أحمد المرشد

اكتفى الموقف الأمريكي الرسمي والتشريعي (الكونجرس) بتوجيه الانتقادات الى حركة حماس وتحميلها مسؤولية ما يجري في غزة. وللأسف، فإن المذبحة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل، لم تحرك ساكناً في الولايات المتحدة، فهي جاءت في وقت يطلق عليه الأمريكيون بالمرحلة الانتقالية بين رئاستي جورج بوش وباراك أوباما. وتعلم الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; أن هذه المرحلة هي ldquo;فرصة نادرةrdquo; لتنفيذ عملياتها، وتتضمن امتحاناً للرئيس المقبل الذي اكتفى بتعليق مائع على المجزرة بقوله، إنه يتابع التطورات عن كثب، رافضاً الإدلاء بأي موقف.

وإذا انتقلنا الى الموقف الرسمي الأمريكي سواء الذي أعلنه البيت الأبيض أو وزارة الخارجية، فنجد لغة ldquo;السمrdquo; تخرج منه، فالتعليق الأمريكي أعطى ل ldquo;إسرائيلrdquo; الحق في ldquo;الدفاع عن نفسهاrdquo;. هذا الموقف الرسمي سانده للأسف الشديد رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي هوارد برمان وأعاد تكراره، وحمل حماس المسؤولية، دون أن يمعن النظر بالجثث والأشلاء والدمار الذي طال آلاف المدنيين.

ولكن المهم هنا الإشارة الى أن ldquo;إسرائيلrdquo; تعيش مرحلة ما قبل الانتخابات المبكرة التي ستجري في العاشر من فبراير/ شباط المقبل. ومعروف سلفاً أن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما تعيش واقعاً سياسياً مأساوياً عشية هذه الانتخابات. واقع يدل كل يوم لقيادات الحزب الذي تتزعمه أن منافسها بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود يتفوق عليها في كل استطلاعات الرأي، وأن حزب كاديما ربما لا يأتي حتى في المرتبة الثانية بعد الليكود التي قد يحجزها حزب شاس الديني المتشدد.

ولذلك وكما هي العادة دائماً، يحاول زعيم الحزب الحاكم في ldquo;إسرائيلrdquo; عشية أية انتخابات الظهور بمظهر الأكثر تطرفاً على حساب الشعبين الفلسطيني واللبناني. هكذا فعل شيمون بيريز عشية انتخابات 1996 أمام منافسه نتنياهو، حين شن ldquo;عملية عناقيد الغضبrdquo; التي أودت بحياة الآلاف من اللبنانيين، وخصوصاً في مجزرة قانا داخل مقر الأمم المتحدة، وادعى وقتها أن المقاومة اللبنانية أطلقت نيرانها من المبنى الذي يرفع علم الأمم المتحدة. وكذلك لم يسلم الفلسطينيون من حقد الآلة العسكرية ldquo;الاسرائيليةrdquo; في ظل ولاية بيريز القصيرة التي لم تدم سوى لأشهر قليلة بعد مقتل سلفه اسحق رابين.

ولم يكن ايهود باراك زعيم حزب العمل ورئيس الحكومة بعيداً عن هذه السياسة العدوانية عشية انتخابات فبراير 2001 أمام منافسه الليكودي ارييل شارون والذي فاز فيها الأخير، رغم ضخامة العمليات العسكرية التي شنها الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; بتعليمات مباشرة من باراك آنذاك، ليظهر لمستوطنيه أنه قادر على حمايتهم وتوفير الأمن لهم. فتوفير الأمن هو الشماعة التي يعلق عليها كل رئيس وزراء ومسؤول ldquo;إسرائيليrdquo; لتبرير أي اعتداءات عسكرية تقضي على المئات من الشعب الفلسطيني الأعزل.

