الياس حرفوش
لا تستحق لقاءات رئيس اميركا السابق جيمي كارتر مع قادة حركة laquo;حماسraquo; الضجة الاعلامية التي ترافقها. لا الرجل في عمر يستطيع فيه تحقيق المعجزات ولا المنطقة في مناخ laquo;كمب ديفيدraquo; جديد، طالما ان الذين يقودون مسيرتنا الى النصر، والذين يريد كارتر سحب الالتزام بالسلام من افواههم، لا ينظرون بعين العطف الى ذلك laquo;الانجازraquo; الذي تحقق في عهده، نتيجة اقدام الرئيس الراحل انور السادات على كسر laquo;الجدار النفسيraquo; مع اسرائيل. ذلك الانجاز الذي اتاح للرئيس الاسبق أن يقطف ثمرة الاتفاق المصري - الاسرائىلي الذي فتح المنطقة على عصر جديد، ووفّر فرصة لكارتر للفوز في ما بعد بجائزة نوبل للسلام.
قد تفيد جولة كارتر في المجال الاستعراضي. فهي تمنح laquo;حماسraquo; منبراً دولياً لعرض مواقفها واسماع صوتها، وتمنح اسرئيل فرصة لكشف ضيق نظرها وتخبط سياستها، عبر محاولة منع كارتر من لقاء قادة laquo;حماسraquo;، وكأن هذا المنع يزيل الحركة من الوجود. اما في المسائل الاساسية التي تعني الأزمة المتفاقمة في غزة، والتي تدور حول وقف الاعتداءات الاسرائيلية على القطاع ووقف الصواريخ على سيديروت واطلاق الجندي الاسرائيلي، فضلاً عن الخلاف بين اهل البيت الفلسطيني، فليس في يد كارتر كثير من الحيلة. اسرائيل قاطعته، ورئيسها الذي كان المسؤول الوحيد الذي التقاه، اسمعه كلاماً غاضباً، مع ان الرجلين laquo;زميلانraquo; في حقل نوبل. اما قادة laquo;حماسraquo; وفي مقدمتهم رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، فقد نقلوا اليه كلاماً طيباً عن رغبتهم في السلام واستعدادهم لقبول أي اتفاق يتوصل اليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اسرائيل اذا وافق عليه الشعب الفلسطيني. لكن بين هذه النيات الطيبة وما تفعله laquo;حماسraquo; على الارض، كي لا نتحدث عن موقفها المبدئي التخويني لأي صيغة سلام مقبولة تنهي الصراع على أساس حل الدولتين، هوة كبيرة ليس في وسع كارتر ولا في يده ان يردمها.
هذا في ما يتعلق بالطرفين الاساسيين في النزاع اللذين سيكتشف كارتر، مثلما اكتشف وسطاء آخرون في مواقع اكثر مسؤولية منه، صعوبة تحقيق أي اختراق في مواقفهما، اذا لم يكونا معاً مستعدين ومقتنعين بأهمية هذا الاختراق. أما في ما يتعلق بالجانب الاميركي الذي يفترض ان laquo;يمثلهraquo; كارتر في هذه المحادثات وأن يشكل قوة ضغط عليه، فقد تبرأت ادارة الرئيس بوش من الجولة، وكذلك فعل الديموقراطيون، حزب كارتر، بمن فيهم المرشح باراك اوباما laquo;صديق العربraquo;، الذي قال انه على laquo;خلاف جذريraquo; مع كارتر، laquo;لأننا لا يجوز ان نتفاوض مع مجموعة ارهابية هدفها تدمير اسرائيلraquo;.
مرة اخرى، قد يعيش الرئيس الاميركي الاسبق على ذكرياته، لكن المنطقة تفتقر الآن الى سادات آخر وحتى الى بيغن. فنحن نعيش عصر الاصوليات والمتطرفين من كل جانب، وفي عصر كهذا يبدو السلام آخر لغة صالحة للاستهلاك والاستعمال. في عصر كهذا تموت المبادرات السلمية مهما كانت خلاقة، والتي كانت آخرها المبادرة العربية التي عرضت انهاء النزاع على أسس عادلة تكفل حقوقاً معقولة للجميع، لكن المتطرفين من الجانبين كانوا لها بالمرصاد.
انه عصر طلع نجمه حقيقة مع أفول شمس ادارة كارتر. بل ان تلك الادارة دفعت ثمناً باهظاً لذلك ما منعها من التجديد 4 سنوات اخرى واتى برونالد ريغان الى البيت الابيض، ممهداً الطريق امام عصر المحافظين الذي ورثه الرئيس الحالي. لعل ذاكرة الرئيس الاسبق لا تسعفه كثيراً، لكن الحقيقة ان الثقافة التي انجبها احتجاز الرهائن الاميركيين في سفارة بلادهم في طهران هي نفسها الثقافة التي تكفل اليوم تدمير كل فرصة للسلام، وهي الثقافة التي جاء كارتر، حالماً، للتفاوض معها.
التعليقات