توفيق المديني
بعدما غادر رئاسة الاتحاد الأوروبي ليلة 31 ديسمبر 2008، التي تحولت إلى الرئاسة التشيكية، قررالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي القيام بجولة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط يومي 5و6 يناير الحالي، تشمل مصر والأردن وأراضي السلطة الفلسطينية، وإسرائيل، ولبنان، وسورية. وتعتبر هذه الجولة محاولة من الرئيس ساركوزي للتفاوض بشأن خطة لوقف النار بين إسرائيل وحركة laquo;حماسraquo;. وهي حركة دبلوماسية مشابهة لتلك التي قام يها في أغسطس الماضي بين روسيا وجورجيا، حين توصل إلى إبرام تسوية لوقف النار في القوقاز من ست نقاط.
يعترف دبلوماسي فرنسي في وزارة الخارجية الفرنسية بأن الرئيس نيكولا ساركوزي قد لا يأتي بجديد إلى المنطقة، ولاسيما أنه خلال الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إلى باريس رفضت طلبا فرنسيا بهدنة إنسانية. وقالت إن laquo;إسرائيل تقف في خط الدفاع الأول عن العالم الحر في غزةraquo;، وإن laquo;المعتدلين العرب في صفهاraquo;.. laquo;ولأنه لكي ينتصر الاعتدال، لا بد من ضرب المتطرفينraquo;.
وعلى الرغم من هذا الرفض للمبادرة الفرنسية (الهدنة الإنسانية)، فإن أحد مستشاري الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، قال إن الرئيس مصمم laquo; على البحث عن دروب السلام في المنطقةraquo;، ذلك أنه لا توجد بدائل أخرى حتى الآن، في غياب ديناميكية دبلوماسية.
ويعترف دبلوماسي في وزارة الخارجية الفرنسية، بأن الرئيس الفرنسي قد لا يحمل جديدا الى المنطقة، غير أن laquo; الرئيس كعادته قادر على خلق الحدث، ويمكن أن ننتظر من رجل ديناميكي مثل ساركوزي، ذي الطباع الهجومية، أشياء كثيرةraquo;.
المبادرة التي يحملها الرئيس ساكوزي بشأن التوصل إلى هدنة عسكرية، والتي يناقشها اليوم في قمة شرم الشيخ التي يعقدها مع الرئيس المصري حسني مبارك، تتضمن ثلاث نقاط:
أولا: وقف فوري ومتبادل لإطلاق النار.
ثانيا: توفير آلية دولية لضمان ومراقبة وقفه من خلال مراقبين دوليين.
ثالثا: فتح معابر القطاع مع إسرائيل.
جدير بالذكر هنا القول إنه قبل عقد قمة شرم الشيخ، أعلن قصر الإليزيه، أن ساركوزي تشاور حول الوضع في المنطقة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الإسباني خوسيه ثاباتيرو، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوعان، ورئيس الوزارء الإسرائيلي إيهود أولمرت، علما أن مبادرة ساركوزي لا تحظى بالدعم الأوروبي الكامل، إذ إن معظم الدول الأوروبية منفردة تقف إلى جانبlaquo;شرعية إسرائيل في الدفاع عن نفسهاraquo;.
لماذا كانت مصر المحطة الأولى للرئيس ساركوزي؟ لأن مصر لعبت خلال السنوات الماضية دور الوسيط بين إسرائيل وحماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ يونيو 2007، بيد أن علاقاتهما التي ازدادت سوءا في الفترة الأخيرة، جعلت مصر خارج اللعبة. وهذا ما جعل القاهرة تشن هجوما عنيفا على حركة حماس التي تواجه الحرب المفتوحة من جانب العدو الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ اتهمت الحركة بمحاولة إبعادها عن وساطة لتثبيت تهدئة لمصلحة دول إقليمية بينها سورية، وذلك في وقت تشهد مصر حركة دبلوماسية أوروبية، توجها الرئيس ساركوزي بلقاء قمة مع الرئيس مبارك لمناقشة الخطة التي يحملها.
