خالد السرجاني
من الخطأ التعامل مع محاولات تشويه الإسلام في العالم الغربي باعتبارها تندرج فقط في خانة حرية التعبير، وهي من بين الحريات العامة المقدسة في الدول الغربية، وذلك لأنها تحولت من المحاولات الفردية التي يمكن أن نتغاضى عنها إلى الظاهرة التي تزداد انتشارا يوما بعد يوم، بما يؤكد أنها مقصودة وان هناك جهات تقف وراءها وتسعى إلى تأجيجها وتحول دون التوصل إلى صيغ للتفاهم بين الغرب والعالم الإسلامي، فخلال العامين الماضيين فقط شهدت هذه العلاقة أزمة الرسوم الدنماركية المسيئة إلى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهي رسوم تكرر نشرها أكثر من مرة في أكثر من مناسبة وفي أكثر من دولة، وفي الوقت الراهن تتجدد الأزمة مع الفيلم الذي أنتجه عضو في البرلمان الهولندي بما يجدد لدينا الأزمة حول فيلم آخر أخرجه المخرج الهولندي ثيو فان جوخ الذي لقي حتفه.
ونحن بالطبع لسنا في حاجة إلى التذكير بأن هناك تعارضا في القيم بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية، ولكن هذا الأمر تاريخي ولا يلغي أية إمكانيات للتعايش بين الجانبين، ولكن ما يثير الارتياب هذه المرة هو أن البحث في أعماق الأزمات الحالية المتوالية سيؤكد أمرا أساسيا وهو أن هناك عاملا مشتركا فيما بينها وهو انخراط اليمين الأوروبي بها بصورة مباشرة، وانه عادة ما يكون مدعوما من اليمين الأميركي، بما يعني أننا نشهد صراعا بين اليمين الغربي والإسلام وليس بين الإسلام والغرب.
ويبدو من سياق الأزمات أنه كلما سعى طرف إلى التهدئة يتدخل اليمين الغربي مرة أخرى من أجل إشعالها، سواء عبر إعادة نشر الرسوم في صحف موالية له أو أن يقوم مسؤول يميني بإطلاق تصريحات تسيء للإسلام تعيد الأزمة مرة أخرى إلى المربع رقم واحد، وهو ما يعيد إنتاج الأزمة بين الجانبين بما يؤكد أنه ليست هناك اية إمكانية للتعايش بين الإسلام والغرب في ظل الظروف الراهنة.
والأمر المؤكد في الأزمات المتتالية التي تشهدها العلاقة بين الغرب والإسلام هو أن معظم الذين شاركوا فيها ينتمون لليمين، فالمخرج الهولندي كان منتميا لليمين ومن حزنت عليه ونظمت من اجله المظاهرات التي نددت بالإسلام والمسلمين هي الأحزاب اليمينية الهولندية، والصحف التي نشرت الرسوم المسيئة للرسول تنتمي في معظمها لليمين ومن يؤلفون الكتب حول الفاشية الإسلامية هم من رموز المحافظين الجدد، وهو تيار يمثل اعتى أفكار اليمين.
وهذا السلوك يهدف إلى تطبيق نظرية صراع الحضارات على ارض الواقع وهي من إبداع عالم السياسة الأميركي صامويل هنتنغتون وهو من المنتمين إلى اليمين الأميركي، الأمر الذي يؤكد أن هناك محاولات يمينية غربية لافتعال أزمة مع الإسلام واستمرارها لأنها تحقق لهم مصالح سياسية واضحة.
وما يسعى إليه اليمين الغربي هو أن تصبح نظرية صراع الحضارات مطبقة على ارض الواقع، وهذا التطبيق له تجليات أخرى في مقدمتها إيجاد عدو جديد بديل عن الشيوعية في السابق، وهذا الخيار له مكاسب اقتصادية متعددة في مقدمتها استمرار سيطرة المجمع العسكري الصناعي على مقاليد الدول، خاصة في الولايات المتحدة، حيث إن سقوط الشيوعية وانهيار دول الستار الحديدي كانا ينذران بانتهاء هذه السيطرة.
وإذا كانت الحرب ضد الإرهاب التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر أعطت الفرصة لليمين كي يمارس نفس السياسات المتوخاة من صدام الحضارات فإن تطبيق النظرية الأساسية نفسها وفي الأجواء المناسبة لها وهي الفجوة الكبيرة بين العالم الإسلامي والغرب، وهو الذي يمكن أن يعطي لهذه السياسة صفة الديمومة؛ ومن هنا نستطيع أن نفهم السعي المستمر والدؤوب لدى اليمين الأميركي وتوابعه في أوروبا من اجل استمرار الفجوة مع العالم الإسلامي.
وإذا كانت النظرية الأساسية لصدام الحضارات تقوم على انه سيكون هناك تحالف حضاري بين الإسلام والكونفوشوسية ممثلة بالصين لتواجه الحضارة الغربية المسيحية المتحالفة مع اليهودية، فإننا لانعدم في الوقت الراهن، محاولات من اليمين الأميركي لدفع المسلمين للتحالف مع الصين من اجل التصدي لمحاولات غربية في مواجهة الجانبين، وهذا التحالف يبدو حاليا في الموقف من دارفور التي يضغط الغرب بصورة واضحة على السودان بما دفعها دفعا للتحالف مع الصين، ولعل الضغوط على الصين حاليا على خلفية أزمة التيبت هي محاولة في نفس الاتجاه، أي دفع الصين إلى توطيد تحالفها مع العالم الإسلامي.
وبالطبع فإن ردود الفعل الغاضبة في العالم الإسلامي هي في الواقع مبررة لكنها ليست هي السبيل الوحيد للتصدي لهذه الهجمة الشرسة والمخططة للهجوم على الإسلام وازدرائه هو والمؤمنين به سواء كديانة أم كثقافة، فالطريقة المثلى للتصدي لهذه الحملة هي المضي قدما في الحوار بين العالم الإسلامي والغرب وليس وقف هذه الآلية حسبما دعت أصوات عديدة في العالم الإسلامي، كذلك فإن فتح قنوات سياسية للحوار مع القوى السياسية الأخرى خاصة القوى اليسارية يعد من الأساليب المهمة للتصدي لهذه الهجمة على أن يكون الحوار على الجانبين بهدف تأكيد ثقافة الحوار والتسامح لدى المسلمين.
ذلك لأن التطورات الحالية في العالم تصور الإسلام على انه لا يضم سوى أمثال أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي من المتشددين، في الوقت الذي يتوارى في الخلف المعتدلون.
وبالتالي فإن الحوار يجب أن يهدف إلى إظهار تنوع الإسلام واعتداله وبيان أن المتطرفين فيه هم الأقلية وليسوا كما يسعى اليمين الغربي إلى تصويرهم باعتبارهم هم فقط الممثلين الشرعيين للإسلام. فما يحدث على ارض الواقع هو سعي لتوسيع الفجوة من اجل تحقيق أهداف سياسية، وبالتالي فإن معالجة هذا الأمر بالأساليب السياسية يصبح هو الأسلوب الأمثل في المواجهة.
التعليقات