علي الموعي، مالك عسّاف

ديفيد سانغر

كشف مسؤولون أميركيون وأجانب كبار النقاب عن أن الرئيس الأميركي جورج بوش رفض طلباً سرياً من إسرائيل العام الماضي، لتزويدها بقنابل قادرة على الوصول إلى خنادق عميقة تحت الأرض لضرب مُجمّع نووي إيراني رئيسي، لكنه وافق على تنفيذ عملية سرية، بهدف تقويض جهود إيرانية مشبوهة لتطوير أسلحة نووية.

ولم يحدّد مسؤولو البيت الأبيض ما إذا كانت إسرائيل قرّرت تنفيذ الضربة قبل أن تحتجّ الولايات المتحدة عليها، أو ما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يستدرج البيت الأبيض إلى الاضطلاع بعمل حاسم، قبل أن يترك الرئيس بوش منصبَه، إلا أن إدارته أصيبت بصدمة لطلب إسرائيل السماح لها بعبور الأجواء العراقية للوصول إلى المُجمّع النووي الإيراني الرئيسي في ناتانز، حيث توجد المحطة الوحيدة في البلاد لتخصيب اليورانيوم.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن البيت الأبيض رفض الطلب بشكل قاطع، الأمر الذي حدا بالإسرائيليين إلى إلغاء خططهم، في الوقت الحاضر على الأقلّ. وأعقب ذلك قرارٌ أميركي بتكثيف تبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل، بغية إطلاعها على مساعي واشنطن لتقويض البنية التحتية النووية لإيران، ضمن ملفّ سرّي للغاية ينوي الرئيس بوش تسليمه لخلَفِه باراك أوباما.

تمّ الحصول على هذه المعلومات خلال مقابلات أجريت على مدى الأشهر الـ 15 الأخيرة مع مسؤولين أميركيين وأوروبيين وإسرائيليين حاليين وسابقين، وخبراء أجانب ومفتشين دوليين عن الأسلحة الذرية، مع الأخذ في الاعتبار التكتم الشديد الذي أحيطت به المعلومات الاستخبارية حول إيران، وقد جرى حذف بعضها حرصاً على استمرارية العمليات الحالية.

ويستفاد من المقابلات أن الرئيس بوش لم يُصدر أية أوامر إلى وزارة الدفاع laquo;البنتاغونraquo; بالذهاب إلى ما هو أبعد من التخطيط الأوليّ، حتى في السنة الأخيرة من ولايته، وأن كبار مستشاريه بمن فيهم وزير الدفاع روبرت غيتس، أقنعوه بأن أي هجوم علني على إيران لن يُجدي نفعاً، وأنه سيؤدي إلى طرد المفتشين الدوليين وسيدفع ببرنامجها النووي قدماً، لكن بعيداً عن الأنظار. كما تباحث الرئيس بوش ومساعدوه في احتمال أن تؤدي ضربة جوية ضد إيران، إلى إشعال حرب تتسع رقعتها لتشمل منطقة الشرق الأوسط، ولا يجد 140 ألف جندي أميركي موجودين حالياً في العراق مفرّاً من الانخراط فيها.

أوباما أمام الاختبار الصعب

على أن العمليات السرية والتساؤل عمّا إذا كانت إسرائيل ستقنع بأقلّ من هجوم تقليدي على إيران، ستشكل بحدّ ذاتها معضلة يتعيّن على الرئيس أوباما مواجهتها في وقت مبكر.

إذ كانت الولايات المتحدة بدأت برنامجها السري للغاية هذا مطلع العام 2008، وهو يتضمن اختراق شبكة التزوّد الإيرانية في الخارج، وتعطيل الأنظمة الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر والشبكات الأخرى التي يعتمد عليها الإيرانيون، وذلك بهدف تأخير اليوم الذي تتمكن إيران فيه من إنتاج وقود نووي، وتصميم وتصنيع أسلحة ذرية.

ولا يخفي بعض المسؤولين في إدارة الرئيس بوش شكوكهم حيال فرص نجاح هذه الخطة، ويعيدون إلى الأذهان أن الإيرانيين كشفوا خططاً سابقة لم تكن نتيجتها سوى laquo;تأخيرraquo;، وليس laquo;تحييدraquo; جهود إيران، لكشف أسرار تخصيب اليورانيوم.

جاء في تقديرات المفتشين الدوليين العام الماضي أن إيران تمتلك 3800 جهاز طرد مركزي، واليوم يقدّر مسؤولو الاستخبارات الأميركية عددها بين 4 إلى 5 آلاف، وهو ما يكفي لإنتاج كمية من اليورانيوم لتصنيع سلاح ذري واحد على الأقلّ، كل ثمانية أشهر تقريباً.

