حسن مدن

إذا كانت الجاليات الأجنبية، الآسيوية منها بشكل خاص، في بلدان الخليج، تشكل عوالم مغلقة بوجه المحيط المحلي في هذه البلدان الذي يجهل تفاصيل كثيرة عن معيشتها وأشكال تواصلها الداخلي، فإن هذه الجاليات شأنها شأن أمور كثيرة في مجتمعاتنا مفتوحة على الخارج.

ولكن بأي معنى؟

في الدرجة الأساسية فإن دول المصدر بالنسبة لهذه الجاليات، أو أوطانها الأم، معنية بشكل كبير بأوضاع أبنائها، خاصة وأن التحويلات المالية لأفراد هذه الجاليات في الخليج إلى أوطانهم تشكل أحد عوامل تنشيط الدورة الاقتصادية في بلدان المصدر.

وهي قد بدأت في المطالبة وربما الضغط من أجل سن ما يلزم من التشريعات لتأمين مثل هذه الظروف. وقد تحث مواطنيها في المستقبل، ولعلها بدأت في حثهم، على إبداء أشكال من التكافل والتضامن الرامي لتأمين مثل هذه الظروف.

هذا أمر جدير بأن ينال منا العناية الكافية حين ننصرف إلى التأمل في مستقبل التنمية في مجتمعات الخليج ومستقبل التركيبة السكانية فيها.

ومن البديهي أن تسود النظرة الواقعية التي ترى أن معدلات النمو الحالية في بلدان الخليج ونمط المعيشة السائد بما ينطوي عليه من رفاهية ويسر بالنسبة لأبناء المنطقة، ما كان يمكن أن تتحقق دون هذه الكثافة الكبيرة من العمالة الأجنبية، الآسيوية خاصة.

ولكن الاطمئنان إلى ذلك والنوم على أسرة من حرير من دون التبصر في المستقبل وعواقبه ينم عن سوء تقدير لحجم الظاهرة ولعواقبها، ولا بد من التذكير بتلك المقولات التي ترى في هذا الاعتماد المبالغ فيه على الخارج قنبلة موقوتة، لن نكون قادرين على تجنب انفجارها، خاصة أن الصاعق ليس في أيدينا.

لم يسبق أن شهدنا هذا التدويل الواسع للظواهر والحالات، ومجتمعات الخليج بحكم ما فيها من ثروات وما تحتله من موقع لا يمكن إلا أن تكون في قلب هذا التدويل، على الأقل من زاوية استراتيجية سلعة النفط الموجودة في أحشائها.

آليات العولمة تطال بالضرورة قضية العمالة الأجنبية التي بُدئ في استخدامها، من قبل الدوائر الدولية النافذة والمنظمات العالمية، كورقة ضاغطة على بلدان المنطقة.

من العبث القول إن الوقت قد آن للتفكر في الأمر. الأصح القول إن الوقت يكاد يكون متأخرا، والأجدى هو السعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر قرارات جريئة لا بد منها.