محمد خليفة

يقترب موعد انعقاد القمة العربية الدورية في العاصمة السورية دمشق أواخر مارس/ آذار المقبل، وسط انقسام عربي غير مسبوق بين من يقول، إن القمة لن تنعقد وبين من يرى أنها ستنعقد بمن حضر من الرؤساء والملوك العرب. والقائلون بعدم انعقاد القمة يربطون بينها وبين الموقف السوري تجاه لبنان، ويقولون، إنه إذا لم تساهم سوريا في انتخاب رئيس للبنان، فإن القمة ستفشل.

وبعيداً عن التجاذبات حول القمة المقبلة والتي لن ترتجي منها الشعوب العربية شيئاً، مثلما هي لم ترتج شيئاً من القمم السابقة، فإن المضحك المبكي هو هذا التهافت العربي في وحول الخلافات البينية التي سببها الأول والأخير فقدان العرب للقرار الحرّ والمستقلّ، وانقيادهم الأعمى وراء القوى التسلطية في هذا العالم بغضّ النظر عما إذا كان هذا الانقياد لصالحهم أم لا. كما أن الأنانية والإفراط فيما يسمى ldquo;القطريةrdquo; ورفع شعار ldquo;وطني أولاًrdquo; جعلهم يفقدون الشعور بصلة القربى التي تجمع بينهم، انطلاقاً من مبدأ ldquo;أنت في دولتك وأنا في دولتي، وأنت حرّ فيما تصنعه وأنا حرّ فيما أقوم به، لا شأن لك بحياتي ولا علاقة لك بتحالفاتيrdquo;.

وعلى الرغم من القواسم الكثيرة المشتركة التي تجمع بين الشعوب العربية، كاللغة الواحدة، والتاريخ المشترك الواحد، والدين الواحد. وعلى الرغم من أن هذه الشعوب تعيش على رقعة جغرافية متصلة من الخليج العربي وبحر عُمان شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً، فإن كل ذلك لم يفلح في دفع هذه الشعوب نحو الالتقاء وبناء دولة واحدة، مثلها مثل غيرها من الشعوب والأمم في الأرض. فالصين، مثلاً، تبلغ مساحتها نحو عشرة ملايين كيلومتر مربع، أي حوالي ثلاثة أرباع مساحة الوطن العربي البالغة نحو خمسة عشر مليون كيلومتر مربع، ويسكنها نحو مليار وثلاثمائة مليون نسمة، وثمانون في المائة من هؤلاء السكان هم من قومية ldquo;الخانrdquo; وهي القومية الرئيسية في الصين، والباقي من قوميات وأعراق مختلفة، ولا يحسبن أحد أن الصينيين على نسق واحد وأنه لا يوجد بينهم فروق في اللهجات والعادات والتقاليد وفي المذاهب داخل الديانة البوذية، بل هناك فروق كبيرة بينهم بسبب تلك المساحة الهائلة التي يسكنون عليها، ومع ذلك فجميع الصينيين باستثناء سكان تايوان يعيشون في دولة واحدة هي الصين الشعبية، وهم الآن يتجهون نحو السيادة على العالم. وأيضاً، فإن ألمانيا تحطّمت خلال الحرب العالمية الثانية، وتم تقسيمها إلى أربعة أقسام، واحد للولايات المتحدة، وثانٍ لبريطانيا، وثالث لفرنسا، ورابع للاتحاد السوفييتي السابق، ومن ثم وحّدت الدول الغربية الثلاث أقسامها في دولة ألمانية واحدة سميت ldquo;ألمانيا الاتحاديةrdquo;. وظلت ألمانيا الشرقية على حالها دولة شيوعية تحت هيمنة الاتحاد السوفييتي. وقد كان الألمان وخاصة في القسم الغربي الذي كان أكبر بكثير من القسم الشرقي، يتألمون من هذا الواقع المؤلم الذي وزّع شعبهم على دولتين مختلفتين. ولذلك قرر الغربيون شراء وحدتهم من الاتحاد السوفييتي، فقام المستشار الأسبق هيلموت كول في أواخر الثمانينات بالتفاوض مع سكرتير الحزب الشيوعي السوفييتي غورباتشوف على شراء ألمانيا الشرقية من أجل توحيد الألمانيتين، وقد رفض غورباتشوف في البداية هذا الأمر، لكنه وافق بعد أن دفعت ألمانيا الغربية خمسة عشر مليار مارك ثمن ألمانيا الشرقية. وعند ذلك انسحب الجيش الأحمر من شرق ألمانيا عام ،1990 وتم تحطيم جدار برلين، وعادت ألمانيا موحّدة. ولو لم يدفع الألمان ذلك المبلغ المالي الكبير، لما كان بالإمكان تحطيم النظام الشيوعي الذي كان قوياً في ألمانيا الشرقية، ولكانت ألمانيا اليوم مثل كوريا، مقسّمة إلى دولتين. والواقع أن العرب اليوم بحاجة إلى دولة عربية تأخذ على عاتقها مهمة توحيد الأقطار العربية في دولة واحدة، وذلك من خلال شراء المواقف الدولية، كما فعلت ألمانيا. وهذا الأمر ليس بعزيز إذا ما توافرت النيّة الصادقة نحو هذا الهدف. وإذا لم يحدث ذلك، فإن الخلافات سوف تزداد في هذه الأمة، وقد يصل العرب إلى يوم لا يجدون فيه ما يجمع بينهم، لأنهم سيكونون قد سقطوا في مهوى الطائفية والمذهبية والعرقية، وهو ما تسعى إليه الآن قوى الشرّ العالمية.