أهلية أوكرانيا للانضمام إلى laquo;الناتوraquo;، لكن الرئيس جورج بوش لن يفرح بمزية الانفراد بحضور ذلك المؤتمر وسط أصدقائه الأطلسيين، ذلك أن فلاديمير بوتين سيكون هناك هو الآخر ليصبح أول رئيس روسي يحضر قمة لـlaquo;الناتوraquo; منذ عام laquo;2002raquo;، مع التذكير بأنه سيهجر الكرملين في مايو ليصبح بعدها رئيسا للوزراء، مما يضمن هيمنته على السياسة الروسية سنوات قادمة.
التعليقات