خلف الحربي

قالت الصحف أن أحداث الشغب التي شهدها سجن عرعر الأسبوع الماضي كانت بسبب مطالبة السجناء بتوفير الفضائيات لهم في السجن.
وهذا يعني ndash; بالنسبة لي على الأقل ndash; أن السجناء صبروا على كل مرارات السجن ولكنهم لم يستطيعوا تحمل رتابة برامج التلفزيون المحلي!
وأخشى ما أخشاه على تلفزيوننا العزيز أن تحتج منظمات حقوق الإنسان (المناهضة للتعذيب) على هذه الحادثة الغريبة فتصدر بيانات تطالب بانقاذ هؤلاء المساجين من البرامج التلفزيونية المملة.
لست متحاملاً على التلفزيون ولكنني حاولت أن أجرب معاناة سجناء عرعر لنصف ساعة فقط فوجدت أن القناة الأولى لم تغير إلا شكلها فقط بينما احتفظت البرامج برتابتها العريقة.
أما القناة الثانية فهي أشبه بشخص تقدم خمس خطوات إلى الأمام من نقطة تتأخر عن الركب عشرين خطوة فأصبحت القناة الثانية متطورة بالنسبة لوضعها قبل عام أو عامين ولكنها بالنسبة للمشاهدين لازالت بعيدة عما تقدمه القنوات الفضائية المتخصصة في عرض الأفلام والمسلسلات الأجنبية.
لقد عانت جميع التلفزيونات الرسمية العربية من المنافسة الشرسة للفضائيات ولكن السعودي لم يعاني من هذه المنافسة لأنه لم يدخلها أصلاً فهو يتصرف وكأن الفضائيات غير موجودة أو كأن مشاهديها أقلية لا تستحق الذكر ولازال التلفزيون يتعامل مع مشاهديه وفق نظريته القديمة: (مالك إلا أنا).
وحين يقودنا (الريموت) إلى قناة الإخبارية فأننا نجد أن هذه القناة قد نجحت في إعادة الاعتبار لصناعة التلفزة المحلية ولكنها بسبب قلة الإمكانيات والعراقيل البيروقراطية وجدت نفسها مضطرة للابتعاد عن اسمها: (الإخبارية) والدوران في فلك البرامج الحوارية الإجتماعية, وبرغم كل النجاح التي حققته الإخبارية في السنوات الماضية إلا أنها مهددة بما يمكن تسميته (أزمة هوية) فهي غير قادرة على تجاوز العراقيل وفي الوقت ذاته هي عاجزة عن (استلهام) روح القناة الأولى التي تعرض برامجها وهي تفترض أن جميع الناس لا يجرؤون على تحريك الريموت كنترول للهرب من هذه البرامج التي لم تتغير منذ سنتين بعيدة.
أما القناة الرياضية فقد استيقظت من النوم لتجد أن أغلب المباريات المحلية والأجنبية قد تم احتكارها من قبل القنوات الفضائية فلم تجد حلاً أفضل من استدراج كتاب متعصبين من أندية متناحرة كي يتعاركوا على الهواء مباشرة.
لا أريد أن أكون قاسياً على تلفزيوننا العزيز فهو (منا وفينا) وكلنا أمل أن ينجح القائمون عليه بتطويره وزيادة عدد قنواته المتخصصة ولكن قصة سجناء عرعر أعادتني إلى قصة تراثية تقول أن أبوجعفر المنصور حين تولى الخلافة ذهب إلى الأعراب كي يستميلهم إلى جانبه، فقال لهم: (إعلموا أنني حين وليت الخلافة ذهب عنكم الطاعون الذي كان يفتك بكم وبأولادكم) فقالوا له: (أعلم.. إن الله أكرم من أن يجمع بين الطاعون والمنصور)!.