ويقول مسؤول كبير في المخابرات الأميركية، إنه في الوقت الذي يستعدّ فيه الرئيس بوش لمغادرة البيت الأبيض، بات الإيرانيون قاب قوسين أو أدنى من امتلاك القدرة على التسلح النووي، ولم يعُد يبدو أن بالإمكان توقيفهم. ويرى آخرون أنه لو كان الأمر على هذه الصورة لما كان بالإمكان إقناع الإسرائيليين بعدم شنّ هجوم.

يُذكر أنه منذ انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة يوم الرابع من شهر نوفمبر (كانون الأول) الماضي، يجري تزويده بمعلومات وافية عن الأنشطة الأميركية في إيران، فيما يرفض مساعدوه في الفترة الانتقالية، الحديث في هذا الموضوع.

ويترتب على الرئيس أوباما أن يحدّد في مرحلة مبكرة من ولايته ما إذا كانت العمليات السرية التي بدأت في عهد بوش تستحق المجازفة بتقويض ما تعهّد به شخصياً، حول تكثيف حجم النشاط الدبلوماسي في التعامل مع إيران.

وأياً كان الطريق الذي سيسلكه أوباما فإنه لن يخلو من مجازفة. وسواء اختار الموروث المخابراتي أو العمل العسكري، فإن أقلّ خطأ قد يعود عليه بنيران ارتدادية، على غرار ما حصل للرئيس جون كينيدي أثناء عملية خليج الخنازير في كوبا. غير أن التراجع عن عمليات تستهدف إيران بشكل خاص، من شأنه أن يجعل من أوباما هدفاً لانتقادات بأنه أتاح المجال أمام طهران لتسريع الخُطى نحو بناء قدرات نووية، سينتج عنها تغيير ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط.

نزاع استخباراتي

جاءت محاولة إسرائيل الحصول على الأسلحة والقدرة على إعادة التزود بالوقود جواً، وأيضاً على الإذن بالتحليق فوق العراق للهجوم على إيران، نتيجةً لعدم تصديقها لتقرير الاستخبارات الأميركية، الذي أُكمل في أواخر العام 2007، وتوصَّل إلى أن إيران علَّقت بالفعل تطوير الأسلحة النووية منذ أربع سنوات.

النتيجة التي توصَّل إليها هذا التقرير أذهلت حتى فريق الأمن القومي في إدارة بوش، وأيضاً بوش نفسه، الذي كان يشكك بهذه النتيجة، حسب المسؤولين الذين ناقشوا التقرير معه، علماً أنه كان مبنياً على مجموعة كبيرة من التقارير الإيرانية، التي تم الحصول عليها، نتيجة اختراق شبكات الكمبيوتر التابعة للحكومة الإيرانية. وقد أشارت التقارير الإيرانية إلى أن المهندسين الإيرانيين أُمروا بإيقاف تطوير الرؤوس الحربية النووية في العام 2003، بالرغم من أنهم استمروا بتخصيب اليورانيوم، الذي يُعتبر العائق الأكبر أمام تطوير أي سلاح نووي.

النسخة المعلنة عن التقرير لم تتطرق إلا بشكلٍ عابر إلى الأدلة المشروحة بالتفصيل في النسخة السرية، والتي تتناول الشكوك بأن إيران كان لديها بين 10 و15 منشأة، لها علاقة بأنشطة نووية، لم يتم فتحها أمام المفتشين الآخرين، حيث يُعتقد أن أنشطة التخصيب أو تصنيع الأسلحة أو تصنيع حاويات الطرد المركزي تجري بداخلها. بالطبع كانت ردود أفعال الإسرائيليين غاضبة تجاه التقرير الأميركي، وقدموا لمسؤولي الاستخبارات الأميركية، وأيضاً لرئيس قادة الأركان المشتركة مايك مولن، أدلة أخرى توضح بأن الإيرانيين مازالوا يعملون على تطوير سلاح نووي.

ومع أن الأميركيين لم يقتنعوا بهذا التقرير الإسرائيلي حول استمرار إيران بتطوير الأسلحة النووية، إلا أن الإسرائيليين لم يكونوا الوحيدين الذين وجهوا انتقادات شديدة للتقرير الأميركي. فوزير الدفاع روبرت غيتس، وهو مدير سابق لوكالة الاستخبارات المركزية، قال إن التقرير لا يقدم أدلة قوية، كونه يقلّل من أهمية استمرار إيران بأنشطة التخصيب، ويسلط الضوء أكثر على القرار الإيراني بتعليق برنامج تطوير الأسلحة، والذي يمكن العودة عنه بسهولة. وفي مقابلة صحافية قال غيتس إنه لم يرَ في حياته كلها مثل هذا التأثير الكبير لتقرير صادر عن الاستخبارات في الدبلوماسية الأميركية، وذلك لأن الاعتقاد السائد حالياً بين الناس هو أن الخيار العسكري لم يعد موجوداً على الطاولة.

