فوزي الأسمر

مع انتهاء عصر جورج بوش الذي دام ثماني سنوات، ومحاولة أمريكا (حسب تصريحات الرئيس المنتخب باراك أوباما) العودة إلى مركزها العالمي الذي خسرته أثناء وجود الإدارة الجمهورية، بدأت التصريحات بالفشل والاعتراف بالتقصير تتدفق من أفواه مسؤولين في هذه الإدارة.

فقد اعترف جورج بوش في لقاء صحافي أنه أخطأ في حرب العراق كونه دخل حرباً لم يكن مستعداً لها. ولكنه سارع إلى القول إن هذا الخطأ نابع من التقارير غير الدقيقة التي قدمتها له وكالات المخابرات المختلفة. وطبعاً هذا مجرد تهرب من مسؤولية تاريخية، فلو كان الأمر كذلك لوجد بوش عشرات الثغرات للخروج من هذه الحرب. ولكن استمراره فيها واستمراره بتدمير بلد عريق في الحضارات وقتل أبنائه على مدى أكثر من سبع سنوات يؤكد أنه لم يقم بعملية الاحتلال نتيجة تقارير مغلوطة، إنما بتخطيط.

ثم يحاول نائبه ديك تشيني أن يقنع الشعب الأمريكي في رسالة الوداع أن ldquo;يتوقف عن النحيبrdquo;. ويبرر ما فعله وما فعلته إدارة بوش من خرق للقانون بقوله: ldquo;إن الرئيسين فرنكلين روزفلت وأبرهام لنكولن فعلا ما هو أسوأ من ذلكrdquo;، مشيراً إلى قرار روزفلت إبان الحرب العالمية الثانية وضع اليابانيين الأمريكيين في معتقلات، ولنكولن بفرض القوانين العسكرية لإسكات المعارضة.

ثم جاءت محاولة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في مقابلة صحافية، لوضع صورة ldquo;واقعيةrdquo; لما حدث في منطقة الشرق الأوسط معترفة أن: ldquo;العرب يعتبرون جزءاً من علاقاتهم مع الولايات المتحدة فترة إهانة وقلة احترامrdquo; ولكنهم سيعودون إلى رشدهم: ldquo;ومع الوقت فإنه سيتم احترام واقع أن الولايات المتحدة دافعت عن العالم العربي وعن حق العرب في التمتع بالحقوق نفسها التي نتمتع بها نحنrdquo;.

بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما قالت: ldquo;إن التاريخ سيؤكد أن الرئيس بوش كان محقاً عندما يكتشف (العرب) أن العراق الجديد المنبثق عن الحرب التي بدأت منذ خمس سنوات سيغير وجه الشرق الأوسط لأنه سيكون أول ديمقراطية متعددة الإثنيات ومتعددة الطوائف في العالم العربيrdquo;(!!).

وهذا الكلام يبرهن أن رايس ليست على قناعة تامة بما تقوله وإنما جاء هذا الكلام لتبرير المصائب التي لحقت بالعراق والتي أدت إلى تدني شعبية أمريكا لدى الشعوب العربية أكثر مما كانت عليه قبل جورج بوش.

ويعرف العرب جيداً محاولات أمريكا المستمرة في سلب ثروات المنطقة عن طريق خلق حروب وإشاعات لبث الرعب في النفوس عن وجود أزمات عسكرية، وكان على لائحة أهداف أمريكا عند غزوها العراق تقطيع الدول العربية وجعلها مجرد (كانتونات) تحرسها قواتها وقواعدهاrdquo;.

ويتحمل بوش ونائبه ديك تشيني مسؤولية الكذب على شعبهما وعلى العالم، واستغلال هذه الأكاذيب للقيام بالمغامرات الهوجاء في منطقة الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم، وتحدي الدول الحليفة لواشنطن ومحاولة فرض إرادتها عليها. كل هذه الأمور وغيرها هي التي أدت إلى تشويه صورة أمريكا في العالم، وهي التي لعبت دوراً رئيسياً في الانهيار الاقتصادي الذي تمر به أمريكا.

وأدى كل ذلك ليس فقط إلى انهيار شعبية أمريكا لدى الشعوب العربية، بل إلى انهيار شعبية بوش إلى أدنى مستوى وصل إليه أي رئيس أمريكي قبله في أمريكا. بل وأدى إلى أن يُودع خلال زيارته الأخيرة للعراق (14/12/2008) بحذاء، الأمر الذي لم يحدث لأي رئيس دولة في العالم.

الشعوب العربية لن تغفر لبوش ومن وقفوا إلى جانبه لما فعلوه. ولن: ldquo;يؤكد التاريخ أن بوش كان محقاًrdquo; لأن العراق لن تكون فيه ديمقراطية حقيقية إلا بزوال آثار الاحتلال بما في ذلك الديمقرطية المزيفة الموجودة حالياً، وبناء ديمقراطية عراقية حقيقية.

هذه الكراهية التي وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال حكم بوش، ليست موجهة ضدّ الشعب الأمريكي، لأن لدى الشعوب (وبما فيها الأمريكي) مقدرة على فهم الحقائق وقد ظهر ذلك من خلال انخفاض شعبية بوش وهزيمة الحزب الجمهوري في انتخابات الكونجرس والرئاسة. والعرب يعرفون كيف يميزون بين الحكومة والشعب.