جهاد الخازن

يفترض أن يكون الرئيس جورج بوش بطة عرجاء، أو كسيحة، وإدارته تلفظ أنفاسها/ أشهرها الأخيرة، إلا أنني أشعر مع ذلك بأن مناخ الحرب باقٍ، وإذا قلنا تلك العبارة المستهلكة laquo;كل الاحتمالات واردraquo;، فإن احتمال الحرب يفوق السلام.

كان هذا رأيي منذ أشهر وأسابيع، وقد تفاءلت بزيارة الشيخ محمد بن راشد، رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة، إيران وبمحادثاته السياسية في طهران، فالإدارة الأميركية تريد حشد دول الخليج ضد إيران، في حين تصر هذه الدول على الابتعاد عن أي مغامرة أميركية جديدة. والرئيس بوش اختار أبو ظبي نفسها ليلقي خطاباً رئيسياً ضمن جولته في المنطقة الشهر الماضي، ودعا في 13/1 الى الوقوف في وجه إيران قبل laquo;أن يفوت الوقتraquo;.

على ماذا سيفوت الوقت؟ تقرير الاستخبارات الأميركية نفسها قال إن إيران أوقفت برنامجها النووي العسكري في 2003، وخطاب بوش جاء بعد زيارة الدكتور محمد البرادعي، رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية، طهران وإعلان حكومة إيران تجاوبها مع الوكالة، وأنها ستقدم أجوبة عن أسئلة محددة عن برنامجها النووي.

اليوم يفترض أن تمثل زيارة الشيخ محمد طهران، ثم دمشق، موقفاً خليجياً ضد دعوات الحرب الأميركية. (وهناك طبعاً اتصالات حول القمة والقضية الفلسطينية).

غير أن شعوري بالطمأنينة كان سيزيد لو أن إيران اجترحت اختراقاً خليجياً بالحديث عن الجزر المحتلة الثلاث، فكل ما سمعنا كان تسريبات صحافية خلاصتها أن إيران تعتبر طنب الكبرى وطنب الصغرى إيرانيتين ووضعهما غير قابل للبحث، في حين تقبل عودة الأمور في أبو موسى الى ما كانت عليه عام 1992.

إذا كان هذا صحيحاً فهو لا يكفي، وإيران بحاجة الى إجراءات على الأرض تتجاوز مجرد الكلام عن التعاون وانتفاء الأطماع والبرنامج السلمي وما إلى ذلك.

هي تحتاج الى دول الخليج الصغيرة غير المسلحة لحرب، أكثر مما تحتاج هذه الدول الى الجارة القوية الكبيرة ذات الجيوش والصواريخ، فإدارة بوش، وتحديداً عصابة الحرب فيها، لا تزال تسعى الى ضرب إيران، وإسرائيل، وحلفاؤها في الإدارة وحولها يشنون حملة تحريض من أوروبا الى أميركا وكل بلد، غطاؤها العقوبات ولكن هدفها الحرب.

أشعر بأننا مقبلون على حرب إلغاء الأنظمة، فالموجود لا يصلح، والحليف والخصم يرفضان الاعتراف بإسرائيل، ولا قبول شعبياً لها في أي بلد. وربما كان الأمر أن اللاعبين الأساسيين فقدوا السيطرة على اللعبة، والكل يسير نحو حرب تشمل إيران وسورية ولبنان والعراق والفلسطينيين، لإعادة رسم خريطة المنطقة كما يناسب إسرائيل والمصالح الاستراتيجية الأميركية التي نستطيع تلخيصها بكلمة واحدة هي نفط.

جورج بوش ونائبه ديك تشيني حذّرا من خطر التسلح النووي الإيراني وهدداها بحرب، وفي أيديهما تقرير الاستخبارات الأميركية نفسها عن وقف إيران البرنامج العسكري. والواقع أن نشر التقرير كان متعمداً من معارضي الحرب لعرقلة عمل دعاتها.

مع ذلك وجدت المنطقة نفسها، خلال أيام فقط، أمام laquo;خليج تونكينraquo; في المواجهة بين قوارب مسلحة إيرانية وسفن حربية أميركية في مضيق هرمز الشهر الماضي.

رواية الإدارة الأميركية أثارت شكوكاً بين الأميركيين أنفسهم، وجاءت الرواية الإيرانية لتزيد أسباب الشك في الفيديو الرسمي الأميركي، وعادت عصابة الحرب لتبحث عن سبب آخر.

كثيرون من أركان العصابة، بمن فيهم رئيسها ديك تشيني فروا من الخدمة العسكرية في فيتنام، ومع ذلك يريدون تكرار تلك التجربة. وعلى سبيل الشرح للقارئ العربي، فإدارة جونسون زعمت في آب (أغسطس) 1964 ان السفن الحربية الأميركية تعرضت في خليج تونكين لهجوم من الفيتناميين الشماليين عليها، وصدر قرار خليج تونكين بسرعة، وارتفع عديد القوات الأميركية في فيتنام من 16 ألف جندي الى 535 ألفاً، واستمرت الحرب عشر سنوات قتل فيها مليونا فيتنامي و58 ألف جندي أميركي، وأحدثت شرخاً في المجتمع الأميركي لا تزال آثاره حتى اليوم.

الفارون من الجندية في أميركا يسعون الآن الى حرب جديدة أسبابها تراوح بين طموحات الإمبراطورية ومصالح إسرائيل، وهم قتلوا حتى الآن مليون عراقي ولعلهم يأملون بقتل مليون آخر من شعوب المنطقة.

وأشعر بأننا مقبلون على حرب. ثم أجد في جولة الشيخ محمد سبباً لتخفيف معدلات التشاؤم، فالموقف الخليجي كله يجب أن يكون التواصل مع إيران، من دون إلغاء أسباب الحذر منها، لحماية مستقبل الشرق الأوسط وأبنائه.