وتريد فرنسا أن تعود مصر لكي تلعب دورا مركزيا في البحث عن حل للأزمة القائمة. لأن الأسوأ، من وجهة نظر قصر الإليزيه، هو تعزيز حماس وتركها تحقق نصرا دبلوماسيا من خلال إقصاء مصر، وتفضيل أطراف آخرين. ويعتقد الإليزية أن الرئيس مبارك الذي يترأس مع الرئيس ساركوزي الاتحاد من أجل المتوسط، وحيث أن بلده مصر وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، يظل laquo;نموذجا للاعتدال في المنطقة، ويتطلب منا دعمهraquo;.
ولا تتطرق مبادرة الرئيس الفرنسي إلى فتح معبر رفح، ذلك أن هذا المعبر يخضع لاتفاق العام 2005، وتصر مصر على فتحه فحسب بحضور السلطة الفلسطينية من خلال الحرس الرئاسي منعاً لانقسام القطاع عن الضفة الغربية، وخشية أن تحيل إسرائيل من خلال إجراءات الأمر الواقع مسؤولية القطاع إلى مصر. ويلتقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، الذي همشته أحداث الحرب الصهيونية على غزة، قبل أن يجتمع برئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت.
على الرغم من الوساطة التي تقوم بها تركيا لجهة التقريب بين الأشقاء العرب المختلفين فيما بينهم، فإن المبادرة الفرنسية التي يقودها الرئيس ساركوزي هي الأكثر قبولا في المنطقة، ولا سيما إذا أخذ في الاعتبار عاملين رئيسين: أولهما أن ساركوزي يمكن أن يقوم بدور بديل للدور الأميركي المشلول راهنا لاعتبارات عديدة، أهمها:قرب انتهاء ولاية جورج بوش بعد حوالي خمسة عشر يوما، وعدم قدرة الرئيس المنتخب أوباما على المبادرة في انتظار تسلم مهامه رسميا يوم 20 يناير الحالي، وطموح فرنسا أن تلعب دورا أكبر في المنطقة، ولاسيما فيما يتعلق بالمفاوضات السورية ndash;الإسرائيلية، والمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية. وثانيهما أن الدول المعنية في المنطقة تقبل بالدور الفرنسي، ولاسيما أن ساركوزي سعى إلى نقل المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل والتي ترعاها تركيا، إلى باريس التي يعتقد المحللون أنها يمكن أن تكون مكانا محتملا لانعقاد مثل هذه المفاوضات في مرحلة لاحقة، وإن حصلت هذه المفاوضات برعاية أميركية.
وتحمل زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت الثلاثاء 6 يناير رسائل عديدة: الاهتمام بلبنان في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها الإقليمية. والثانية دعم متجدد للرئيس اللبناني ميشال سليمان. ويجمع المراقبون أن المشاورات بين الرئيسين الفرنسي واللبناني ستتركز على محورين : نجاح الرئيس ميشال سليمان في إقامة علاقة توازن في سياسته الخارجية لجهة انفتاحه على العالمين الغربي والعربي، وعلى إيران.
ويراهن الرئيس الفرنسي على لقائه بالرئيس بشار الأسد في دمشق صباح الثلاثاء، بهدف مساعدته على إنجاح وساطته نظرا للعلاقة الجيدة التي تربط حركة حماس بسورية، والإسراع بوقف إطلاق الصواريخ على المدن والمستوطنات الإسرائيلية. ويعتقد الدبلوماسيون الفرنسيون أن الرئيس بشار الأسد laquo;مدينraquo; للرئيس ساركوزي بالدور الكبير الذي لعبه في إخراج سورية من عزلتها الدولية حين استقبله في قمة تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط التي عقدت في باريس في 13 يوليو الماضي، على رغم المعارضة الأميركية الشديدة وكذلك المعارضة من بعض الدول العربية.
فهل ستتجاوب دمشق لجهة مساعدة ساركوزي في التوصل إلى هدنة عسكرية، ما يسهل استئناف المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل في المستقبل؟
التعليقات