عبدالله ناصر الفوزان

أحياناً يصعب علي فهم سياستنا الخارجية.
إذا أعلن زعيم سياسي quot;أو هكذا يعتبر نفسهquot; أنه سيزور بلدين ليقنعهما بحل مشكلة يشتركان فيها حسب اعتقاده، فهل من المقبول أن يسارع بعد زيارة الطرف الأول بتبرئته ويعلن هذا في مؤتمر صحفي وعلى رؤوس الأشهاد؟؟ وإذا فعل هذا فلماذا يا ترى يزور الطرف الثاني...؟
السيد نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني يكرر دائماً أن حل المشكلة اللبنانية ليس في لبنان وإنما في سوريا والمملكة العربية السعودية، ويقول إن لسوريا حلفاء في لبنان وللمملكة العربية السعودية حلفاء وهما بإقناع حلفائهما يستطيعان حل المشكلة... ويبدو أنه اقتنع أن كل زعماء العالم والزعماء العرب لم يدركوا هذا الأمر، أو أنهم أدركوه ولم يستطيعوا إقناع القيادة في سوريا والمملكة، فقرر هو بما يملكه من (ثقل كبير وحكمة بالغة) أن يقوم بالمهمة بنفسه ويزور البلدين من أجل هذا الغرض.
حسناً... لا بأس... سنذهب معك للآخر يا نبيه بري... لقد زار السيد نبيه سوريا في الأسبوع الماضي، واستقبله بشار الأسد.. ونائبه فاروق الشرع وقالا له ما كانا يرددانه دائماً (أقوال لا أفعال) إن سوريا لا تتدخل في لبنان، وتدعم اتفاق اللبنانيين، ولا تفرض شروطاً على هذا الاتفاق، ويبدو أنه انتشى بعد هذا الاستقبال الحار فعقد مؤتمراً صحفياً في دمشق وأعلن بصوت مرتفع أن سوريا ليس لديها أية شروط لكي يتوافق اللبنانيون على حل مشكلتهم، ثم عاد إلى بيروت مزهواً بإنجاز مهمته في دمشق بنجاح، وهو يستعد الآن للمجيء إلينا ليكمل مهمته.
يا سلام يا نبيه بري...!!
أنت الآن ومساعدوك ومحطتك التلفزيونية تعبرون عن نجاح مهمتك في دمشق... ولذلك فستستكمل المهمة بزيارتنا في المملكة... فماذا تريد منا بالضبط...؟؟
إن معنى ما قلته في مؤتمرك الصحفي في دمشق أننا نحن الذين نفرض شروطاً على توافق اللبنانيين على حل مشكلتهم وأنك ستأتي إلينا لتقنعنا بالتنازل عن تلك الشروط لتنتهي المشكلة.
حسناً... إني أقول إذاً للسيد نبيه بري وأنا المواطن البسيط وفر عليك جهدك.. فما دمت قد قلت ما قلت في مؤتمرك الصحفي... وما دام أن هذا هو كل ما تريده... وأنك قد صدقت ما قاله لك الإخوة في سوريا من كلام قديم مكرر، وحاولت أن تقنع سامعيك بصدقه وبالتالي أصدرت صك براءة للنظام السوري... فاعلم أننا في المملكة نحن الذين لا نفرض شروطاً على توافقكم أيها اللبنانيون، وليس لدينا ما نفرض به الشروط ولا نحاول أن يكون لدينا ذلك، ولذلك تُفرض علينا الشروط أحيانا، ولو كان الأمر غير ذلك فهل كان من الممكن أن نفاجأ بأن من بين الـquot;150quot; من معتقلي فتح الإسلام quot;51quot; من شبابنا..؟؟ واعلم أن هذا سيقوله لك كل مسؤول لدينا صغر أم كبر... ولذا فليس هناك ما يدعو لأن تكلف نفسك وتأتي إلينا، فأعلن هذا في مؤتمر صحفي في بيروت كما فعلت في دمشق وأعلن بالتالي نجاح مهمتك ما دام أن هذا هو ما تريده.
إني - كما قلت في مطلع المقال - لا أفهم أحياناً سياستنا الخارجية... فلماذا يا ترى نستقبل السيد نبيه بري بعد أن قال ما قال في مؤتمره الصحفي في دمشق؟
لو أحسنت الظن بالسيد نبيه بري فإني سأقول إنه أصلاً يدرك كل شيء، ويدرك ما سيقوله له الإخوة في سوريا قبل أن يذهب إليهم، ولكنه فقط أراد من زيارته توفير بعض اللمعان لنفسه بعد أن تراكم عليه الصدأ نتيجة لسحب حزب الله كل مواطن القوة منه، وفي هذه الحالة قد تكون سوريا مستفيدة من تلميعه ولكن نحن ما مصلحتنا من ذلك، لماذا نساهم في تلميع سياسي تابع بحكم الاضطرار للطرف الآخر؟
إن نبيه بري يأتي إلينا معتبراً نفسه محايداً وحكماً... وهذا غير صحيح... فهو طرف في المشكلة... وليته كان طرفاً مؤثراً مستقلاً في الرأي والموقف... ولكنه ليس كذلك... ومع هذا فهو الآن يتذاكى علينا... يقول بحرارة وبصوت مرتفع في مؤتمره الصحفي في دمشق إن سوريا ليس لديها شروط كي يتوافق اللبنانيون على حل مشكلتهم ويحاول تأكيد ذلك وإثباته... ثم يريد أن يأتي إلينا وكأننا نحن الذين لدينا الشروط وهو يريد أن يقنعنا بالتخلي عنها ليتوافق اللبنانيون.
إني أقدر نبيه بري كشخصية سياسية محاورة وذكية... ولكن كما قال كاتب الثورة العباسية لآخر خليفة أموي... محا السيف أسطر البلاغة... إذ إن سيوف حزب الله قد محت ما كان لنبيه بري من قوة وإرادة، وارتضى لنفسه بعد ذلك - ربما مضطراً - أن يظل كما هو الآن ظلاً لغيره في حالة لا تتلاءم مطلقاً مع قدراته الذهنية والسياسية... ولذلك أقول له.. رجاء.. يا نبيه بري.. لا تتذاكى علينا، فالمسألة واضحة.. فما قاله لك الإخوة السوريون قالوه قبل ذلك مراراً... وكرروه وأعادوه ولكنهم لا يدعمونه بالأفعال... وأنت تعرف ذلك... وإذن فما فائدة الكلام...؟؟