ونتذكر حرب صيف 2006 التي شنها ايهود أولمرت على لبنان، ليثبت لمواطنيه أيضاً أنه قادر على توفير الأمن لهم، رغم هزيمته المعنوية في هذه الحرب وفشله هو والجيش في كسر إرادة المقاومة اللبنانية. وقد نشير أيضاً ونحن بصدد التذكير بمواقف القيادات ldquo;الإسرائيليةrdquo; عشية أية انتخابات، الى أن ايهود باراك زعيم حزب العمل وزير الحرب ldquo;الإسرائيليrdquo; يدخل الانتخابات المقبلة وحزبه يمر بحالة من التشتت ولا تمنحه استطلاعات الرأي سوى مقاعد قليلة قد تبعده تماماً عن المقدمة وبصورة لا تجعل منه هدفاً للتفاوض معه للشراكة في أية حكومة ائتلافية مع الليكود أو كاديما. ومن هنا، بالغ باراك مستغلاً منصبه كوزير للحرب للتذكير بماضيه العسكري والإرهابي، وليس مهماً عنده حياة الفلسطينيين، ولكن الأهم هو تصوير نفسه بالبطل القومي وأنه الشخص القادر على حماية ldquo;الإسرائيليينrdquo;، وأنه ليس بعامير بيرتس وزير الحرب إبان حرب لبنان في يوليو/ تموز 2006. فقد أصبح باراك وهو يتزعم حزب العمل في موقف ضعيف، لا يؤهله للفوز بالمقاعد التي تجعله يشترط الحصول على مقاعد الخارجية والمالية والداخلية، وهي الوزارات الأكثر أهمية في ldquo;إسرائيلrdquo;.

وليس أدل على هذا من توجيه باراك رسالة ل ldquo;الإسرائيليينrdquo; بأن تستغرق عملية ldquo;الرصاص المنهمرrdquo; أسابيع كثيرة، بما يتطلب من مواطنيه إبداء أكبر قدر من العزيمة والقدرة على الصمود لتمكينه وجيشه من استكمال المهمة كما حددها المستوى العسكري والسياسي. وذلك حسبما يقول باراك مخاطباً ldquo;الإسرائيليينrdquo; الذين يضعهم هو وكل زعماء الأحزاب الآن نصب أعينهم من أجل استمالتهم والاستحواذ على أصواتهم.

نعود الى الإدارة الأمريكية ومحاولة الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; اختبارها وتحديداً ما يتعلق بسياسة أوباما الجديدة حيال عملية السلام، مع استباق وصوله الى البيت الأبيض بأزمة من هذا النوع قد تكبل جهوده للانخراط بعملية المفاوضات وتعيده الى مرحلة ldquo;إدارة النزاعrdquo; التي طبعت الولاية الأولى لبوش مع بدء الانتفاضة الثانية عام ،2000 وليس ldquo;إدارة المفاوضات أو عملية السلامrdquo; كما يأمل الفلسطينيون والعرب. وبذلك تكون ldquo;إسرائيلrdquo; قد وضعت العربة أمام الحصان، لتوجه رسالة قوية الى الولايات المتحدة، مفادها أنها غير راغبة في التوجه السلمي للإدارة الأمريكية الجديدة، في ضوء المؤشرات التي كشف عنها المقربون من باراك أوباما والتي تعكس رغبة في انخراط جدي في السلام ومنها نية تعيين مبعوث رسمي لعملية السلام في الشرق الأوسط، في تكرار لما فعله الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون خلال ولايتيه الرئاسيتين.

ببساطة شديدة إن عملية ldquo;الرصاص المنهمرrdquo; هي مجرد واجهة لزعماء الأحزاب ldquo;الإسرائيليةrdquo;، لتحصيل أعلى نسبة في الانتخابات المقبلة، التي تكون دائما على حساب دم الشعب الفلسطيني. ونحن كعرب ما زلنا نعلن تمسكنا بمبادرة السلام العربية، التي ترفضها ldquo;إسرائيلrdquo; ولا ترى فيها سوى مضيعة للوقت ومجرد مناورة.

فلنتحد ولو لمرة واحدة ونوجه ل ldquo;الإسرائيليينrdquo; رسالة تختلف عن المطالبة بالسلام التي أصبحت كالأسطوانة المشروخة التي ملتها الآذان العربية.