عبدالعزيز المقالح

..لا أشك في أن عنوان هذا الحديث سيكون أهم شعار مستقبلي ترفعه حكومات العالم قاطبة، الغني منها إلي حد التخمة، والفقير منها إلي حد التسول، وذلك ليس لما يتردد من أقوال عن ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية، أو عن ما تتعرض له هذه المحاصيل من تناقص مستمر، جراء تخريب البيئة الطبيعية التي يقوم بها الكبار، وإنما لأن كل خلاف قد يكبر أو يصغر داخل هذا الشعب أو ذاك، لا يجب ان ينسي الناس الحقيقة المؤلمة التي تهدد شعوباً بأكملها بالموت جوعاًَ، وأي خلاف أو اختلاف سيغدو فاقد الأهمية مقابل الهم الأكبر، المتعلق بتوفير الخبز في حده الأدني من الجودة والوجود.

ولم يحدث في التاريخ أن خرج الناس زرافات ووحدانا إلي الشوارع في ثورات شعبية عاصفة سوي تحت وطأة الجوع. ومن هنا، فالخبز هو المفتاح الأول للاستقرار، وفي كل بلدان العالم الناهض والمتقدم يكون المخزون الاستراتيجي من الطعام هو علامة الاستقرار الحقيقي، ومصدر الأمن القومي والوطني.

وكنا نحن في هذا البلد العزيز وإلي وقت قريب نشعر بهذه المسؤولية، ونسعي إلي تحقيق فكرة المخزون الاستراتيجي ولو في حده الأدني، وكانت الدولة، وليس المضاربون بأقوات الشعب، هي التي تستورد الحبوب، وتوزعها علي المواطنين بأسعار معقولة وبدون أرباح، وفجأة وقعنا تحت وطأة اخطبوط البنك الدولي من جهة والخصخصة من جهة ثانية، فكانت النتيجة ما نري وما نسمع!!

ومنذ أيام أصدر البنك الدولي إياه تعميماً عن تناقص المحاصيل، وارتفاع اثمان المواد الغذائية، ووضع اسماء ثلاثة وثلاثين بلداً من العالم الثالث في قائمة البلدان التي ستتعرض لنقص في الاغذية الضرورية، وأتمني ان لا تكون بلادنا ضمن هذه القائمة المرعبة. وأن تولي حكومتنا الموضوع اهتماما أكبر، سوف تجعل المواطنين يطمئنون علي حاضرهم الراهن وعلي مستقبلهم القريب، وأن تعيد النظر في الاجراء الجنوبي والعابث الذي اتخذته إحدي الحكومات السابقة في بيع مطاحن الغلال، والتخلي عن المشاركة في استيراد القمح لمنافسة التجار الجشعين، الذين لا يكترثون لما سوف يصيب الوطن من أزمات وكوارث، وهم يظنون أو يتوهمون أن فوضي الجوع إن حدثت لن تصيبهم في الصميم.

إن كل شيء مقدور عليه ويمكن مواجهته باستثناء الجوع، هذا الخطر الذي يهدد السلم الاجتماعي، ويترتب عليه استقرار الناس، وبقاؤهم علي قيد الحياة، وكل إجراء في مجال توفير الخبز، لا ينبغي أن يدخل في تصنيفات الرأسمالية والاشتراكية والقطاع العام والخاص فالإدارة الأمريكية وهي تعكس الصورة النموذجية للنظام الرأسمالي الحر لا يمكن ان تترك أقوات الناس ومخزوناتها الاستراتيجية من الحبوب والنفط وغيرها في قبضة المضاربين وتجار السوق السوداء ولا مناص من هنا من اعداد استراتيجية الخبز لمواجهة كل الاحتمالات المقبلة ولن يعذر التاريخ أحدا من المسؤولين أو يغفر له تقاعسه عن هذه المهمة الوطنية التي ينبغي ان تكون في طليعة أهداف كل سياسي لديه احساس وطني عميق وصادق.

وتبقي الاشارة الأخيرة والأهم وهي ينبغي ان لا تكون الخلافات السياسية والاختلافات في وجهات النظر مدعاة الي منع الاجماع والاصطفاف لمواجهة الهموم والمشكلات المعيشية والاجتماعية والشعور بالمسؤولية تجاه الوضع الاقتصادي المأزوم.