سليمان العطار
تم إنجاز زراعة إسرائيل في قلب خارطة الوطن العربي منذ ستين عاما. وكان النبت laquo;شيطانيraquo;، وهو وصف شعبي لنبات ينبت فى غير أرضه ليضر باقى النباتات، ويحول دون نموها. وهذا بالضبط ما حدث. انقسم الوطن العربى جغرافيا إلى قسمين بينهما حاجز يحول بين القسمين والاتصال البرى. وكان هذا أول ضرر مادى ملموس، ثم استهلكت كل إمكانيات دول الطوق المحيطة بإسرائيل فى حروب عبثية انتهت بفقدان أجزاء غالية من أراضيها، وضاعت معها معظم أراضي فلسطين التي انقسمت بدورها إلى قسمين بينهما الحاجز نفسه لتصير خارطة فلسطين صورة رمزية للوطن العربي الكبير فى انشطاره شطرين تحجز بينهما مزرعة النبت الشيطاني التي حملت اسم أحد أنبياء التوراة : إسرائيل، منذ حدث ذلك والعرب جميعا منهكون بالقضية الفلسطينية، ولاعبون بها حتى ردد أحد الزعماء مستنكرا مطالب شعبه بالتنمية والديموقراطية: laquo;لاصوت يعلو فوق صوت المعركةraquo;، ومن يومها خفت صوت الشعوب، وتبع الانقسام الجغرافى انقسامات مثيرة للشفقة والحزن، لأن لا سبب للاختلاف والتشاجر بين الأخوة، إلا للتنافس لإرضاء النبت الشيطاني، استرضاءً لمن زرعه، وهو الغرب الذى تقوده أميركا.
أفلت الزمام هكذا من يد العرب وصاروا مجرد حلفاء من الدرجة الثالثة لأميركا يعطون ولا يأخذون، انتظارا لرضى أميركا، وأميركا لا ترضى مهما زاد العطاء العربي. كل يوم يقل شأن العرب ويهمشون على مستوى العالم تهميشا قلل من شأنهم، ونسبت إليهم كل الموبقات من الإرهاب إلى ذبح الخرفان بوحشية فى عيدهم الأضحى.
وجاءت مأساة غزة لتعيد بشكل أسوأ مأساة العدوان الوحشي على لبنان، ولتكشف من جديد عن الأمور التالية:
أولا : عمق الانقسامات العربية، إذ صارت قضية غزو غزة فى مذبحة لانظير لها مسرحا للمزايدات والمضاربات والحروب الفلسطينية الفلسطينية، والعربية العربية.
ثانيا :رعب بعض القادة العرب من اجتماع لقمتهم، وتحرق آخرين لعقد الاجتماع لتحرقهم للمنبرية الدعائية، وانصراف بعضهم عن القمة بحجة عدم جدواها. والذين يصيبهم الرعب يتحدثون عن ضرورة التحضير المتروِّي للقمة، وفي الحقيقة أنهم ينتظرون الضوء الأخضر الأميركى. وإني أعجب من المطافىء التى تقف أمام حريق أياما للتحضير لإطفائه ودراسة أبعاده وأسبابه. وهنا مايحدث فى غزة: حريق ينتظر من القمة إطفاءه. ولهذا كله يختلفون حول مكان انعقاد القمة ناسين أن لها مقرا، ويختلفون على موعدها الذى أظن أن قد فات أوانه.
ثالثا : أن المحطات الفضائية فى غيبة هيبة الحكومات العربية وغيبة الوعي عند شعوبنا تكاد تدير الحياة العربية والجماهير، وتصنع من الكوارث ما يضاف إلى تراث الكوارث العربى، ولم أعلم حتى الآن إعلاما فى العالم له هذه السطوة. هذه مصيبة، لكن المصيبة الأعظم تتضح أبعادها إذا انتفت البراءة عما يصنعون.
رابعا : موضوع غزة بقيادة حماس أو مايطلقون عليه laquo;الحكومة المقالةraquo; يضع العرب أمام موقف مستحيل، فهم إما يدخلون في حرب ضد إسرائيل لنصرة حماس، أو يكتفون بالشجب والإدانة لأنهم بالفعل غير مستعدين للحرب من ناحية، وغير قادرين على إقناع حماس بأي شروط لهدنة بينها وبين إسرائيل من ناحية أخرى ما يطلق آلة القتل والتشويه والتدمير بلا حدود من طرف إسرائيل، وهكذا يتحقق هدف حماس من إهداء الشهادة ومفاتيح الجنة لأكبر عدد من النساء والأطفال والشيوخ، ومن لا شأن لهم بشيء، وهي نسبة عالية من سكان أي وطن.
خامسا : إسرائيل تعرف كل ذلك وتستغله، بل وتستثمره للمضي قدما فى تنفيذ تكتيكاتها الرامية لإنجاز استراتيجيتهم فى السيطرة على الوطن العربى بأكمله.. مرة بالتوسع للاستيلاء على ما تبقى من فلسطين (وطرد عرب الضفة نحو الأردن وعرب غزة نحو سيناء، حسب كراس لاتفتأ سفارات إسرائيل بتوزيعه بين الفينة والفينة على المنظمات الدولية والسفارات، والذي لم يرد في الكراس حديث ليفني عن طرد عرب إسرائيل)، ثم الانتشار بين الفرات والنيل الوطن الموعود لبني إسرائيل حسب ما اخترعوه من أساطير، فما يحدث فى غزة جرس إنذار للعرب يتلو ألف إنذار قد سبق من دون أن يتنبهوا.
سادسا : ايران وتركيا يخترقان الوطن العربى (وأظن بتنسيق مع أميركا ) في مضاربات على قضية الصراع العربي الإسرائيلى، في تحقيق ثالوثي لمطامع فارسية وعثمانية وصهيونية تجتمع لتحقيق الحلم الأميركي في الشرق الأوسط الكبير أو الجديد لو أخذنا بمصطلح رايس خلال الحرب الإسرائيلية ضد لبنان.
سابعا : أخيرا العرب في مأزق حقيقي يظنون أن المجتمع الدولي سوف ينقذهم منه، وهذا مستحيل لو نظرنا كيف طار ساركوزي إلى روسيا لإنقاذ جورجيا بدعم من التحالف الغربي مجتمعا، وغزة ليست جورجيا، ومستقبل العرب يكاد يكون مرسوما لدى هذا الغرب، وما تفعله إسرائيل وغيرها في بلاد العرب جزء من استرتيجية غربية. والحل الوحيد أنه على عقلاء العرب البحث عن حلول عربية نقية دون عون أحد لمأزق يتسع، كما يتسع الخرق على الراقع. وأظن أن ما يحدث فى غزة ودلالاته ينبغى أن يدفع القمة العربية لحالة انعقاد دائم، على أن تتم جلسة شهرية لهم لحاجة قاتلة إن لم يتداركوها، وأول عمل بعد إطفاء نار غزة لو أمكن عمل حملة علمية منظمة لتوعية الشعوب العربية ونقلها من العصور الوسطى المتقدمة إلى عصرهم الذي يعيشون فيه فيزيقيا. وتأتي خلال ذلك وبعده خطوات ليس المقام مناسبا
لاقتراحها الآن.
التعليقات