جهاد الخازن

القيادة التاريخية لمنظمة التحرير الفلسطينية انتهت مع محمود عباس، ولن يقود الفلسطينيين بعد الآن أبو العلاء أو أبو اللطف أو أبو ماهر غنيم أو أي من الأبوات الآخرين.
فتح وحماس، على رغم كل خلاف بينهما، تجتمعان في الفشل في الحكم، فقد أثبت كل من الفصيلين أنه لا يتسلم الحكم حتى يتحول اشلى حكومة عربية أخرى، هدفها البقاء في الحكم على أساس تحالفات مصلحية أو عشائرية تتقدم على خدمة القضية الفلسطينية أو المجتمع الذي أوصل الفصيل الى الحكم.
فتح فشلت في عشر سنوات وحماس فشلت في سنتين، وأصبح واجب الفلسطينيين بمساعدة العرب الآخرين أن يبحثوا عن قيادة جديدة توقف النزيف، وتعيد القضية الى الصدارة، فالحقيقة الأكيدة هي أن فشل حكومات الفصائل أفقد فلسطين تحت الاحتلال صفة laquo;قضية العرب الأولىraquo;. فهناك الآن العراق، بل خوف بعض دولنا من ايران وتقديمهم الاهتمام بها على فلسطين، ثم مشاكل الفقر والفساد والديكتاتورية في غير بلد عربي ما يشغل أهله عن الاهتمام بقضايا خارج حدودهم.
أبو مازن لن يدخل غزة على دبابة اسرائيلية. أنا أعرف الرجل ويقيني أنه لن يفعل. وكان الخلاف بين حماس والسلطة تحول الى خلاف شخصي بين الرئيس والأخ خالد مشعل، إلا أن هذا شيء، والتعاون مع الإسرائيليين شيء مختلف تماماً ومستحيل.
من ناحية أخرى، أبو مازن من نوع نادر بين الزعماء العرب، فهو زاهد في الحكم، ولا أستبعد أن يغضب يوماً ويعتزل كما فعل في نهاية صيف 2003 وهو رئيس للوزراء. غير أن ما نعرف حتى الآن هو أن ولايته تنتهي بعد يومين، ومعلوماتي الإضافية انه يريد الاستمرار بتكليف من الدول العربية في اجتماعها الوزاري الأخير ليجري انتخابات رئاسية وبرلمانية معاً خلال بضعة أشهر. وقد سمعت من مصادر وثيقة الصلة به أنه قرر عدم السعي الى الرئاسة مرة أخرى.
إذا غاب أبو مازن، مَن يقود الفلسطينيين بعده؟
القادة من حماس سيظلون قادة حماس وحدها كفصيل اسلامي، ولن يقود اسماعيل هنية أو غيره الشعب، فهناك بالإضافة الى المعارضة الفلسطينية معارضة دول عربية أساسية، ومعارضة دولية أشد.
إذا لم يكن القائد من حماس، فهو يجب أن يكون على علاقة حسنة بها، وأن يستطيع التعامل معها وكسب ثقتها. وهذا يلغي محمد دحلان مرشحاً، فقد مضى وقت كان يعتبر فيه خليفة أبو عمار لما يملك من ذكاء وقدرة وكاريزما وشباب.
إلا أن محمد دحلان يملك من الأعداء بقدر ما يملك من الحلفاء، وقد سمعت قادة من حماس والجهاد الإسلامي يقولون laquo;بيننا وبينه دمraquo;، ما يجعل أهليته للقيادة ضعيفة، وهذا من دون أن نزيد تهم الفساد، وما زعمت حماس أنها وجدت بين أوراقه في غزة، فالمنشور حتى الآن لا يدينه، مع أن هناك داخل فتح نفسها مَن يريد محاسبته هو وسمير مشهراوي ورفيق أبو شباك.
إذا كان المطلوب قيادة شابة أو دماً جديداً، فقد اقترح الأخ ناصر القدوة الذي تابعت عمله سفيراً لفلسطين لدى الأمم المتحدة ووزيراً للخارجية، ووجدته واسع القدرة نظيف اليد عفيف اللسان، إلا أنني أقدمه كنموذج، مدركاً أنه لن يكون الزعيم الفلسطيني القادم إلا بمعجزة، فهو لا يملك قاعدة شعبية تحمله الى الرئاسة، وعمله أبعده عن الاتصال المباشر بغالبية أبناء شعبه. وقد فكرت فيه بعد ان قال لي مسؤول عربي بارز إنه laquo;عظيمraquo;.
ربما كان مروان البرغوثي أفضل مَن يقود الفلسطينيين في المرحلة المقبلة، ولكن كما أن أبو مازن لن يدخل غزة على دبابة اسرائيلية، فإن أخانا مروان laquo;سيحترقraquo; إذا أفرج عنه الإسرائيليون وحده ليقود الفلسطينيين، لأنه سيبدو وكأنه خيارهم للقيادة.
مروان كان على علاقة جيدة بقيادة حماس وثمة احترام متبادل، والرجل له أنصار فلسطينيون في الداخل والخارج، إلا أن فرصه تحتاج الى تعزيز، والسيناريو الأفضل أن يكون خروجه من السجن بجهد عربي ودولي، فيفرج عن حوالى ألف سجين، بينهم وزراء ونواب حماس المسجونون، ما يعزز الثقة بين الفصائل الفلسطينية.
لا أعرف مَن سيكون الزعيم الفلسطيني الجديد، إلا أنني أعرف أن الفلسطينيين بحاجة الى قيادة جديدة شابة تجمع الناس حول قضيتهم كما لم يفعلوا منذ سنوات.