صلاح الدين خاشقجي
الاستثمار في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة يحتاج إلى الكثير من الشجاعة، فمع الخسائر الكبيرة التي حققها معظم المستثمرين في شتى المجالات الاستثمارية، أصبح الرعب والهلع هما سيدي الموقف، وبالطبع الكاش أيضا.
فالكل يبحث عن السيولة الآن، وهذا شكل عامل ضغط إضافي على الأسواق، ويدفع بها إلى مستويات غير مسبوقة، ولم تكن متوقعة حتى من قبل من يسمون quot;المستثمرون الأذكياءquot; أو صناع السوق. فقد كان عام 2008 صعبا جدا على الكل وقد غير الكثير من قواعد لعبة الاستثمار على كل المستويات.
وفي العام الماضي دفع بنك quot;آر بي إسquot; نحو 100 مليار دولار مقابل شراء بنك quot;آي بي إن آمروquot; الهولندي. مقابل هذا المبلغ يمكنك اليوم شراء كل من سيتي بنك بنحو 30 مليار دولار، ومورجان ستانلي بنحو 15 مليار دولار، وجولدمان ساكس بنحو 30 مليار دولار، وميريل لينش بنحو 15 مليار دولار، ودويتشه بانك بنحو 15 مليار دولار، أي إن ما دفعه بنك آر بي إس قبل نحو عام يساوي الآن نحو ربع القطاع البنكي الأمريكي، فهل كانت تلك الصفقة خاسرة؟
عام 2008 كان سيئا بجميع المقاييس على كل الشركات، فالتدفقات النقدية التي توقع مهندسو صفقة شراء بنك آي بي إن آمرو لن تصل بأي حال إلى مجموع التدفقات النقدية الناتجة عن استثمار نفس المبلغ اليوم في البنوك السابق ذكرها. وعلينا أن نتكيف مع معطيات هذه الأزمة، وما استجد عنها من خسائر قد تبدو لوهلة غير منطقية. فالتشبث بمعطيات السوق قبل الأزمة ليس إلا ضربا من الجنون أو الإحباط.
تقول نكتة اقتصادية أخرى، إنك لو استثمرت مبلغ 1000 دولار بداية عام 2008 في خطوط طيران دلتا فإن محصلة استثمارك اليوم ستكون نحو 10 دولارات. أما إن استثمرتها في شركة إيه آي جي، التي أنقذتها الحكومة الأمريكية من الإفلاس، فإن المحصلة ستساوي نحو 15 دولارا. في حين أنك لو قمت بشراء ما قيمته 1000 دولار من المشروبات الغازية، وشربتها ثم بعت صفائح الألومونيوم، فإنك ستحصل على ما قيمته 200 دولار!.
وكما تخلق الأزمات صعوبات وخسائر كبيرة، فإنها في نفس الوقت تخلق فرصا غير مسبوقة ومغرية جدا، فشركات النفط كانت المستفيد الأكبر في العام الماضي، وحتى مع تخفيض توقعات الاستهلاك العالمي للنفط في العام القادم، فإن النفط سيستمر كمصدر رئيس للطاقة على الأقل لمدة عقدين آخرين، بالإضافة إلى ذلك فإن تخفيض الإنتاج وانخفاض الأسعار سيساهم في تخفيض تكاليف المشاريع البتروكيماوية، التي قد تشهد طفرة جديدة تبدأ مع عام 2011، ففي مقابلة مع برنامج 60 دقيقة التابع لمحطة سي بي إس الأمريكية، صرح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، أن المملكة تفهم جيدا أهمية النفط وتضع كل معطيات أزمة 2008 في حسبانها للتخطيط للمستقبل. ولذلك فقد بدأت الشركة بتمويل دراسات لتطوير محركات ذات فعالية أكبر وصديقة للبيئة في نفس الوقت. وزير البترول والثروة المعدنية علي النعيمي صرح لنفس القناة أن المملكة تخطط لأن تكون المصدر الأول للطاقة في العالم عن طريق استثمار الطاقة الشمسية، فتصبح مصدرة للكهرباء والبترول.
ولذلك علينا أن نثق في أننا قادرون على تجاوز الأزمة المالية العالمية بمساهمتنا في خطط التنمية، فالمعطيات الاقتصادية تتطلب منا لعب دور أكبر إقليميا وعالميا. وما تأكيد مجلس التعاون الخليجي على أن موعد إطلاق العملة الخليجية لن يتأخر إلا دليل على وعي الحكومة لدورها الكبير والصعوبات التي ستواجه الدول النفطية في العقدين القادمين.
التعليقات