زهير قصيباتي
تعقد القمة العربية الاستثنائية أو لا تعقد... تكون ولادة عسيرة للتوافق عليها أو ينشأ خلاف آخر على مكان لقاء القادة الذي يفترض أن يتجاوز لغة التنديد بمجازر الإسرائيلي في غزة؟ أياً يكن الأمر، لن يحجب بشاعة الإبادة لسجين غزة.
سجين غزة المحاصر بالدم والنار بعد الجوع، غارق بالدموع والجنازات، لن يسأل مَن يشجع laquo;حماسraquo; على القتال حتى آخر فلسطيني في القطاع، أين البندقية أو الصاروخ الذي سيحتمي به، فيما لا يسمع مع ضجيج الخراب والعويل سوى أصداء باهتة للشعارات. لا يرى مَن يستنهض المسلمين من بعيد، قد أطلق رصاصة دفاعاً عن فقراء غزة، لا يسمع سوى مزيد من التحريض على الشقيق الفلسطيني، لا يرى إلاّ الزيت على نار الفتنة في الإقليم.
تموز اللبناني 2006 كأنه في وداع 2008، الضحية هذه المرة السجين الشهيد في غزة. في حرب تموز لم تتوقف حمم القتل إلا بقرار دولي نشَرَ القوات الدولية على الحدود مع العدو. الأميركي لم يبدّل أهدافه، مظلة دعم سياسي للإرهاب الإسرائيلي بذريعة إنهاء خطر صواريخ laquo;حماسraquo;، عبر هدنة دائمة، و laquo;ضماناتraquo;. فمن يقدمها؟... لا الحركة حازت شرعية دولية لسلطتها، ولا خمسة أيام من جحيم الإبادة الإسرائيلية ودفع دماء أربعمئة شهيد غلّبت لديها وعي الحقائق على لغة التحدي غير المتكافئ.
الأكيد أن رفض الحركة laquo;مساواة الضحية بالجلادraquo;، لرفض تهدئة يسعى اليها التحرك الأوروبي والتركي، لا يرجح سوى ميل laquo;حماسraquo; الى laquo;الترفعraquo; عن إدراك الثمن الباهظ لذاك التحدي، وهو ليس أقل من مزيد من القتل الإسرائيلي، لإبادة السجين ومَن حوله.
صحيح أن الكارثة أكبر بكثير من لوم laquo;حماسraquo; لعدم إجادتها قراءة حقيقة الأهداف الإسرائيلية في نهاية مرحلة التهدئة، وأولها استكمال عدوان تموز في غزة لاستعادة laquo;قدرة الردعraquo;، لكن الكارثة تتضاعف إن لم تعِ سلطة غزة أن المخرج الوحيد من نفق الإبادة هو إحياء الحوار مع الشقيق الفلسطيني في الضفة الغربية... وأن أي قوة إقليمية لن تعلن الحرب على إسرائيل لـ laquo;محوها من الخريطةraquo;، ولا حتى لجعل القطاع معبراً فعلياً الى حلم الدولة الفلسطينية.
تتضاعف الكارثة بحجم النار والخراب، إذا استسهلت laquo;حماسraquo; الصمود على شروطها، متحصنة بوقع الفجيعة الإنسانية في قطاع غزة، أو توهمت أن ازدياد الشهداء سيرغم الغرب على انتزاع وقفٍ للعدوان الإسرائيلي. أما تأجيج الانقسامات العربية والتجاذب المصري - السوري والمصري - الإيراني، فلن يستدر أي حل إقليمي لمصلحة أي فلسطيني وأي عربي.
وعلى وقع الانقسامات، قد يصح التساؤل عما إذا كانت سلطة غزة لا تعتبر العرب عرباً إن لم يهبّوا لتكريس سلطتها، على حساب حلم الدولة، ووحدة فلسطين. وكيف يمكن طلب موقفٍ عربي موحد يتضامن مع غزة في وجه العدوان، فيما laquo;حماسraquo; لا ترى ضرورة عاجلة لإحياء وحدة الصوت الفلسطيني بالحوار مع الرئيس محمود عباس؟
الأمل أن ينتهي الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة الى قرار عملي، لن يكون عملياً في مطلق الأحوال إلا بمناشدة laquo;حماسraquo; الإصغاء الى لغة الحوار مع الشقيق لمواجهة بربرية العدو، ولن يكون كذلك إلا بامتثال الحركة هذه المرة لموجبات إنقاذ الحلم الفلسطيني.
ذاك وحده سيعفي الفلسطينيين وجميع العرب من laquo;الإحراجraquo; الذي يثيره الرئيس محمود أحمدي نجاد حين يحتج على تباطؤ جامعة الدول العربية، ويعرض خريطة طريق إيرانية مجهولة المعالم، لتحقيق الخلاص من الكارثة.
قد يقال إن من المفارقات توسط تركيا لتحقيق إجماع عربي على مخرج ما، ينهي الحرب على غزة، وإن أردوغان الذي بدأ في دمشق جولته على المنطقة، سيطلب ضغوطاً سورية على laquo;حماسraquo; للقبول بأفكار تركية - أوروبية لوقف النار. فمثلما تضررت المفاوضات السورية - الإسرائيلية غير المباشرة بالعدوان الذي استتبع وقفها، سيتطلب استئنافها حلاً دولياً لغزة يباركه العرّاب التركي.
المقلق أن هذا الحل إذا فرِض، بأفكار أميركية (خطة من 5 نقاط) على مقاس أمن إسرائيل، سيؤمّن شرعية، كما يتردد، لشراكة عربية - دولية مهمتها ضمان أمن الفصل بين إسرائيل وقطاع غزة، ووقف الضربات الصاروخية على الدولة العبرية. ترتاح laquo;حماسraquo; بين المعابر والجدار، ولكن، ألا يكتمل هكذا، laquo;الفخ الإسرائيليraquo; الذي ترفض مصر السقوط فيه؟... ألا يكتمل سقوط فلسطين؟
التعليقات