على حساب تراث الأجيال.. وتجربتي 1967 و1973
القاهرة - حسام الدين مصطفى
هل تصبح إيران quot;العدو المثاليquot; للمواطن المصري بديلا عن اسرائيل، وهل تتحول طهران إلى quot;العدو الاستراتيجيquot; للقاهرة بديلا عن تل أبيب؟
سؤال طرح نفسه بشدة عقب الازمة التي نشبت بين القاهرة وحزب الله والتزايد المطرد في نبرة العداء الحكومي والاعلامي الرسمي المصري تجاه ايران، وتعليق تهمة تصعيد حماس العسكري والتسبب في الازمة القائمة، في رقبة طهران في الوقت الذي تحولت الادانة المصرية تجاه اسرائيل إلى إدانة quot;تقليديةquot; لا تتفاعل مع quot;العداوة الفطريةquot; في الشارع المصري.
هذا التصعيد يصطدم بمحاذير نفسية على الأجيال المصرية الجديدة التي لم تشهد أي حروب مع اسرائيل ولا تستشعر بفداحة التضحيات المصرية والعربية التي بذلت لمصلحة القضية الفلسطينية، حيث تصل نسبة الشباب في الفئة العمرية، ما بين 15 إلى 29 عاما، إلى نحو 32% من تعداد السكان وهم الفئة الأكثر تأثيرا. الفكرة التي يستند إليها عدد من علماء النفس تقوم على ان بداية العداء لإسرائيل من هذا الجيل، الذي ولد بعد عام 1973، كانت بداية سماعية منقولة عن حكايات الأهل عن اسرائيل، وعززتها الصورة المنقولة بصريا في الأفلام التسجيلية عن الحرب، وبالتالي فإن ايا منهم لم يعايش الخراب الذي سببته اسرائيل في الحرب مع مصر، ولم يشعر احدهم بمرارة الهزيمة التي شعر بها اسلافهم بعد 1967.
هذه الصورة يمكن ان تختل إذا حاول احدهم زرع عداء جديد مكان القديم، مما يعني ان محاولة وضع إيران مكان اسرائيل بعد كل هذه السنوات وهذا التراث quot;المتراكمquot; من قبل الإعلام الحكومي والأسرة، يمكن أن يفقده الثقة اصلا في معلوماته القديمة.. ويفقده بالتالي الثقة في تاريخ مصر الذي ارتبطت فيه كلمة العدو باسم الدولة العبرية.
خيانة كبرى
التحذير من الفكرة لم يكن نفسيا فقط، فقد أجمع عدد من الخبراء السياسيين على خطورة هذا التلاعب الفكري، من بينهم استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة وخبير التنمية البشرية ومدير مركز quot;المشكاةquot; للدراسات السياسية الدكتور نادر فرجاني الذي رد على هذه التساؤلات بقوله: اراها خيانة كبرى لمصلحة الشعب العربي عموما، والمصري خصوصا، بتحويل العداء من الدولة التي اغتصبت حقوق العرب في فلسطين، وتمارس اسوأ الانتهاكات طوال 60 عاما، الى عدو متوهم هو ايران لا يخدم في الحقيقة الا الاجندة الاميركية الصهيونية في المنطقة، ولا يخدم مصلحة الشعب المصري والعربي. وهو تعبير عن ان النظام يستند الى الدعم الاميركي والاسرائيلي، وهذا يدل، حسب قول فرجاني، على جهل مطبق بالتاريخ وبسلوك الادارة الاميركية وكذلك الاسرائيلية.
ويرى استاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان وعضو حركة 9 مارس، لاستقلال الجامعات الدكتور يحيى القزاز ان هذا الطرح الحكومي قد يكون منطقيا ومقبولا من النظام، اذا اقترن برؤية حقيقية للنظام ــ سواء كانت صحيحة او خاطئة ــ لانه من المفترض ان تكون لكل دولة استراتيجيتها وعدوها الرئيسي للعمل على تماسكها سياسيا وعسكريا وجماهيريا، ولكن المشكلة الحقيقية ان النظام المصري لا يتبنى رؤية خاصة به، بل رؤية تساند السياسة الاميركية التي تصوغ ما تريد وتحدد الاعداء في المنطقة حسب مصالحها الخاصة، واخطر ما في هذه المسألة، حسب قوله، هو تأثيراتها في الاجيال الجديدة في مصر التي لم تعرف في حياتها سوى رئيس واحد، ومنطق اعلامي واحد، ويستبدل عداء اسرائيل بعداء ايران، رغم ان الاخيرة لا تمثل خطرا حقيقيا على مصر بسبب التباعد الجغرافي على الاقل، وينسى ان هذا الجيل يشاهد يوميا بعينية التجريف والابادة المنهجية للشعب الفلسطيني.
غير ان استاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة وعضو مجلس الشورى الدكتور مصطفى علوي يخالف هذا الرأي، مؤكدا ان فكرة اي شعب عن العدو لا يصنعها الاعلام وحده، فعندنا في مصر يتشكل وجدان الشعب في البداية عن طريق التربية الدينية والعقيدة الشاملة التي تحدد وتبين العداء اليهودي للمسلمين ثم ان كتب التاريخ التي يدرسها الطلبة في المدارس كلها ايضا تحوي صور العداء اليهودي والاسرائيلي لمصر، وبالتالي فوسائل الاعلام احد المؤثرات فقط، لكنها ليست المؤثر الوحيد، ثم ان المواطن المصري يرى ما يحدث في غزة يوميا، مما يكرس لديه صورة العدو في اسرائيل اكثر واكثر، بينما لن يجد هذه الصورة لدى ايران، حيث لا روابط جغرافية ولا تاريخية ولا خطورة حقيقية.
التعليقات