آن أبلباوم - لوس أنجلوس تايمز، واشنطن بوست
تتغير الظروف ومعها أسماء اللاعبين الأساسيين، ويتناوب مفاوضو السلام على الذهاب والمجيء من وإلى الشرق الأوسط ومعهم تفاصيل الاتفاقيات التي يحملونها في جعبتهم، لكن في النهاية يظل جانب واحد من الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني على حاله دون تغيير، ذلك أنه عندما تفشل جميع المحاولات لابد أن أحدهم في مكان ما سيصدر بياناً يدعو فيه إلى السلام. والحقيقة أنه لم يكن هناك أبداً نقص في عدد التصريحات والبيانات التي تحض على السلام طيلة الأيام القليلة الماضية. ففي أعقاب الهجوم الإسرائيلي على غزة ناشد quot;بان كي مونquot;، الأمين العام للأمم المتحدة: quot;جميع أطراف المجتمع الدولي لإظهار الوحدة والالتزام بإنهاء الأزمة المتصاعدةquot;، ودعا في ذات السياق خافيير سولانا، المنسق الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، إلى وقف الأعمال العدائية، معلناً أن quot;وقف إطلاق النار يجب أن يتقيد به الجميع ويُحترم بشكل واضحquot;، ولم ينسَ رئيس الوزراء البريطاني، جوردون براون، التذكير بالحاجة إلى quot;وقف فوري لإطلاق النارquot;.
وفيما كانت الأيام تمر سريعاً أعقب هذه التصريحات ما يشبه الهجرة الجماعية للسياسيين إلى الشرق الأوسط، حيث شد الرئيس الفرنسي ساركوزي وإلى جانبه وزير الخارجية التشيكي الرحال إلى إسرائيل، وربما التقيا هناك مع خافيير سولانا أو توني بلير أيضاً، بل حتى الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، لم يتوانَ عن إرسال مبعوثه الخاص إلى المنطقة. ويبدو أنه على غرار فريق رياضي يشارك في الأولمبياد ويبحث عن الميداليات الذهبية أصبح امتلاك سياسة خاصة بالشرق الأوسط من متطلبات الوجاهة الدولية، لكن فيما عدا تلك الوجاهة فإنه من الصعب الخروج بأي فائدة من التحركات الدبلوماسية والتصريحات المرافقة لها. ففي الشرق الأوسط كانت المبادرات الدبلوماسية الناجحة هي تلك التي تجري بهدوء وبعيداً عن الأنظار تماماً مثل quot;اتفاق أوسلوquot; للعام 1993 الذي أُجريت مفاوضات بشأنه، على الأقل في المرحلة الأولى، في سرية تامة، وفي المقابل انتهت الاستعراضات الدبلوماسية التي كان ينتظر منها تحقيق اختراق ما في عملية السلام مثل مؤتمر أنابوليس في خريف عام 2007 دون تحقيق نتيجة تذكر، على رغم ما رافقه من تبادل للأنخاب وظهور كل من هب ودب من الوسطاء الثانويين على شاشة التلفزيون.
والواقع أن المشكلة الأساسية مع جهود السلام تلك ومؤتمراته ومبادراته التي لا تعد ولا تحصى هي عدم اعتراف أي منها بحقيقة جوهرية متعلقة بالصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي وهي أننا لسنا بصدد عملية سلمية، بل نحن إزاء عملية حربية منذ البداية. فمازال الطرفان في هذه المرحلة على الأقل مقتنعين بأن أهدافهما ستتحقق بشكل أفضل عبر السلاح والتكتيكات العسكرية مقارنة بالاستمرار في المفاوضات. ولذا يبقى التدخل، سواء كان من الأوروبيين الذين تحركهم نواياهم الحسنة، أو المبعوث الروسي، أو حتى كوندوليزا رايس نفسها، مجرد محاولات لتأجيل الصراع، لكنها لا تستطيع وضع حد نهائي للعنف اللَّهم إلا إذا أعلن أحد الطرفين استسلامه. ولئن كان quot;اتفاق أوسلوquot; قد نجح في تحقيق بعض الهدوء فلأنه ترافق مع ظروف موضوعية مثل الهجرة الروسية المكثفة إلى إسرائيل وسقوط الاتحاد السوفييتي، بالإضافة إلى الشعور بالتعب الذي أوصل الفلسطينيين إلى قناعة مفادها أنه لا يمكن بعد ثلاثين عاماً من النضال رمي إسرائيل في البحر، فيما أدرك الإسرائيليون من جانبهم أن سياسة الاحتلال ربما تضرهم أكثر مما تنفعهم وأنهم سيستفيدون من المفاوضات أكثر مما سيكسبون من الحرب.
وفي انتظار ذلك فإن كل ما يقال عن سلبية إدارة بوش وصمت باراك أوباما وعجز العرب وضعف أوروبا ليس سوى محاولة يائسة لإلقاء اللوم على الخارج، بينما المشكلة الحقيقية تكمن بين الأطراف المعنية، ولن تقود الجهود الدبلوماسية الحالية سوى إلى تأخير الصراع ما دام توقف الحرب مرهوناً بانتصار أحد الطرفين على الآخر. وهو انتصار لن يتحقق أبداً.
التعليقات