التخطيط للهجوم

في أوائل العام 2008 نوَّه مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية إلى أنهم قد يتولون هم مسؤولية إنجاز هذه المهمة. وعبر سلسلة من اللقاءات مع الأميركيين، طالب المسؤولون الإسرائيليون بتوفير جيل جديد من القنابل المضادة للمستودعات المحصنة تحت الأرض، وأيضاً بتوفير التقنية اللازمة التي تمكنهم من إعادة التزود بالوقود جواً، كما طالبوا بالحصول على ترخيص للتحليق فوق العراق، رفض بوش تلبية الطلبين الأولين، لكن الإسرائيليين أصروا على تلبية الطلب الثالث. إلا أن البيت الأبيض والبنتاغون كانا يخشيان من أن يؤدي ذلك إلى حدوث فوضى عارمة في الأراضي العراقية، تؤدي في النهاية إلى طرد القوات الأميركية من البلاد. وفي يونيو (حزيران) الماضي، قام الإسرائيليون بتدريبات فوق البحر المتوسط بدت وكأنها استعداد للهجوم على مفاعل laquo;نتانزraquo; لتخصيب اليورانيوم. وعندما حلَّل المسؤولون الأميركيون في البنتاغون هذه التدريبات، توصَّلوا إلى أنها تضمنت مسافات تعادل المسافة بين إسرائيل والمفاعل الإيراني.

المسؤولون في البيت الأبيض ناقشوا احتمال قيام الطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجواء العراق، من دون الحصول على ترخيص أميركي بذلك، ثم تساءلوا عما إذا كان سيُطلب إلى الجيش الأميركي إسقاطها. وفي حال لم تتدخل الولايات المتحدة لإيقاف الهجوم الإسرائيلي، فهل ستُتَّهم إدارة بوش بأنها شريكة في هذا الهجوم؟

في أوائل يوليو (تموز) ذهب الأدميرال مولن إلى إسرائيل، وسأل المسؤولين الإسرائيليين عن حقيقة نواياهم، فقال له نظيره الإسرائيلي الجنرال غابي أشكينازي، إن شن هجومٍ جوي من شأنه أن يؤخر البرنامج النووي الإيراني من سنتين إلى ثلاث سنوات. لكن يبدو أن المسؤولين الإسرائيليين اقتنعوا بعد هذه الزيارة أنه لن يكون بإمكانهم توجيه ضربة حاسمة للبرنامج النووي الإيراني من دون الحصول على مساعدة أميركية.

وعلى صعيد آخر، رفضت الولايات المتحدة الموافقة على منح إسرائيل أيا من الأشياء التي طلبتها منها، مثل رادار laquo;إكس باندraquo;، الذي يستطيع كشف إطلاق أي صاروخ من داخل إيران، علماً أنه كان الشيء الوحيد، من بين مجموعة الأشياء التي طلبتها إسرائيل، الذي كان يُستخدم لأغراض دفاعية فقط، وليس هجومية. وقد قال جيف موريل، المتحدث باسم وزير الدفاع غيتس، إنه يعتقد أن laquo;توجيه ضربة للمنشآت الإيرانية ليس بالأمر الذي تسعى إليه الولايات المتحدة أو أية دولة أخرى في هذه الأوقاتraquo;.

بالرغم من العقوبات الاقتصادية والضغوط المالية التي فُرضت على إيران من قبل إدارة بوش، إلا أنه بدا أن سرعة الإيرانيين في تخصيب اليورانيوم، كانت أكبر من الأثر الذي أحدثته العقوبات. وعندما أدرك الرئيس بوش أن العقوبات الاقتصادية والعمل العسكري لن يجديا، لجأ إلى وكالة الاستخبارات المركزية، على أمل أن يتمكن من تأخير البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب استمرار العقوبات وانخفاض أسعار النفط. وإلى جانب تأخير تقدم العمل في مفاعل ناتانز.

كانت الاستخبارات الأميركية تسعى للضغط على العالم الإيراني محسن فخري زاده، الذي تقول التقارير الاستخباراتية إنه المسؤول الأول عن تطوير قنبلة إيران النووية. بيد أن الحقيقة هي أنه لا أحد يعرف تماماً ماهية المشاريع التي يقوم بها فخري زاده. وفي الوقت الذي أعلنت الاستخبارات عن أن إيران أوقفت العمل في مشروعي 110 و111، يبقى هناك أمرٌ آخر تخشاه وكالات الاستخبارات، وهو أنه في حال تمت العودة للعمل بهذه المشاريع، فهل ستتمكن هذه الوكالات من معرفة ذلك في الوقت المناسب؟

كبير مراسلي صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; في واشنطن، وقد أعدّ هذا التقرير أثناء إجرائه بحثاً لكتابه laquo;الميراث: العالم الذي سيواجهه أوباما والتحدّيات في وجه النفوذ الأميركيraquo; الذي سيصدر يوم غد الثلاثاء عن دار laquo;هارمونيraquo; للنشر في الولايات المتحدة.

عن : laquo;نيويورك تايمزraquo;