أحمد القديدى

(الحروب اللقيطة) هو عنوان آخر كتاب سياسي صدر في باريس تأليف الاعلاميين الخبيرين بشؤون العلاقات الدولية وهما (جون مارك بالنسيه دكتور دولة في العلوم السياسية وأرنو دو لا غرانج المراسل الحربي لصحيفة لو فيجارو الباريسية) وهما يكتبان وينشران باستمرار في المجلات المحكمة المختصة بالأبعاد الاستراتيجية العالمية. والكتاب الجديد لا يتردد في ادانة الحروب التي يشنها الغرب (أي الولايات المتحدة وحلف الناتو) في العراق وأفغانستان وكذلك التي تشنها إسرائيل في فلسطين ولبنان فيسميها بالحروب اللقيطة. ويشرح المؤلفان هذا النعت بالقول إن هذه الحروب التي بدأت تفجر العراق وتمزق أفغانستان وتزيد من مأساة فلسطين وتقسم لبنان تجمع في خندق محارب واحد دولا غربية أمريكية وأوروبية إلى جانب الدولة العبرية في صراع خاسر ضد الشعوب من أجل غايات لم تحدد إلى اليوم بل أغلبها مبني على البهتان ويعتمد على آلية جهنمية من الديماغوجيا والدعاية الكاذبة. يتزامن صدور الكتاب مع الغضبة التي أعلنها الجنرال الأمريكي (أنتوني زيني) الذي كان مبعوث الرئيس بوش إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية والقائد المركزي للجيوش الأمريكية حين طالب بخروج بلاده مما سماه سجن الانعزال الطوعي الذي انحشرت فيه منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ورددت الأسبوعية الفرنسية (لكسبرس) انتقاداته العنيفة للحرب العراقية التي وصفها الجنرال بأنها فاشلة لثلاثة أسباب هي 1) جهل أصحاب القرار السياسي بحقيقة الواقع الاستراتيجي والدولي. و2) عدم جهوزية الجيش الأمريكي لهكذا مهمة، وأخيرا 3) جهل تام بحقيقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يحتل منزلة قلب الزلزال وعين العاصفة في أزمات الشرق الأوسط.

و عودة للكتاب الفرنسي (الحروب اللقيطة) حيث يحلل الخبيران أسباب ما يسميانه بصراحة quot; هزيمة الغربquot; لأن كلا من الحلفاء في العراق وقوات حلف الناتو في أفغانستان واضطهاد إسرائيل لشعب كامل بالعقاب الجماعي تشكل وجها لعملة غربية واحدة تحاول جاهدة تحقيق انتصارات في ساحات يعتقد الكاتبان أن الانتصار فيها من باب المستحيل معللين ذلك بمقولة تاريخية معروفة وهي أنه لا يوجد شعب عبر آلاف السنين مني بهزيمة وهو يدافع عن أرضه. ثم انهما يفككان آلية خصوم الغرب فيؤكدان بأن هؤلاء العراقيين والأفغان والفلسطينيين واللبنانيين الذين يريد الغرب اخضاعهم وترتيب أوضاعهم على قياس مصالحه تمكنوا من التلاؤم عسكريا ونفسيا واعلاميا مع العدو الغربي والإسرائيلي بابتكار مناهج جديدة للمواجهة، أثبتت نجاعتها وصلابتها وطول نفسها في بغداد وكابول وغزة وجنوب لبنان.

فالغرب بصدد خسارة الحروب غير متعظ بهزائم الغاصبين في فيتنام والجزائر وانهزام الجيش السوفييتي في أفغانستان. ويقول المؤلفان إن بروز الجيل الرابع من المقاتلين المسلمين تميز بنوعية جديدة من القتال لا تلحق الهزيمة التقليدية المعروفة بالعدو بل تنتصر عليه بطريقة الاستنزاف طويل المدى وذلك باقناعه تدريجيا بعدم جدوى الحرب مؤلبة عليه رأيه العام الضاغط والاستمرار في كيل الضربات الموجعة له بفضل حروب العصابات وعمليات القنص والعبوات الناسفة والهجمات الاستشهادية إلى درجة يستحيل على العدو مواصلة احتلال الأرض بهذا الثمن الباهظ. ويعتقد الكاتبان بأن الارادة الحديدية لدى المجاهدين هي التي جعلت الاستشهاد (ويسميه الكتاب بالانتحار) وسيلة لقهر العدو الذي تنقصه روح الايمان بما يفعله وتعوزه الثقة في دوافع حربه فهو اذن على الدوام الغاصب الخائف ولا يسعفه التفوق العسكري والتكنولوجي الكبير لتحقيق أهدافه. ويختم الخبيران كتابهما هذا بانذار الحكومات الغربية ونصيحتها باعادة النظر في العلاقات العدائية التي تدفعها اليها قوى عنصرية خفية لمواجهة العالم الإسلامي.

من جهة أخرى تنقل وسائل الاعلام الأمريكية والأوروبية هذه الأيام أصداء الذكرى الخامسة للكلمة التي قالها الرئيس بوش في أبريل 2003 حين أكد بثقة غريبة أن المهمة انتهت في حين أن الحرب الحقيقية بدأت وتشير أغلب هذه الوسائل إلى الضلال الذي أعمى عيون المحافظين الجدد عن الحقائق الدامغة، والتي يفيق المجتمع المدني الغربي عليها اليوم. فنقابة قدماء المحاربين الأمريكية تقدمت هذا الأسبوع بشكوى للمحاكم ضد البيت الأبيض والبنتاغون لأن عدد المنتحرين من هؤلاء بلغ 6000 شخص عام 2005 (راجع تقرير سي بي إس نيوز ليوم 14 نوفمبر 2007).

ان كل هذه التغيرات التي طرأت على السياسات الغربية عوض أن تدفع النخب الغربية إلى الاعتبار واعادة النظر في جبال من الأخطاء وسوء التقدير، لم تثن بعض المتطرفين عن الهروب إلى الأمام وصم أذانهم عن سماع نصائح حكمائهم. ومن بين أبرز هؤلاء الحكماء نجد المثقف اليهودي الفرنسي الكبير(جون دانيال) مدير المجلة الأسبوعية (لونوفل أبسرفاتور) يتكلم صباح السبت 3 مايو الجاري في إذاعة (فرنسا الثقافية) ليقول إنه يشعر بالعار كإسرائيلي كلما سمع يوميا بقتل طفلة فلسطينية ويشعر بغباء السياسة الإسرائيلية حين يعتقد الليكود بأن هذه الدولة يمكن أن تعيش على قمع شعب فلسطين على الدوام واستمرار الاستيطان وقتل الأطفال!