جهاد الخازن
نشرت laquo;لوس انجليس تايمزraquo; أجمل صور التقطها القراء سنة 2008، ووجدت بينها صورة لرجل فلسطيني ظهره الى الكاميرا، ويداه وراء ظهره وفيهما كرة ثلجية، وأمامه جندي اسرائيلي مدجج بالسلاح، وقد بدت آثار ثلج في المكان، فلعل الصورة في القدس أو رام الله، أو أي مكان مرتفع من فلسطين يهطل فيه الثلج.
لا أدري إذا كان الفلسطيني الذي لفّ رأسه بالكوفية المعروفة رمى الجندي الإسرائيلي بكرة الثلج، ولا أدري إذا كان وضع بداخلها حصاة صغيرة لتكون أبلغ تعبيراً.
كرة الثلج ذكرتني بحذاء منتظر الزيدي ورأس جورج بوش، وما كنت لأنسى الحادث مع استمرار تدفق رسائل القراء، غير أنني أريد أن أختصر موضوع laquo;الجزمةraquo; لأنتقل الى ما هو أهم، فأقول انني مرة أخرى أرفض رأي laquo;الخواجاتraquo; العرب الذين اعتبروا رمي بوش بالحذاء تخلفاً أو همجية. فالأميركيون والأوروبيون اهتموا بالموضوع مثلنا وأكثر، وأكتفي اليوم بمجلة laquo;ذي نيشنraquo; الأميركية الليبرالية الراقية التي قالت ان الحذاء هو laquo;رمزraquo; إدارة بوش، وبالتحالف المعارض للحرب في بريطانيا الذي دعا الى تظاهرة أمام السفارة الأميركية شعارها laquo;احملوا معكم أحذيتكمraquo;. عربياً، تلقيت من مصادر عدة بيتين من الشعر هما: لديّ سؤال بحجم العراق/ وطول الفرات ومدّ النظر/ لماذا وأنت سليل النخيل/ تهين حذاءك يا منتظرْ.
ما سبق يكفي فانتقل الى أهم قضية عربية اليوم، وهي الحرب النازية الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد كتبت معترضاً على السياسة الانتحارية، بعد العمليات الانتحارية، وتلقيت عدداً كبيراً من رسائل القراء التي تستحق إِشارة أو تعليقاً.
القارئ صادق قال: ان ما كتبت توصيف دقيق وعميق وواقعي يرد على الانفعالات، فالعمل يجب أن يكون مدروساً. والقارئ بصري قال: عاش قلمك، كلام منطقي. والقارئ صادق قال: انني عبرت بالمقال عن كل ما في خاطره.
أتوقف هنا لأقول ان مقالي عن قطاع غزة تضمن قولي ان اسرائيل نازية، هي أقسى تهمة يمكن أن توجه الى يهودي، وان أميركا متواطئة الى درجة المشاركة في الجريمة، وان الدول العربية عاجزة وان حماس والجهاد الإسلامي، مثل حزب الله، حركات تحرر وطني في وجه ارهاب اسرائيل. ومثل هذا الكلام مكرر في كل مقال لي عن الصراع مع اسرائيل.
هذا الكلام تجاوزه قراء كثيرون دافعوا عن حماس وانتقدوا ما كتبت، وكانت رسائل المعارضة أضعاف رسائل التأييد، فلا مشكلة البتة عندي في الاعتراف بهذا، وأصر على أنني في موضوع المقاومة الفلسطينية أتَّهِم ولا أُتَّهَم، فأنا مع المقاومة ضد اسرائيل دائماً، وإذا اتخذَتْ قراراً أراه خاطئاً أو موقفاً أجده مخالفاً لمصالح الفلسطينيين فسأعلن ذلك من دون تردد.
غير أن للقراء رأيهم، والقارئ سليم منتصر يقول: ان الموت في سبيل الوطن والله ليس انتحاراً بل شهادة صدق. والقارئ غسّان يقول: ان من الصعب عليّ أن أفهم الذين اختاروا طريق الإسلام وطريق الشهادة. وأختار من رسالة طويلة للقارئ أسامة حسن الصغير سطوراً تشابه ما سبق، فهو يقول ان مشكلة بعض الناس، ويرجو ألا أكون منهم، laquo;أن ليس لديهم الإيمان أو الإحساس بأن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، وأن الله فرض علينا أن ندافع عن أرضنا وعن نفسنا وعن عرضنا...raquo;.
وواضح في كل ما سبق ان القراء، ومثلهم كثيرون، يدافعون عن حماس، وهي فصيل إِسلامي، من منطلق ديني وهذا حقهم، إلا أنني أسأل اليوم هل الشقيقات اللواتي رحن ضحية الغدر الإسرائيلي، أو أي امرأة أو طفل أو شيخ استشهد خلال العدوان سئل رأيه، وهل هو مستعد للشهادة، وهل يقبل الموت في معركة غير متكافئة أبداً.
بعد ذلك كانت هناك رسائل أكثر مما سبق تدافع عن حماس من زاوية مهاجمة الدول العربية، وتتهمها بما لا يمكن نشره، ولا أقول لهؤلاء القراء سوى انني لم أدافع في حياتي عن أي دولة عربية، ورأيي الدائم أنها جميعاً غير ديموقراطية ومن دون حكم قانون أو حقوق انسان ... غير أنه لا يتبع هذا الكلام حكماً ان حماس مصيبة، أو ان لها حقاً أن ترغم دول الجوار وغيرها على تغيير سياستها.
وكان القاسم المشترك في مجموعة رسائل أخرى الهجوم على السلطة الوطنية والرئيس محمود عباس شخصياً، وبعض الكلام كان قاسياً لا يصلح للنشر.
قلت حرفياً: إنني لست مع فتح ضد حماس، بل انتصرت لحماس كفصيل مقاومة. وأختتم محترماً كل رأي محترم حتى لو عارضني مئة في المئة. وكل ما أطلب هو ألا يقرأ القارئ على طريقة laquo;ويلٌ للمصلّين...raquo;.
- آخر تحديث :
التعليقات