مازن عبد الرزاق بليله

النبي محمد، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، حبيب الله، وصفيه من خلقه، القائد والمربي الأول، لكل الأمة الإسلامية، النبي الذي يذكره المسلم 10 مرات في صلاته كل يوم، هو الأسوة والمرشد والقدوة، من العيب ومن العار ومن التقصير، السكوت على معصية التطاول عليه بالسخرية والاستهزاء، برسوم كاريكاتورية، من مجموعة حاقدة، ممن يدعي حرية التعبير، زورا وبهتانا، ومن المهم أن نستحضر أن الدين الإسلامي لا يفرق بين الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين الدين، فحب الرسول جزء لا يتجرأ من الدين، ومعظم التشريعات جاءت بتفصيل بقوله أو فعله أو بالشرح أو بالإشارة، أو بالتأييد، ومحبته من الإيمان، فليس هناك حد يفصل بين شخصية الرسول وبين الدين، فالتطاول على شخصية الرسول تطاول على الدين الإسلامي، وتطاول على من أرسله رحمة للعالمين، وتطاول على كل من اتبعه واعتنق دينه وآمن برسالته.

لقد أسقط مجلس الشورى، في خبر نشرته معظم الصحف المحلية، الأسبوع الماضي، توصية تنادي بأهمية وضع ميثاق لاحترام الأديان، في هيئة الأمم، وكانت الحجة، كما شرحها الطرف المعارض، أن ذلك سيكون سببا للاعتراف الضمني بالأديان الأخرى، مثل الهندوسية والبوذية، وأن القرآن الكريم يتضمن لعنا لليهود والنصارى وتكفيرهم، فكيف نطلب ميثاقا لاحترام الديانات الأخرى، مما يعني أننا سنقبل إلغاء بعض ما ورد في القرآن الكريم، من آيات تندد بالديانات الأخرى، وعلى رأسها اليهودية والنصرانية، ومع الاحترام والتقدير لمن يقول بذلك، فالأمر يحتاج إلى إعادة نظر، فالعلاقة مع اليهود والنصارى لها ضوابط وتعليمات مقننة لا تحتاج معها إلى اجتهادات أو مزايدات.

الإسلام لم ينتشر بالسيف، إنما بالإقناع، وكثير من المنصفين، في حكومة الولايات المتحدة، وبريطانيا، والأمين العام لهيئة الأمم، يحترمون الدين الإسلامي، وعبروا بما ينتقد ويعيب مثل هذا التوجه البغيض والمرفوض، في ترك العنان للبعض أن ينال بالسخرية، من الأديان الأخرى، مما يعني أن الدول المتقدمة، المنصفة، كانت ضد الاستهزاء بالإسلام، وقد اعترف أسقف كانتربري البريطاني، المطران روان ويليامز، في كنيسته، وأمام جمع من المسحيين، بأن على بريطانيا أخذ بعض أحكامها من التشريع الإسلامي، ولم يتراجع بالرغم من الحملة الصحفية التي قامت ضده، وفي وقت سابق احتفل الكونجرس الأمريكي بعيد الفطر المبارك، وأقر بالدين الإسلامي، كدين سماوي يدعو للسلام، وللسماحة، ومكارم الأخلاق، ووصفه الأمير تشارلز، ولي العهد البريطاني، في زيارته للأزهر بأنه دين السلام، وكان أول من رد على الاستهزاء على الكاريكاتير وندد بفاعليه، أقباط مصر المسيحيون، فليس من المعقول ولا من الممكن أن يفهم المنصفون من النصارى، سماحة الإسلام أكثر من أبنائه.

تضمين آيات القرآن الكريم وصف اليهود والنصارى بالكفر، عقيدة يؤمن بها المسلمون، ولكن التعامل معهم شأن آخر، له أحكامه المفصلة، ولا يرى الإسلام النيل والاستهزاء، بالأديان الأخرى، ولا يسمح لهم الدين الحنيف بذلك، بل المنهج الإسلامي ينص على قوله تعالى (لا إكراه في الدين)، وقد عاش اليهود والنصارى أهل ذمة مع المسلمين، في ديار الإسلام، وهم يعرفون ذلك، والتاريخ يشهد بحسن المعاملة، ولم يعنفوا ولم يكرهوا، وكانوا معززين، محفوظة كل حقوقهم، وأمر الدين بالإحسان لهم في أكثر من موضع، إذا لم يحاربوا الدين، (أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، ونهى الإسلام عن سب آلهة المشركين، حفاظا على حرمة الدين (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)، فالإيمان أمر، والاستهزاء أمر آخر، وقد فهم الغرب ذلك الفرق وتعامل مع سماحة الإسلام بهذا المنظور.

في السابق عندما كان حكام جنوب أفريقيا يمارسون علنا سياسة الفصل العنصري على أساس اللون، وتمت مقاطعة حكومتهم من معظم دول العالم، عدا إسرائيل، ومنعت من المشاركات الرياضية حتى سقطت الحكومة العنصرية وأعطيت مقاليد الأمر لحكومة شعبية من أهم صفاتها، إلغاء سياسة الفصل العنصري، واليوم تمارس حكومة الدنمارك، سياسة التمييز العنصري على أساس ديني، فتسمح باسم حرية التعبير بممارسة الاستهزاء بدين الشعوب الأخرى، ودين الجالية المسلمة التي تعيش على أرضها، فيجب مقاطعتها سياسيا، حتى ترتدع وتجعل في نظامها ما يشرع احترام أديان ومعتقدات ورسالات الشعوب الأخرى، ويجرم الاستهزاء بالرسل.

ليس أمام الحكومات العربية والإسلامية، إلا طريق واحد اليوم، وهو طريق المقاطعة السياسية للدنمارك، فالمظاهرات الشعبية، غير مسموح بها في كثير من الدول، وأحيانا تجر وراءها شغباً وفوضى وتتجاوز حدودها الشرعية، والمقاطعة الاقتصادية تمت تجربتها، وهي فعالة وناجحة بدون شك، لكن قد يتضرر منها غير أهلها من العاملين، في محيطها، وتكرار الدنمارك نشر الرسوم المشينة إصرار على الخطأ وتحد مستمر للمسلمين، ولم يتبق أمامنا سوى المقاطعة السياسية، والمقاطعة حق شرعي تقره الأمم المتحدة، للدول العنصرية، التي تتحدى المبادئ والمثل العليا.